كلاوس شواب

ربما يكون مفيداً في هذا السياق، أن ندرك كم نحتاج من المياه لنحافظ على كفاءة مختلف جوانب اقتصادنا وحياتنا. فإنتاج لتر واحد من النفط يتطلب استهلاك ما يصل إلى 5ر2 لتر من الماء، وتستهلك المحاصيل التي تتم زراعتها من أجل الوقود الحيوي، ألف لتر من الماء وسطياً، لانتاج لتر واحد من هذا الوقود. كما نحتاج إلى 2700 لتر من الماء للحصول على قميص ldquo;تي شيرتrdquo; قطني، وإلى 4 آلاف لتر من أجل إنتاج كيلوجرام واحد من القمح، وإلى نحو 16 ألف لتر لإنتاج كيلوجرام واحد من اللحم البقري. وهناك أرقام لا تقل إثارة للدهشة في مجال السلع الاستهلاكية التي لا نفكر بكميات المياه الهائلة المستهلكة في إنتاجها، ومنها الحليب، والعصائر، والقهوة، والفاكهة، والبيتزا، والمنظفات، والسجاد، والطلاء، والأجهزة الكهربائية المنزلية، ومستحضرات التجميل، وغيرها. ووسطياً، يستهلك الفرد في المجتمعات الثرية، حوالي 3 آلاف لتر من المياه يومياً. وحتى على صعيد إنتاج المواد الأساسية اللازمة لدعم النمو الاقتصادي، بما فيها الاسمنت والفولاذ والمواد الكيماوية وتوليد الطاقة والتنقيب، فهي تحتاج أيضاً إلى كميات هائلة من المياه.

لقد لمسنا هذا العام انعكاسات عاملين أساسيين على أسعار الغذاء، هما التحول إلى زراعة محاصيل إنتاج الوقود الحيوي، والجفاف. ولاشك في أن السبب الأهم الذي يكمن وراء هذه القضية هو المياه. ويمكن أن تكون هناك انعكاسات أخطر على المستهلكين. ولو نظرنا إلى المناطق الزراعية الرئيسية التي توصف بسلة غذاء العالم وتوفر الاحتياجات الغذائية للأعداد المتزايدة من سكان المدن في عالمنا، سنكتشف أننا ماضون باتجاه مقايضات مؤلمة أو حتى صراعات. هنا يجب أن نقف عند جملة من التساؤلات: هل نستخدم المياه القليلة المتوفرة في أحواض أنهار كولورادو، وإندوس، وموراي دارلينج، وميكونج، ودلتا النيل، أو في سهول شمال الصين؛ من أجل الغذاء، والوقود، والناس والمدن، أم من أجل التنمية الصناعية؟ كم من مياه منابع الأنهار يمكننا تخزينها فعلاً؟ وماهي الطرق التي تتيح لكل قطاع اقتصادي الحصول على كفايته من الماء لتلبية تطلعاته الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية؟ وكيف لنا أن نضمن سلامة البيئة واستمرار ازدهارها؟

لا شك في أن الإجابة عن هذه الأسئلة قد تكون صعبة للغاية. وبخلاف مسألة خفض الانبعاثات الكربونية، ليس هناك ما يمكن الترويج له كبديل يغنينا عن الماء، وليس هناك من حل عالمي نتفاوض بشأنه. فإقفال صنبور الماء في فانكوفر أو برلين، لن يساهم في الحد من آثار الجفاف في راجستان أو أستراليا، إذ أن المياه ثروة محلية، وبالتالي قد تصبح الأحواض المائية سبباً لاندلاع الصراعات في المستقبل. والأحواض المائية عبارة عن مساحات واسعة تتجمع فيها مياه الأنهار الرئيسية في العالم، ومن ثم تواصل طريقها لتصب في البحار. ويعيش في منطقة هذه الأحواض ملايين الناس، حيث تضم مزارع وغابات ومدناً ومناطق ساحلية، وغالباً ما تتقاطع على أراضيها حدود سياسية لعدة دول. ولعل الماء المستخدم في ري المزروعات لإنتاج الغذاء والمنسوجات سيستقطب الجزء الأكبر من الاهتمام، إذ إن حصة هذا القطاع من الماء تصل إلى 70% من إجمالي مياهنا العذبة. وعليه، فإن أي توفير في هذه المياه سيكون له تأثير إيجابي في مكان آخر من الحوض المائي.

