إسماعيل دبارة من تونس: كثرت في الآونة الأخيرة تساؤلات عدد من المستهلكين التونسيين عن الأسباب التي تجعل من الحكومة تُحجم عن خفض أسعار المحروقات خصوصًا أنّ حكومات عربية بادرت إلى ذلك ومن بينها الأردن، ولعلّ توقع عدد من المتابعين لاستمرار انخفاض أسعار البرميل، جعل من تساؤلات المستهلك التونسي مبرّرة.


يقول منير فوراتي صاحب سيارة أجرة لإيلاف: quot;نحن لا نختلف كثيرًا عن الأردن الذي قام بالتخفيض في أسعار المحروقات احترامًا لطلبات مواطنيه و احتجاجاتهم على الأسعار المُشطة، سعر برميل النفط تراجع كثيرًا عما كان عليه منذ أشهر، أرهقتنا الزيادات حينها ولكن اليوم لم يعد لها أيّ مبرّرquot;.
مستخدمو السيارات في تونس يرون في أنفسهم الفئة الأكثر تضرّرًا من ارتفاع أسعار المحروقات عالميًا، ولكنهم في الوقت ذاته مستاؤون من انخفاض السعر العالمي وبقاء الوضع على حاله في تونس، وكأنها quot;غير مرتبطة بالأسواق العالميةquot; على حدّ تعبير بعضهم. وترفض الحكومة التونسية من جهتها مطالب التخفيض في أسعار البنزين ومشتقات البترول معتبرة أن الأردن بخلاف تونس رفع الدعم عن المحروقات في حين تقدم الحكومة التونسية دعما بـ890 مليون دينار سنويًا.


وتؤكد وزارة الصناعة والطاقة من جهتها أنه لن يكون هناك أي تعديل للأسعار نتيجة الانخفاض على مستوى العالمي بسبب عدم استقرار السوق العالمية لأسعار البترول من جهة ، و بسبب ارتفاع الدولار المسجل منذ عدة أسابيع من 1 1.25للدولار الواحد إلى 1.37 للدينار تونسي. واعتمدت وزارة الصناعة سعر البترول المسجل في حدود شهر سبتمبر الذي بلغ 90 دولارًا للبرميل للتبرير لموقفها هذا.
ويرى مراقبون أنّه لا يوجد في الأرقام التي توردها الحكومة سعر البنزين صنف 50 الوارد تحت صيغة quot;غير متوفرquot;و يعني ذلك أن سعره حقيقي وهو غير مدعوم علمًا أن ليترًا من quot;القازوال 50quot; تباع بـ1.150 دينارًا تونسيًا مقابل 950 quot;للقازاول العاديquot; بما يعني فارق ب200 مليما في اللتر الواحد.


وتقول سعاد الهادف (موظفة) :quot;هذه الأرقام مجردة فهي تقوم على افتراض سعر 90 دولارًا للبرميل الواحد وهو سعر غير نهائي، لأن سعر البرميل في أكتوبر/ تشرين الثاني كان تحت 70 دولارًا بما يعني انخفاضًا بأكثر من 20 دولارًا، وهو اليوم دون الخمسين دولارًا. وكل ذلك يفترض أن سعر المحروقات المتداول غير مدعوم و في اقل الاحتمالات مدعوم بنسبة ضئيلة جدًاquot;. وفي تونس يبلغ الدعم الجملي للمواد البترولية 1.525 مليون دينار لسنة 2008 ومن المنتظر أن يعدّل هذا الرقم في القريب العاجل بالنظر إلى انخفاض سعر البرميل.


ويرفض المعارضون لتوجهات الحكومة في ما يخص سياستها تجاه قطاع المحروقات حُجّتها التي بنيت على أساس قرارها القاضي بأنه لن يكون هناك أي تعديل للأسعار معتبرين حجة الانخفاض على مستوى العالمي بسبب عدم استقرار السوق العالمية لأسعار البترول وبسبب ارتفاع الدولار المسجل منذ عدة أسابيع من1.25 دولار للدينار التونسي إلى 1.37 حجة واهية. ويتساءل المُختصون والمُستهلكون لماذا يُؤخذ عدم استقرار السوق وتغير سعر الصرف في اتجاه الرفع من أسعار الاستهلاك ولا يعتبر في الاتجاه المعاكس، لكنّ الوزارة ترى إن التعديلات التي شهدها سعر البترول لم تغط سوى جزء فقط من النفقات وهي لا تغطي أبدًا عجز الميزانية الدولة في هذه المجال. هذا ورفض محمد رشيد كشيش وزير المالية دعوة عدد من النواب إلى التخفيض في أسعار المحروقات على الرغم من أن هؤلاء النواب طالبوا بتخفيض رمزي نسبته 50 مليما فقط، وقال الوزير أثناء مداولات الميزانية الشهر الماضي quot;إن نسبة 50 مليما ستكلف الدولة نفقات إضافية بقيمة 185 مليون دينارquot;.


