بدأت دول مجلس التعاون الخليجي تلمح إلى إمكانية التخلي عن ربط عملتها الموحدة بالدولار الأميركي، في خطوة يرى مراقبون أنها تهدف إلى إعادة قيمة أصولها المقوّمة بالدولار، التي بدأت تفقد جزءًا من قيمتها، جراء التراجع التي تمر به العملة الأميركية. وعزز تراجع قيمة الدولار الأميركي المستمر والسياسة المعتمدة من قبل الولايات المتحدة في إضعافه، على أمل أن يسهم ذلك في تقليص العجز التجاري الأميركي، الذي بلغ مستويات قياسية.

الرياض: لم ينحج الدولار حتى الآن في تقليص العجز التجاري الأميركي، مما قد يؤدي إلى الاستمرار في تخفيض قيمته، إلى جانب المحاولات التي يلمح لها الرئيس الأميركي باراك أوباما في زيادة الاستهلاك. وتعليقًا على تلك التصريحات قال الخبير الاقتصادي السعودي الدكتور عبد العزيز العويشق في تصريح لــ quot;إيلافquot; إن الحديث عن الإبقاء على ربط العملات الخليجية بالدولار الأميركي كان في الفترة التي تسبق قيام الاتحاد النقدي الخليجي، لافتًا إلى أن الحديث عن ربط العملة الخليجية الموحدة بالدولار الأميركي لا يعترض مع الحديث عن ربط العملات الخليجية بالدولار قبل قيام الاتحاد النقدي. وتابع العويشق أنه يعتقد أن الإبقاء على سياسة نقدية مقيدة في الوقت الحالي مفيدًا في ظل الظروف المالية العالمية التي يمر بها الاقتصاد العالمي، مشيرًا إلى أنه كلما زادت المتغيرات.. كلما زادت التعقيدات في تغيير السياسة النقدية.

واعتبر أنه لكي تطرح العملة الخليجية الموحدة، لا بد من تثبيت أسعار الصرف التقاطعية بين العملات، وأسهل طريقة لذلك هي ربطها بعملة واحدة (الدولار). وحول مستقبل الدولار كعملة احتياط، أفاد العويشق أن هناك توجهًا عالميًّا تدريجيًّا وبطيئًا لتنويع الاحتياطي النقدي، لافتًا إلى أن هذا التوجه سياسة حكيمة، فلو قارنت نسب الاحتياطي العالمي من الدولار بعد قيام العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) في 2002 م بدأت تقل تدريجيًا، وأن ذلك من باب التحوط، بدلاً من أن تكون بعملة واحدة تتأثر بتراجع تلك العملة.

وأشار إلى أن بقاء الدولار كعملة احتياط عملة عالمية قوية يتوقف على قوة الاقتصاد الأميركي من ناحية، وسياسة الحكومة الأميركية في معالجة العجز التجاري، وعجز الميزانية، لافتًا إلى أنه منذ عام 2004 م بدأت السياسة الأميركية في إضعاف الدولار بهدف معالجة العجز التجاري لكونه يجعل صادراتها أكثر جاذبية، ورغبة في استيراد أقل.

وأكد العويشق أن هذه السياسة لم تنحج، وفي حال استمرار العجز فإنها تستمر في إضعاف الدولار، وظل العجز كبيراً، ولم تنجح المعالجة التقليدية في الحد منه، لافتاً إلى أن هذه السياسة مقصودة ومتعمدة من الولايات المتحدة. وبيّن أن استمرار ضعف الدولار يفقد الأصول المقوّمة بالدولار جزءًا من قيمتها، وأن الدول يجب أن تبني قراراتها وتتخذها بناء على السياسة الأميركية تجاه الدولار.

ويأتي ذلك في الوقت الذي قال فيه محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي يوم الخميس إن ربط عملة خليجية جديدة مُزمعة بسلة عملات خيار مطروح على الطاولة، رغم أنه لا يوجد حل مثالي، لافتاً إلى أن هذا الاحتمالات، بما في ذلك الإبقاء على الربط أو عمل شيء آخر، وأنه لا يوجد شيء مُستبعد، ولا يوجد حل مثالي. فيما أكد وزير الخارجية الكويتي محمد سالم الصباح للتصريح بأن دول المجلس ستبحث موضوع ربط عملتها الموحدة المرتقبة بعملة واحدة أو سلة عملات بدلا من الدولار الأميركي، موضحًا أنه ليس ضروريًا ربط عملة مجلس التعاون المرتقبة بعملة معينة. وأضاف أن الربط قد يكون بعملة واحدة أو سلة عملات، وأن الدول الخليجية ستبحث هذا الأمر.

وكان صندوق النقد الدولي تفهمه لدواعي تبنّي دول مجلس التعاون الخليجي الست نظام سعر صرف أكثر مرونة، بعد قيام الاتحاد النقدي، لكنه رأى أن الإبقاء على النظام الحالي الثابت نسبياً القائم على الارتباط بالدولار، يشكل الخيار الأفضل والأكثر ملاءمة للدول الأعضاء، خصوصًا لتمكينها من استخدام سياستها النقدية بفاعلية للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي المحلي.

وقال الصندوق إن الربط بالدولار يسمح للمنطقة بالحد من التقلبات في أسعار الصرف وحركة رأس المال، التي يحتمل أن تنجم عن التطورات الطارئة غير المرتبطة بالأساسيات، مثل الأخطار الجيوسياسية وتقلبات أسعار النفط الخام. وأوضح أن أهم الميزات الأخرى لربط العملة الخليجية الموحّدة بالدولار في العام المقبل تشمل، تمكين دول الخليج من إرساء سيـاستها النقدية على ركيزة موثوقة سهلة الفهم، إضافة إلى تبسيط إجراءات عقد الصفقات التجارية والمالية وإنجاز المهمات المحاسبية وتخطيط مشاريع الأعمال.