على الرغم من كثرة القمم والمؤتمرات العالمية، التي عقدت من أجل وضع أسس لحماية البيئة والطبيعة، لكن حتى الآن لم يتمكن المجتمعون في أي من هذه اللقاءات والمؤتمرات من تحقيق نجاح لوضع قواعد تلزم دول العالم، خاصة الصناعية، كي تعمل على تخفيض نسبة الانبعاثات الغازية، التي أصبح خطرها، كما خطر اندلاع حرب عالمية ثالثة، وستقضي على البشر والطبيعة.

برلين: لا يغيب عن أحد ما بأن يحدث خلال المؤتمرات، إذ تحاول البلدان الصناعية شراء نسبة الانبعاثات التي يسمح بها لكل بلد، من البلدان الفقيرة مقابل بضعة ملايين أو الوعود بإقامة مشاريع لديها تظل وعوداً. كما وأن التوصيات التي توضع في المؤتمرات تبقى حبراً على ورق، ما يدفع إلى القول إن الإنسان هو في الحقيقة المساهم الأكبر في هذه الكوارث الطبيعية التي تحدث، إن كانت على شكل أعاصير أو زلازل أو طوافات.

وتشير تقارير لمنظمات كثيرة لحماية البيئة إلى أن اكبر مسببي الانبعاثات الغازية السامة هي الولايات المتحدة الأميركية والصين، ثم روسيا واليابان والهند وألمانيا. مع هذا، تعتبر ألمانيا من البلدان الأكثر تضرراً بتلوث البيئة، فحسب البيانات الأخيرة لوزارة البيئة، فإن كل واحدة من عشر أشجار مهددة بالسقوط، نتيجة الانبعاثات الحرارية، إن من المصانع أو من الاستخدام الشخصي، وتشكو أنهار وبحيرات من التلوث أيضاً.

ولقد دفع هذا الوضع مفوضية حماية البيئة التابعة للاتحاد الأوروبي إلى طرح ورقة مشروع لمناقشتها خلال قمة كوبنهاغن. وحسب المشروع، يمكن لبلدان الاتحاد الأوروبي تخفيف نسبة الانبعاثات الغازية إلى 20 % حتى عام 2020، بتشجيع الاعتماد في الدرجة الأولى على الطاقة المتجددة، والإيعاز لقطاع صناعات الآليات والسيارات الالتزام بمعايير محدد في صنعها للمحركات التي يجب أن تكون رفيقة بالبيئة، وتشجيع صناعة السيارات التى تعمل على الكهرباء والطاقة المتجددة، ودفع المؤسسات الإنتاجية إلى الاعتماد عليها أيضاً، إضافة إلى توسيع دعم إمكانيات صناعة التقنيات، التي لا تسبب نسبة عالية من الانبعاثات الحرارية.

لكن لا بد من القول إن ألمانيا حققت على الصعيد الرسمي بعض التقدم في مجال تنظيف البيئة وحمايتها، فإلى جانب ترويجها للطاقة المتجددة، حققت الحكومات الألمانية المتعاقبة تقدماً ملحوظاً في ألمانيا الشرقية سابقاً. فمنذ إتمام الوحدة الألمانية، نجحت عبر مشاريع كثيرة وصلت تكاليفها إلى أكثر من ثلاثة مليار يورو في تنظيف التربة لمساحات شاسعة، كان للتدريبات العسكرية بالذخيرة الحية أثر فيها، أيضاً عبر الماء والهواء، وكانت نسبة التلوث فيها عالية جداً، نتيجة الصناعات غير محصنة ضد تلوث البيئة في عهد حكومة ألمانيا الشرقية، فتم على سبيل المثال منذ عام 1989 وحتى الآن تخفيض نسبة الانبعاثات الغازية في ولاية سكسن انهالت حتى الواحد في المائة.

وطبق الشيء نفسه على مياه الأنهار، مثل نهر ألبا، حيث خفضت نسبة الزئبق في مياهه من 21.1 % عام 1990 إلى 2.1 % حالياً. وتقول بيانات لوزارة البيئة إن نسبة الطاقات المتجددة المستخدمة في ألمانيا تصل إلى حوالي 5.3% (نسبة مازالت قليلة) يتم إنتاج نصفها عن طريق محطات الطاقة المائية، والنصف الآخر عن طريق إحراق الخشب والقمامة والطين، إضافة إلى الغاز المستخرج من مقالب القمامة والمخلفات العضوية جنباً إلى جنب مع طاقة الرياح والمجمعات الشمسية والخلايا الضوئية والطاقة الحرارية، ويتوقع أن تصل إلى 30 % مع حلول عام 2020.

