نجلاء عبد ربه من غزة: أقبل الحاج أبو طارق مسرعاً نحو محل لبيع المواد التموينية في احد أزقة شوارع غزة القديمة. فهو يعتقد أن هذا المحل لا يرتاده الناس كونه يقع في شارع غير رئيسي. وبينما سأل أبو طارق عن طحين وأرز مصري، ولم يجد طلبه، جلس على كرسي قديم كان صاحب المحل قد وضعه أمام محله، وبدأ أبو طارق رحلة الخيال والخوف من فقدان الطحين في منزله، وما سيترتب عليه لاحقاً في حال تصاعد الصراع بين الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين في غزة.

ويعيل الحاج أبو طارق quot;64 عاماًquot; تسعة أولاد، بما فيهم إبنه سعيد العاطل عن العمل والذي تزوج منذ سنتين وسكن في بيت العائلة القديم مع والده.

وتغلق إسرائيل المعابر التجارية بشكل كامل منذ أسابيع، مما أثر في نقص السلع التموينية الأساسية عند الغزيين، وأدى إلى نفاد الطحين من السوق بشكل تام، وهو ما حذا بالمواطنين إلى البحث مطولاً في كافة المحلات التي تبيع الدقيق والسلع الأخرى، دون جدوى.

وتقف السيدة نجاة محمود، أرملة، في حيرة من أمرها، فهي من جهة لا تملك أموالاً لتشتري مواد أساسية لبيتها، ومن جهة ثاني تعتمد على الشؤون الإجتماعية وبعض الجمعيات التي تقدم لها ولأمثالها بعضا من تلك المواد، لكن تلك الجمعيات هي الآن بحاجة لمن يعيلها، بسبب شح المشاريع الإغاثية المقدمة لغزة نتيجة حصار إسرائيل لها براً وبحراً وجواً.

ويقول الدكتور الشيخ رمضان طنبورة، رئيس جمعية الفلاح الخيرية التي تعمل في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية، أن جهد الجمعيات المختلفة قل كثيراً قياساً بالسنوات الماضية بسبب الحصار الخانق التي تفرضه إسرائيل على المدن الفلسطينية خاصة في قطاع غزة.

وأضاف الشيخ طنبورة لإيلاف quot;لولا مصداقية عملنا في الجمعية أمام المتبرعين، لتوقفت جمعيتنا عن العمل بشكل كامل. فالمتبرع العربي بحاجة إلى توثيق وتصوير ما يتبرع به للفلسطينيين، كي يضمن وصولها إلى أيادي الفقراء بشكل سليمquot;.

في غزة، وصل تخوف المواطنين إلى ذروته مع كل تصريح إسرائيلي بقرب بدء الإجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة، الأمر الذي حذا بالجميع إلى شراء ما يمكن شراءه من مواد إستهلاكية. وهو ما أكده محمد عبد الرؤوف، رب أسرة من 6 أفراد، قائلاً quot;لولا المساعدات الدولية التابعة لوكالة الأونروا للاجئين الفلسطينيين، لما وجدنا ما نشتريه من السوقquot;.

وأضاف لإيلاف quot;عدد من اللاجئين في غزة يبيعون أكياس الدقيق أو زيت القلي او الأرز والمعلبات الأخرى، خاصة عندما يكون الواحد منهم قد إكتفى بما عنده في بيته من تخزين لتلك المواد، فنقوم نحن بشرائهاquot;.

لكن الوكالة ذاتها تضررت هذه الفترة بسبب تشديد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وحذرت من نفاد مخزونها بالكامل من مخازن قطاع غزة خلال أيام قليلة. بينما تعاني الأسواق التجارية في مدن قطاع غزة من نقص حاد في السلع التموينية الضرورية من جراء إغلاق إسرائيل المعابر التجارية في وجه البضائع والاحتياجات الإنسانية.

وشددت إسرائيل على إغلاق كل المعابر التجارية المؤدية إلى غزة، عقب تدهور الأوضاع الامنية، وانتهاء التهدئة التي استمرت ستة أشهر وإنتهت قبل أربعة أيام، بينها وبين حركة حماس الإسلامية التي تسيطر على قطاع غزة.

ويعيش مليون ونصف المليون في قطاع غزة على وقع الحصار الإسرائيلي ونتائجه السلبية. فالحياة اليومية أصبحت شبه مستحيلة في ظل الظلام الدامس الذي تعيشه كافة المناطق في غزة لأكثر من 16 ساعة يومية، بسبب عدم تزويد إسرائيل بالوقود الصناعي لشركة الكهرباء الوحيدة التي تغذي المناطق الوسطي والشمالية ومدينة غزة، فضلاً عن إنقطاع غاز الطهي من بيوت الناس، الأمر الذي حذا بهؤلاء الناس إلى الرجوع لإستخدام أفران الطين الصغيرة الخاصة بالطهي. وزاد الأمر تعقيداً مع نفاد الدقيق من السوق بشكل تام.

ورغم وجود عشرات الأنفاق بين الأراضي الفلسطينية والمصرية لتهريب بضاعة مصرية إلى غزة، فإن تلك الأنفاق لم تفٍ بحاجة السوق وتعطشه للمواد الرئيسية التموينية. في وقت إشتكى العديد من الفلسطينيين من إرتفاع أسعار السلع المهربة من الأنفاق.