ميشال مرقص: عجّلت تداعيات أزمة المال العالمية، في عمليات الدمج بين المؤسسات أو تملّكها. وحضّت جهاتٌ مسؤولة واقتصاديون في بلدان الخليج العربي الشركات على الاندماج، فيما دفعت الإدارة الأميركية بنك laquo;أوف أميركاraquo; الى شراء laquo;ميريل لينشraquo; في واحدةٍ من عمليات التملك القسري، حصلت مثلها عمليات قليلة في أوروبا، مع تراجع الاهتمام بهذا النوع من النشاط الاقتصادي.

وشهدت سنة 2007 عمليات دمجٍ في العالم بقيمة 4500 بليون دولار، زادت 24 في المئة عن 2006 حيث بلغت 3610 بلايين. وكان مستوى قيم الدمج والتملك في 2007 موازياً لمستواه مطلع الألفية من حيث القيمة التي شملت دمج نحو 40 ألف مؤسسة وتملكها، ثم تراجعَ المنحنى القياسي. ودفعت الأزمة إلى إرجاء 1309 عمليات في 2008 في مقابل 870 عملية في 2007، وبلغت قيم الدمج العام الماضي 3280 بليون دولار، منها نحو 47 في المئة من بلدان الشرق الأوسط، وبخاصةٍ بلدان الخليج، و18.5 في المئة من صناديق استثمار ساهمت بـ 600 بليون دولار في 2006.

وبدلت تداعيات الأزمة العالمية من غايات الاندماج والتملك وأهدافهما، نظراً إلى كون الموجة الأخيرة منها بين 1985 و2007 اتسمت بالسعي إلى زيادة القيمة المضافة عالياً، في المؤسسات الجديدة، لتحقيق كسبٍ سريع، وسرعان ما منيت أسهم الشركات بخسائر فادحة مع انهيارات المصارف المغذية للعمليات.

وشهدت الفترة بين 1880 و2007 خمس موجات مهمة من الاندماج والتملك، عزّزتها عوامل دفعت المنشآت إلى اعتمادها، منها سعيها إلى دخول أسواق جديدة، زيادة حصتها في الأسواق القائمة، تحقيق اقتصاد وفورات الحجم، الحد من المنافسة في الأسعار، الوصول إلى تمويل أفضل، مراقبة ضمان المدخرات والديون، توزيع الأخطار بتنويع نشاطات المؤسسات، تطوير قطاعات جديدة ذات جدوى. وفي الحقبة الأخيرة، تحوّل هدف الاندماج إلى عمليات مضاربة صارخة تسببت بأضرار اقتصادية كبيرة.

ودفعت عوامل جيواقتصادية المؤسسات نحو عمليات الدمج، بدءاً من توحيد شبكة السكك الحديد، أراضي الولايات المتحدة ثم التشبيك السريع للتيليغراف داخلها (1880)، وانتهاءً بقيام السوق الأوروبية المشتركة، فانكشفت منشآت كانت إقليمياً أو مناطقياً تحتكر إنتاج سلعها، ووجدت ذاتها في منافسة على الصعيد الوطني، فابتدعت هيكلية جديدة باسم laquo;ترستraquo; تقضي بأن تسلّم الشركات المتنافسة المختلفة أسهمها إلى فريق من المديرين، مخولين تنسيق سياساتها، بهدف مصلحتها العامة. وتفوّق الأثرياء في اللجان المشرفة على laquo;الترستraquo; مثل جان روكفلر في النفط ووهايفماير في السكر وكارنيجي في الصلب بين 1880 و1890.

لعب الاندماج دوراً مهماً في النشاط الاقتصادي الرأسمالي، وأفرز أنواعاً جديدة من الشركات المساهمة. وتمدّد أفقياً في الموجات الأولى ومن ثم عمودياً مع الموجة الأخيرة بين نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة.

ودفعت الاندماجات الأفقية الأولى بين شركاتٍ تنتج السلعة ذاتها، - والهادفة إلى إنتاج وفورات الحجم، سعياً إلى خفض تكلفة إنتاج السلعة الواحدة، - المسؤولين إلى تشريع قوانين تحول دون الاحتكار الجماعي والتحكم في السوق، فمنع قانون laquo;شايرمنraquo; في الولايات المتحدة، إنشاء laquo;الترستraquo; في 1890 فلجم الاندماجات مع تداعيات أزمة 1893 الاقتصادية. وتغلّب أصحاب المنشآت على القانون المانع بإنشاء laquo;الهولدينغraquo; بحيث تشتري مجموعةٌ أكثرية الأسهم في منشآتٍ ذات إنتاج مماثل، وتتكون مجالس إدارية من الأشخاص أنفسهم لهم غالبية الأصوات في الشركات. وانتشر laquo;الترستraquo; في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا. وبين 1897 و1904 دمجت 4227 منشآت في 275 مجموعة، وفي بداية القرن العشرين كان 318 منشأة كبيرة تدير 40 في المئة من الأسهم الصناعية في الولايات المتحدة.