وبتكليف من ldquo;المعهد الدولي لإدارة المياهrdquo;، أجرى 500 باحث دراسة للمياه التي نستخدمها في الزراعة. وأمضى العلماء خمسة أعوام في إعداد تقريرهم الذي خلص إلى أنه في غضون بضعة عقود من الآن، لن يتبقى لدينا ما يكفي من المياه لتلبية احتياج العالم من الغذاء، ما لم يتم تطبيق إصلاحات سريعة ومستدامة على صعيد إدارة استهلاك الماء والزراعة.

وعلاوة على ذلك، فإن التغييرات المناخية ستسهم في تعجيل أزمة نقص المياه وتفاقمها. ويقول أحدث تقرير أصدرته اللجنة الحكومية الدولية للتغير المناخي (IPCC) إنه في حال ارتفع متوسط حرارة الارض بمقدار ثلاث درجات مئوية، فإن مئات الملايين من الناس سيعانون من نقص شديد في المياه. ومن هنا، يمكننا القول إن هذا التقرير هو بمثابة نداء لكي نستيقظ من غفلتنا ونبدأ العمل على التصدي لمشكلة المياه قبل فوات الأوان.

وستتجلى أبعاد هذه المشكلة شيئاً فشيئاً خلال السنوات القليلة المقبلة، كعاصفة في الأفق قادمة نحونا. وكل ذلك يتربع على وضع نعيشه اليوم وغير مبرر أخلاقياً، وهو أن 20% من سكان العالم اليوم، ليس لديهم مورد مياه نظيفة.

وبرغم كل ذلك، لم يصل الأمر حد الكارثة بعد، ولكننا نتحمل جميعاً مسؤولية إيجاد الحل. فيجب على الشركات، مثلاً، تعزيز كفاءة استخدامها للمياه، وقد قام العديد منها بالفعل بالارتقاء بمعايير استهلاك هذه الثروة التي لا تعوّض، ويمكننا أن نورد العديد من قصص النجاح المشجعة. بيد أن العمل الفردي غير كافٍ، ويجب أن تتضافر جهود كل من يعيش في مناطق الأحواض المائية، من أجل الوصول إلى حل ناجع، وهنا تكمن صعوبة هذا التحدي. ولكن إذا ما عالجنا الأمور بذكاء وبأسلوب مبتكر، ومن خلال التعاون بين الحكومات والشركات والمعنيين بالقطاع، فمن المؤكد أننا نستطيع تفادي الأسوأ، وإلا فنحن ماضون نحو الكارثة.

وفي ضوء هذه المعطيات، سينعقد الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي سيركز على الأبعاد الاقتصادية والسياسية لأزمة المياه، وسيعمل على تعزيز الوعي بين زملائنا في قطاع الأعمال، والسياسيين، والمجتمع عموماً، إضافة إلى تدارس سبل مواجهة هذا التحدي القادم إلينا بسرعة. ترى كيف يمكننا البدء لكي نضمن عالماً ينعم فيه الجميع، بما في ذلك شركاتنا، بالأمن المائي بحلول عام 2020؟ هدفنا من اجتماع دافوس بسويسرا، هو تشجيع إنشاء تحالفٍ غير مسبوق بين القطاعين الحكومي والخاص، يسهم في إيجاد السبل التي تتيح لنا إدارة احتياجاتنا المستقبلية من المياه بكفاءة درءاً للكارثة المحدقة.


مؤسس ورئيس مجلس الإدارة التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي