هوارد سينكوتا
في خمسة أيام من كل أسبوع، وطيلة السنة، تطبع مطابع خاصة تابعة لمكتب الولايات المتحدة للنقش والطباعة في واشنطن ودالاس، 38 مليون قطعة ورقية مالية قيمتها نحو 750 مليون دولار.

وهذا المبلغ الضخم هو مجرد جزء صغير من مجمل إمدادات البلاد من العملة، المقدرة بنحو 7.6 تريليون دولار في آذار (مارس) الماضي.

ويرى خبراء أميركيون ان طبيعة النظام الضخم والمعقد وأداءه من الأموال والاعتمادات في الولايات المتحدة أمر بالغ الأهمية، ليس فقط لتعافي اقتصاد البلاد بل لخير النظام المالي العالمي ونموه أيضاً.

واليوم، إذ تعاني الأسواق المالية إجهاداً من جراء خسائر ضخمة في قطاعي العقارات والاعتمادات، يخضع النظام المالي الأميركي لفحص دقيق أكثر من أي وقت مضى خصوصاً مجلس الاحتياط الفيديرالي، الذي يعمل كبنك مركزي وطني.

وسوق الاقتصاد الحر في الولايات المتحدة منظمة إلى حد كبير. وقال بن برنانكي، رئيس المجلس، أخيراً في خطاب: laquo;إن قوى السوق تقرر معظم النتائج في اقتصادنا، وهي في الواقع تساعد على فهم الكثير من نجاحات بلدنا في ايجاد الثروات. ان مجمل الأسواق تنشر معلومات وتحدد الأسعار بصورة أكثر فاعلية مما يستطيع أي مخطط مركزي ان يفعلهraquo;.

وأشار إلى ان laquo;التدخل والتنظيم الحكومي المستهدفين يمكنهما ان يفيدا الاقتصاد، خصوصاً في حالة الأسواق المالية، لترويج الاستقرار والنمو الاقتصاديين ولحماية المستهلكين والمستثمرينraquo;.

ان المعارك السياسية حول طبيعة العمل المصرفي والمالي في الولايات المتحدة قديمة قدم الدولة نفسها. وهذه الانقسامات القديمة عكست بصورة نموذجية التوتر بين المصالح الزراعية والأعمال الصغيرة في الجزء الغربي من البلاد، من جهة، ومصالح الشركات والمصارف خصوصاً في الجزء الشرقي، من جهة أخرى. فالمصالح الريفية الغربية، عارضت وجود بنك مركزي قوي، بينما أيد الممولون وقادة الشركات الشرقية ذلك.

ويقول نائب رئيس مجلس أمناء البنك دونالد كون: laquo;عكس التشريع الذي تبناه الكونغرس في نهاية عام 1913 معركة حامية جرت للموازنة بين وجهتي النظر هاتين المتنافستين، وأوجد التركيبة المركزية ndash; واللامركزية الحالية بين القطاعين الخاص والعامraquo;.

وتأسس أول بنك مركزي في البلاد في عام 1791، لكنه لقي معارضة شديدة من المصالح الريفية والحزب الديمقراطي الناشئ بزعامة توماس جيفرسون، الذي ادعى أنه خاضع لسيطرة مصالح كبيرة تجارية ومالية.

وأثار laquo;مصرف الولايات المتحدة الثانيraquo;، الذي منح امتيازاً لمدة 20 سنة عام 1816، معركة شرسة بين المصالح المالية الشرقية، بقيادة رئيس المصارف نيكولاس بيدل والرئيس أندرو جاكسون الذي قاد القوى الشعبية. وحظيت معارضة جاكسون للسيطرة المالية المركزية بدعم الكثير من المزارعين والطبقة العاملة من الأميركيين، خصوصاً في الغرب النامي بسرعة.

ولعل جاكسون استخدم حججاً اقتصادية مشكوكاً في صحتها ضد المصارف، إلا ان صدى وجهات نظره بشأن السلطة المركزية للمصرف تردد عبر مناقشات اقتصادية استمرت حتى عصرنا الحاضر. فقد قال عن قانون إعادة الامتياز للمصارف: laquo;إن الكثير من أغنيائنا لم يكتفوا بالحماية والمنافع المتساوية بل إنهم ألحوا علينا كي نجعلهم أكثر ثراء بقانون من الكــونغــرسraquo;. وانتصر جــاكســون بسحبــه كل الأموال الفيديرالية مــن المصــارف وعدم تجديده امتياز المصارف حين انتهى عام 1836.

وعملت أميركا إلى حد كبير عبر مصارف مستقلة وأخرى مجازة من الولايات في القرن التاسع عشر. لكن حتى إنشاء مصارف متمتعة بامتياز وطني عام 1863 تعذر منع حالة الهلع المالي المفاجئ الذي أدى في الكثير من الأحيان إلى انكماش اقتصادي واسع الانتشار.

فالهلع المصرفي عام 1893، مثلاً، أطلق شرارة أسوأ كساد اقتصادي حتى ذلك الحين، وحفز ذعراً حاداً آخر عام 1907 على إصدار قانون الاحتياط الفيديرالي بعد خمس سنوات، وهو القانون الذي أوجد الاحتياط الفيديرالي كنوع من laquo;بنك مركزي مجرد من المركزيةraquo;، في حل وسط كلاسيكي يوازن بين مصالح المستهلك والمصالح التجارية ويكبح العناصر العامة والخاصة.

لكن الاحتياط الفيديرالي عجز عن منع الكساد الكبير في الثلاثينات الذي أعلن خلاله إفلاس 10 آلاف مصرف تقريباً. إلا ان قانون المصارف لعام 1935 حقق عدداً من الإصلاحات الحيوية، كان من بينها laquo;شركة تأمين الودائع الفيديراليةraquo; لضمان الودائع المصرفية.


محلل في laquo;نشرة واشنطنraquo;.