وأتاحت موجة الازدهار غير المألوفة بين 1922 و1929 التي عزّزت النقل البري واستهلاك المنتجات المعمِّرة، وانتشار وسائل إعلام إعلانية مثل الراديو، الاندماج بين شركات متواضعة ومؤسساتٍ اكبر وبصورة أفقية أيضاً. وتوسعت الاندماجات ذات الطابع التنافسي مع الفقاعة المالية 1927 لغاية 1929، بخاصةٍ في أوروبا. لتخبو مع الأزمة الاقتصادية العالمية، وتسترجع عافيتها بين 1960 و1970 في دمج منشآتٍ متنوعة الإنتاج والخدمات، بعد تشدد القوانين ضد الاحتكار. وتطوّر الاندماج والتملك في أوروبا بالتزامن مع نشوء السوق الاقتصادية الأوروبية عام 1958 وساعدت فرنسا في تأسيس شركات وطنية عملاقة.

وانضوت الموجتان الأخيرتان تحت تأثير أزمات النفط، وتكثّفت المنافسة العالمية مع الانفتاح التجاري المتصاعد، توقفت لفترات مع حرب الخليج 1991، و11 أيلول (سبتمبر) 2001 ومع الفقاعات المالية خلال العشرين سنة الماضية.

وتتكثّف حالياً الدعوة إلى الاندماج بهدف إنقاذ المؤسسات المتعثرة، لكن الاندماج الحالي يتخذ طابع ذوبان المؤسسات المتعثرة في مؤسساتٍ مليئة مالياً، متجاوزةً هدف الاندماج الحقيقي الذي يبقي لكل منشأة حضوراً في الإدارة. ومع ذلك يبقى الملاذ الأخير لإنقاذ المؤسسات، لكنه يقضي على ملايين الوظائف في العالم!