وفي الوقت الذي يعتمد فيه جزء لا بأس به من القطاع الصناعي على الكهرباء المنتجة عن طريق السدود المائية الكبيرة، توفر الآن مؤسسات كهرباء من الطاقة المتجددة بكميات أكبر من السابق، سواء بوساطة طواحين الهواء أو العجلات المائية أو أشعة الشمس.

وتشير البيانات أيضاً إلى أنه بالإمكان على المدى البعيد إنتاج 50% من كميات الكهرباء المتوافرة في شبكات الطاقة الألمانية عن طريق الطاقات المتجددة، أي الطاقة الشمسية والرياح والمائية والعضوية والحرارية. وتبذل ألمانيا جهداً لتحقيق المزيد من خطوات التقدم التقني في هذا المضمار. مع ذلك، مازال هناك الكثير يجب فعله من أجل حماية البيئة وحماية الغابات أو مياه الأنهار والبحيرات، وبالدرجة الأولى في ما يتعلق بالانبعاثات، بسبب المصانع وكثرة السيارات وحركة السير.

وفي حديث له مع quot;إيلافquot; ذكّر غرهارد مولر، خبير البيئة في رابطة حماية البيئة والطبيعية في ألمانيا باستقراء للرأي أجرته الرابطة حديثاً أشار إلى أن نسبة كبيرة من الألمان على استعداد للتقيد بكل ما يجعل البيئة نظيفة، ويعتقد أن سبب ذلك يعود إلى تقارير الخبراء عن التلوث ونتائجه، وهذا زاد من مخاوفهم. وفي هذا الاستقراء أكد 88% على استعدادهم للتوفير في استخدام الطاقة والتدفأة، و80% في قيادة السيارة، و57% في السفر بالجو لأن الطائرات من أهم مسببات التلوث عند احتراق الكازولين في الفضاء، وتخلص كل طائرة قبل الهبوط من كميات كبيرة منه، فيما أكد 73% أنهم يريدون شراء منتجات صنعت بناء على شروط لحماية البيئة، وأصاب 29% من الألمان الخوف من تبعات نسبة التلوث الكبيرة والظواهر التي تحدث حالياً.

من جانب آخر، يرى 58% أن الحكومة الألمانية لا تعمل ما فيه الكفاية من أجل حماية البيئة، وبرأيهم عليها أن تضع نصب أعينها حالياً الاعتماد أكثر على مصادر الطاقة الطبيعية، مثل الرياح والشمس والمياه والمخلفات العضوية، وترصد المليارات لها. ولفت الخبير البيئي إلى وجود جانب إيجابي آخر للطاقة المتجددة، فهي توفر أيضاً أماكن عمل كثيرة. فمنذ عام 2004 وحتى عام 2008 توفر حوالي 278 ألف مكان عمل، مع تحقيق إيرادات وصلت إلى 29 مليار يورو، ووفرت على الطبيعة حوالي 109 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون.

وهذا مكنها أيضاً من أن تكون أكثر نشاطاً في ترويجها لتقنيات الطاقة المتجددة، وأصبحت الآن تنافس الصين في تصديرها لمعدات وتقنيات الطاقة المتجددة، كما تعمل على إقامة مشاريع لإنتاج هذه الطاقة، وصدرت عام 2008 إلى دول عديدة أكثر من 600 ألف آلية، إضافة إلى شرائح الخلايا الشمسية.

وسبق وعقد في مدينة هامبورغquot; مؤتمر الوضع المناخي quot; شارك فيه 700 خبير من كل أنحاء العالم، حيث تركزت النقاشات فيه على تأثيرات التغيير المناخي على الحياة والصحة والبيئة. كما طالب المجتمعون بإلحاح الدول الصناعية الالتزام باتفاقيات حماية البيئة، لأنها قد تكون زورق النجاة للعالم، أيضاً لإيقاف ارتفاع منسوب مياه البحار، لأن مدناً كثيرة في ألمانيا مثل هامبورغ وبريمن وبريمارهافن، وفي أوروبا كهولندا، معرّضة للغرق حتى عام 2100، بسبب ذوبان الثلوج وزيادة الأمطار، ومن المتوقع أن تزيد الحرارة حوالي خمسة درجات مئوية.

وعدا عن النتائج الوخيمة المتوقعة، فإن هذا التغيير سيكلف الخزينة الألمانية المليارات، فحسب دراسة وضعتها المