محمد العنقري: عادة ما تمر الأسواق العالمية بأزمات إما بفعل ذاتي نتيجة تراجع مستويات النمو للشركات المكونة لها ،أو بتباطؤ بالنمو الاقتصادي ،أو مخالفات قانونية، و إما بسبب ظروف خارجية سواء كوارث طبيعية أو حروب.
وبكل الحالات نجد أن المسؤولين الاقتصاديين في الدول عامة ينبرون للتدخل من خلال أدوات كلاسيكية معروفة أو بالظهور الإعلامي لطمأنة الأسواق. إلا أن ما جرى الأسبوع الماضي من انهيار مفاجئ وقاسٍ في السوق المالية السعودية وان كان له ارتباط بما حدث من تهاوٍ في الأسواق العالمية قادته الأسواق الأميركية،أظهر أزمة أكبر من هذا الانهيار،وتتمثل بغياب تام لمسؤولي الفريق الاقتصادي في الحكومة. فتهاوي السوق المالية بثلاث ضربات أفقدت السوق أكثر من 2500نقطة،بينما فقدت من القيمة السوقية قرابة 300مليار ريال.
ويعتبر الكثيرون أن هيئة السوق المالية هي المعنية بالتصريح عن أحوال السوق ،وهل ما يحدث فيها يخالف قواعد التداول؟ أو هل هناك تقصير بالبيانات الصادرة من الشركات؟ إلا أن دور الهيئة المغيب بهذا السقوط هو تعليق التداول خصوصا يوم الثلاثاء عندما أقفلت السوق بالنسبة القصوى نزولا،بخلاف ما قررته بعض إدارات الأسواق في دول نامية كالهند .
ولكن في مثل هذه الأزمة فإن الحدث أسبابه اقتصادية،وبالتالي كان الغياب الحقيقي لمسؤولي مؤسسة النقد العربي السعودي المسؤولة عن السياسة النقدية،والسوق المالية جزءا أساسيا منها.فكان حري بهم الظهور فورا لطمأنة المتداولين إلى سلامة الوضع النقدي،وانه لا توجد أموال خارجية تتعامل في السوق،وبالتالي لا مبرر للخوف من وجود أموال ساخنة تتداول.
وكذلك انتظارهم لما سيقرره البنك الفيدرالي الأميركي الذي قدم درسا لكل البنوك المركزية العالمية،وخصوصا في الدول النامية عندما عجل بقرار خفض الفائدة دعما للأسواق وإيصال رسالة تفيد بقدرة البنك الواسعة للنهوض بالاقتصاد وتدارك أزماته واحتوائها . فيما لم يسمع أي صوت من وزارة المالية لإعطاء صورة عن السياسة المالية،وهل هي تسير وفق ما خطط لها؟ أم أن هناك ما يدعو إلى القلق،وبالتالي يتطلب سياسة انكماشية. وهل الأوضاع الاقتصادية العالمية ستؤثر بشكل مافي اقتصادنا؟
أما وزارة التجارة فهي غائبة دائما عن السوق المالية من خلال عدم مراقبة الشركات ووصول البعض منها لوضع مزرٍ عبر سنوات طويلة دون تدخل منها إلى أن وصلت إلى مرحلة الإفلاس مع غياب كامل للمحاسبة أو التحقيق مع أعضاء مجالس الإدارات للشركات المساهمة. بخلاف غياب التقارير عن مستوى حجم الصادرات ونسبة نموها ووضع الشركات السعودية المصدرة أي القطاعات الأكثر نموا بمجال التصدير،وخلاف ذلك من التقارير المهمة عن النشاط التجاري للاقتصاد السعودي.
فنظرية كينز الاقتصادية الشهيرة حددت دورا للجهات الحكومية المعنية بالملف الاقتصادي وضرورة تدخلهم بدرجات محددة .وأن اقتصاد أي دولة لا يترك بمعزل عن التدخل بأي لحظة تخلق حالة من الذعرغير المبرر كما حدث في سوقنا مما يفقدها الجاذبية الاستثمارية،ويربك المتعاملين فيها،ويبعدهم عن أداء دورهم المهم بدعمها من خلال التمويل لأي منشأة اقتصادية ترفد الناتج الوطني،وتوفر الفرص الوظيفية للمواطنين. فلقد أصبحت السوق المالية خيارا استراتيجيا لأي اقتصاد منفتح يبحث عن تنظيم تدفق النقد وتوظيفه بالشكل الذي يعود بالفائدة الكبيرة على المجتمع.
فإلى متى يبقى مسؤولونا المعنيون بالشأن الاقتصادي بعيدين عن الحدث الاقتصادي،وينتظرون الفعل وردة الفعل ليقوموا بإعادة ردة الفعل حتى يفقد قرارهم أي اثر حقيقي لاحتواء الأزمات والتفاعل معها، فالانهيار الأخير جعل المتداولين يتابعون الأسواق الدولية والقرارات فيها ليقوموا بوضع استراتيجياتهم المستقبلية،بل إنهم تابعوا الأسواق المجاورة بينما السعودية هي قائد الاقتصاد في المنطقة العربية والشرق أوسطية. ويفترض أن ينظر لردة فعل سوقها ليقرر الآخرون ما سيفعلون،فانضمامنا إلى منظمة التجارة العالمية وانفتاحنا على الاقتصاد العالمي يتطلب تعاطيا مباشرا مع الوضع الاقتصادي وحضورا دائما من المسؤولين ليكونوا قريبين من الحدث واحتوائه .
التعليقات