المتابع للاحداث في الأيام الماضية ، وما آلت اليه كارثة جدة التي تعتبر الاولى منذ عشرات السنين ، يجد ان هناك تغيرات مستقبلية واكتشافات آنية كانت واضحة للعيان ظهرت على السطح بكل شفافية، ان الفساد الاداري يعتبر اهم العوامل المؤدية إلى تراجع اقتصاديات الدول مهما كان حجمها ، فالاموال التي لا تذهب الى أماكنها الصحيحة التي قرر لها من قبل الجهات المختصة والجهات العليا ستؤدي الى كوارث مستقبلية وعدم القدرة على مواجهتها.

جدة: إن قرارات الملك عبدالله بن عبدالعزيز الاخيرة حول هذه الاحداث تعتبر إشارة قوية ورسالة مباشرة الى كل من تدور حوله الدوائر في ما يتعلق بالاموال المهدرة - واقصد بذلك المال العام -.

لن نتحدث هنا عن الخسائر البشرية الكبيرة ، ولا المشاكل النفسية الناتجة من تلك الفاجعة وردود الافعال الشعبية لها ، ولكن سيتركز الحديث حول الخسائر الاقتصادية لهذه المشكلة ، وتأثيرها المستقبلي على الناتج القومي للبلاد في فترة تعتبر الاهم اقتصاديا ، فترة الركود ، متزامنة - للاسف - مع ازمة دبي الاخيرة التي عصفت بالكثير من الاسواق العالمية بخسائر تعتبر فادحة.

التأمين في مواجهة الكارثة

في اقل تقدير يمكن ان تتجاوز الخسائر المالية للممتلكات مئات الملايين ، وفي اغلبها ممتلكات فردية ، في سوق تأمينية حديثة ، لا يزال تحت التأسيس ، اذا نظرنا الى شركات التأمين التي تمارس دورها بكل امانة ، وليس تلك الشركات التي تقوم بجمع الاموال وتماطل في سداد الحقوق للمتضررين من حوادث بسيطة وليس كوارث !

والمتابع لسوق التأمين مؤخرا يجد ان خسائر الشركات فاقت التوقعات بالخسائر اصلا ، تعدى بعضها 50 و 60 % خلال التسعة اشهر الماضية ، ما يجعل موقفها حرجا امام المتطلبات الكثيرة لتعويض المتضررين وسداد حقوقهم ، ويصبح مستقبل هذه الشركات غير محدد .

لذا اصبح التدخل الحكومي ضروريا في هذه الحالة ، وهذا ما حدث في اليومين الماضيين متمثلا في قرارات الملك بتشكيل لجنة عاجلة وتعويض المتضررين بمبالغ مالية ما يخفف العبء بشكل كبير على هذه الشركات .

ثمة نقطة اخرى مهمة في هذا الجانب ، وهي الحاجة الملحة لأصحاب الممتلكات باللجوء الى التأمين على ممتلكاتهم في مواجهة الاخطار ، والتنحي جانبا عن الثقافة القديمة التي ليس للتأمين مكان فيها.

السرقات واستغلال الضعف!

وفي اي دولة في العالم بعد هدوء العاصفة وانتهاء الكارثة بشكل جزئي ، تبدأ بعدها مرحلة الهدوء واعادة ترتيب الاوراق ثم التنظيف والعودة للحياة الطبيعية ، وخلال هذه الفترة يبدأ ضعاف النفوس في استغلال مرحلة اللااستقرار في ملء جيوبهم وسرقة ما يمكن ، حيث لا يوجد حسيب ولا رقيب - ولا يمكن ذلك - ما يزيد الاوجاع والآلام وتكبيد الخسائر ، فالوضع لا يحتمل ، وهذا ما يحصل حاليا بعد كارثة جدة! فمعدل الجريمة تمت السيطرة عليه خلال الاعوام الاخيرة بتقنين وضع العمالة السائبة التي تكثر في جدة وفي بعض الاحياء العشوائية فيها ، بسبب التخلف بعد فريضة الحج ، وعلى الرغم من ذلك الا انهاما زالت تعاني من تكدس بعض المتخلفين من جنسيات عديدة ما جعل هذا الوقت اكثر من مناسب للسرقة.

تأثير الكارثة على الاقتصاد المحلي

الجميع يعتبر محافظة جدة من اهم الوجهات السياحية في المملكة ، بل ويعتبرها البعض المرفأ الاقتصادي الاهم في البلاد ، كونها الميناء التجاري وبوابتها الاهم على البحر الاحمر ، وبالتالي من الطبيعي جدا ان يتأثر الدخل القومي مستقبلا بهذه المشكلة ان لم تتم السيطرة ومعالجة الوضع بالسرعة الممكنة ، وطالما ان الحكومة جاء تدخلها سريعا سيؤدي بلا شك الى التقليل من الخسائر والوصول الى مرحلة التوازن بشكل اسرع.

واشارت التقارير الاقتصادية الى ان الدخل القومي سيسجل تراجعا طفيفا في نهاية العام نتيجة للتباطؤ الاقتصادي العالمي ، الا ان المخاوف ستزيد في حالة تأثر الاقتصاد المحلي بفيضانات جدة واعتماده فقط بشكل موقت على قوة العاصمة الاقتصادية ، في ظل توجهات الحكومة لبناء مدن اقتصادية كبرى ومشاريع ضخمة.

في النهاية نستطيع القول انه على الرغم من ظروف موسم الحج الا ان الوضع يعتبر تحت السيطرة والتوقعات تشير بأفول الازمة قريبا ، والاستفادة من الدروس السابقة ومنح الفرصة لمن هم أكفأ واكثر خبرة في معالجة المشكلة القائمة.