lt;h1gt;تحليل اقتصادي - تغيّر أهداف دمج المؤسساتlt;/h1gt;
lt;h4gt;ميشال مرقص الحياة - 12/01/09//lt;/h4gt;
lt;pgt;
lt;pgt;عجّلت تداعيات أزمة المال العالمية، في عمليات الدمج بين المؤسسات أو تملّكها. وحضّت جهاتٌ مسؤولة واقتصاديون في بلدان الخليج العربي الشركات على الاندماج، فيما دفعت الإدارة الأميركية بنك laquo;أوف أميركاraquo; الى شراء laquo;ميريل لينشraquo; في واحدةٍ من عمليات التملك القسري، حصلت مثلها عمليات قليلة في أوروبا، مع تراجع الاهتمام بهذا النوع من النشاط الاقتصادي.lt;/pgt;
lt;pgt;وشهدت سنة 2007 عمليات دمجٍ في العالم بقيمة 4500 بليون دولار، زادت 24 في المئة عن 2006 حيث بلغت 3610 بلايين. وكان مستوى قيم الدمج والتملك في 2007 موازياً لمستواه مطلع الألفية من حيث القيمة التي شملت دمج نحو 40 ألف مؤسسة وتملكها، ثم تراجعَ المنحنى القياسي. ودفعت الأزمة إلى إرجاء 1309 عمليات في 2008 في مقابل 870 عملية في 2007، وبلغت قيم الدمج العام الماضي 3280 بليون دولار، منها نحو 47 في المئة من بلدان الشرق الأوسط، وبخاصةٍ بلدان الخليج، و18.5 في المئة من صناديق استثمار ساهمت بـ 600 بليون دولار في 2006.lt;/pgt;
lt;pgt;وبدلت تداعيات الأزمة العالمية من غايات الاندماج والتملك وأهدافهما، نظراً إلى كون الموجة الأخيرة منها بين 1985 و2007 اتسمت بالسعي إلى زيادة القيمة المضافة عالياً، في المؤسسات الجديدة، لتحقيق كسبٍ سريع، وسرعان ما منيت أسهم الشركات بخسائر فادحة مع انهيارات المصارف المغذية للعمليات.lt;/pgt;
lt;pgt;وشهدت الفترة بين 1880 و2007 خمس موجات مهمة من الاندماج والتملك، عزّزتها عوامل دفعت المنشآت إلى اعتمادها، منها سعيها إلى دخول أسواق جديدة، زيادة حصتها في الأسواق القائمة، تحقيق اقتصاد وفورات الحجم، الحد من المنافسة في الأسعار، الوصول إلى تمويل أفضل، مراقبة ضمان المدخرات والديون، توزيع الأخطار بتنويع نشاطات المؤسسات، تطوير قطاعات جديدة ذات جدوى. وفي الحقبة الأخيرة، تحوّل هدف الاندماج إلى عمليات مضاربة صارخة تسببت بأضرار اقتصادية كبيرة.lt;/pgt;
lt;pgt;ودفعت عوامل جيواقتصادية المؤسسات نحو عمليات الدمج، بدءاً من توحيد شبكة السكك الحديد، أراضي الولايات المتحدة ثم التشبيك السريع للتيليغراف داخلها (1880)، وانتهاءً بقيام السوق الأوروبية المشتركة، فانكشفت منشآت كانت إقليمياً أو مناطقياً تحتكر إنتاج سلعها، ووجدت ذاتها في منافسة على الصعيد الوطني، فابتدعت هيكلية جديدة باسم laquo;ترستraquo; تقضي بأن تسلّم الشركات المتنافسة المختلفة أسهمها إلى فريق من المديرين، مخولين تنسيق سياساتها، بهدف مصلحتها العامة. وتفوّق الأثرياء في اللجان المشرفة على laquo;الترستraquo; مثل جان روكفلر في النفط ووهايفماير في السكر وكارنيجي في الصلب بين 1880 و1890.lt;/pgt;
lt;pgt;لعب الاندماج دوراً مهماً في النشاط الاقتصادي الرأسمالي، وأفرز أنواعاً جديدة من الشركات المساهمة. وتمدّد أفقياً في الموجات الأولى ومن ثم عمودياً مع الموجة الأخيرة بين نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة.lt;/pgt;
lt;pgt;ودفعت الاندماجات الأفقية الأولى بين شركاتٍ تنتج السلعة ذاتها، - والهادفة إلى إنتاج وفورات الحجم، سعياً إلى خفض تكلفة إنتاج السلعة الواحدة، - المسؤولين إلى تشريع قوانين تحول دون الاحتكار الجماعي والتحكم في السوق، فمنع قانون laquo;شايرمنraquo; في الولايات المتحدة، إنشاء laquo;الترستraquo; في 1890 فلجم الاندماجات مع تداعيات أزمة 1893 الاقتصادية. وتغلّب أصحاب المنشآت على القانون المانع بإنشاء laquo;الهولدينغraquo; بحيث تشتري مجموعةٌ أكثرية الأسهم في منشآتٍ ذات إنتاج مماثل، وتتكون مجالس إدارية من الأشخاص أنفسهم لهم غالبية الأصوات في الشركات. وانتشر laquo;الترستraquo; في الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا. وبين 1897 و1904 دمجت 4227 منشآت في 275 مجموعة، وفي بداية القرن العشرين كان 318 منشأة كبيرة تدير 40 في المئة من الأسهم الصناعية في الولايات المتحدة.lt;/pgt;
lt;pgt;وأتاحت موجة الازدهار غير المألوفة بين 1922 و1929 التي عزّزت النقل البري واستهلاك المنتجات المعمِّرة، وانتشار وسائل إعلام إعلانية مثل الراديو، الاندماج بين شركات متواضعة ومؤسساتٍ اكبر وبصورة أفقية أيضاً. وتوسعت الاندماجات ذات الطابع التنافسي مع الفقاعة المالية 1927 لغاية 1929، بخاصةٍ في أوروبا. لتخبو مع الأزمة الاقتصادية العالمية، وتسترجع عافيتها بين 1960 و1970 في دمج منشآتٍ متنوعة الإنتاج والخدمات، بعد تشدد القوانين ضد الاحتكار. وتطوّر الاندماج والتملك في أوروبا بالتزامن مع نشوء السوق الاقتصادية الأوروبية عام 1958 وساعدت فرنسا في تأسيس شركات وطنية عملاقة.lt;/pgt;
lt;pgt;وانضوت الموجتان الأخيرتان تحت تأثير أزمات النفط، وتكثّفت المنافسة العالمية مع الانفتاح التجاري المتصاعد، توقفت لفترات مع حرب الخليج 1991، و11 أيلول (سبتمبر) 2001 ومع الفقاعات المالية خلال العشرين سنة الماضية.lt;/pgt;
lt;pgt;وتتكثّف حالياً الدعوة إلى الاندماج بهدف إنقاذ المؤسسات المتعثرة، لكن الاندماج الحالي يتخذ طابع ذوبان المؤسسات المتعثرة في مؤسساتٍ مليئة مالياً، متجاوزةً هدف الاندماج الحقيقي الذي يبقي لكل منشأة حضوراً في الإدارة. ومع ذلك يبقى الملاذ الأخير لإنقاذ المؤسسات، لكنه يقضي على ملايين الوظائف في العالم!lt;/pgt;
lt;/pgt;