ويقول متابعون إن موقف الحكومة غيّب ما سجّله الميزان التجاري في مادة المحروقات من فائض بـ230,9 مليون دينار خلال السداسية الأولى من العام 2008 كما تراجع دعم المحروقات إلى 450 مليون دينار في السنة ذاتها مقابل 782 مليون دينار للعام 2007 استنادًا إلى بيانات وزارة الصناعة والطاقة في هذا المجال.
وعلى الرغم من أنّ تونس لا تستورد الغاز الطبيعي إذ إنّ منتوجها الذاتي وما تحصل عنه من الجزائر من غاز مقابل مرور أنبوب الغاز الجزائري المصدر نحو إيطاليا يحققان لها الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي سنويًا، فإنّ سياسة الترفيع في سعر المحروقات متواصلة وشهدت أسعار المواد البترولية بين فيفري/ فبراير2005 وجويلية / يوليو 2006 ارتفاعًا بـ 6 مرات كاملة، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 30 ٪ تقريبًا بحسب تقرير البنك المركزي.


quot;المستهلك هو المتعرض المباشر لهذا الارتفاع، إذ تتأثر قدرتنا الشرائية بشكل كبير كلما ارتفع سعر البترول ومشتقاته وهو تأثر يتعاظم بسبب ارتفاع الأسعارquot; تقول المواطنة لطيفة نافع وتضيف: quot;نسمع بتراجع الأسعار على المستوى العالمي، لكن ذلك لا يفيد المستهلك التونسي في شيء طالما أن الأسعار المحلية لا تتراجعquot;.
وتقدر الاحتياطات النفطية التونسية حسب أرقام وزارة الصناعة والطاقة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة بين 394 و 425 مليون طن من النفط و100 مليار مترًا مكعبًا من الغاز الطبيعي. ويستغل حاليًا 800 بئر من البترول منها 12 بئرًا دخلت الإنتاج بداية من العام 1999 ، ويبلغ معدل اكتشاف آبار النفط الجديدة، 3 آبار سنويًا ويوجد 10 آبار جديدة تمّ اكتشافها في الجنوب التونسي منذ 2001 وهي اكتشافات تؤمن نسبة 30 في المئة من الإنتاج الجملي للبلاد البالغ حوالى 26 مليون برميل في السنة أي 3.4 مليون طن من النفط الخام، غير أن هذه الآبار الجديدة لا تستطيع أن تتجاوز 20 سنة من الإنتاج إن أخذ في الاعتبار نسق الاستغلال الحالي، في حين ارتفعت الميزانية المخصّصة للاستغلال من 100 مليون دولار في السنة إلى 150 مليون دولار بالنسبة إلى سنة 2005 كما شهدت سنة 2006 دخول حقول quot;الوردةquot; وquot;الشعالquot; وquot;اودنةquot; حيّز الإنتاج، كما ارتفع إنتاج الحقل البحري quot;عشتارتquot;. وتؤكد دراسة جامعية حول أثار ارتفاع أسعار البترول على أسعار الاستهلاك أن السعر الحالي للبترول مع معدل 75 دولار للبرميل يجعل هذه الآبار أكثر إنتاجية، حتى وإن ارتفعت كلفة الاستخراج على الرغم من أن هذا الارتفاع المفترض لم يُسجل بعدُ.


هذا وتملك الشركات الأميركية العاملة في مجال المحروقات حصة بـ38 % من السوق التونسية إنتاجًا واستغلالاً تليها المؤسسات الأوروبية فالكندية ثم العربية. يشار إلى أن المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية أبرمت مؤخرًا اتفاقية مع المؤسسة الأميركية A.T.I petrolium للبحث واستغلال مجموعتين من آبار النفط أطلق عليهما اسمي '' عياشة '' و '' قصر غيلان '' في منطقة تمسح 1540 كلم مربّع في محافظة قبلي الجنوبية.
كما تستعد شركة quot;أوروفاز كوربويشنquot; للقيام بأعمال تنقيب عن الغاز أيضا .وكانت الحكومة وقعت مع شركة quot;قطر للبترولquot; اتفاق إنشاء معمل جديد لتكرير النفط في جهة quot;الصخيرةquot; بتكلفة تتراوح بين 1500 و 2000 مليون دولارا.


وفي سياق متصل صادق مجلس النواب منذ أيام على تنقيح وإتمام القانون المؤرخ في أوت/ أغسطس 2004، والمتعلق بالتحكم في الطاقة.
وتضمن التنقيح إجراءات جديدة تهدف حسب المسؤولين إلى مزيد التحكم في استهلاك الطاقة خاصة في مجال مراجعة منظومة الاستشارة الوجوبية، وتدعيم التقنين الحراري
ونص القانون الجديد على مراجعة منظومة الاستشارة الوجوبية المسبقة في اتجاه تسليط خطية (غرامة) مالية لكل مؤسسة لم تقم بإجراء الاستشارة يتراوح قدرها بين 20 و50 ألف دينار تتضاعف ثلاث مرات في صورة العود، وينصّ القانون على أن تطبيق عقوبة الخطية لا يعفي المؤسسة المخالفة من القيام بالواجبات الموضوعة على عاتقها.
وأخضع القانون الجديد بعض المشاريع المستهلكة للطاقة بقدر كبير إلى ترخيص مسبق من قبل الوزير المكلف بالطاقة بعد أخذ رأي الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة (مؤسسة حكوميّة). ويشمل هذا الإجراء خاصة المؤسسات التي يفوق استهلاكها 7 آلاف طن معادل نفط وهي مؤسسات تنشط بالأساس في قطاعات إنتاج الاسمنت والخزف والآجر والبلور والمواد الكيميائية والسكر. ويسمح القانون أيضًا للمؤسسات في قطاعات الصناعة والفلاحة والخدمات من إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة لغرض الاستهلاك الذاتي ونقل الكهرباء المنتج عبر الشبكة الوطنية للكهرباء. كما منح القانون هذه المؤسسات حق بيع الفوائض إلى الشركة التونسية للكهرباء والغاز. و تم كذلك إقرار مجموعة من العقوبات المالية للمؤسسات المخالفة والترفيع في بعضها الآخر.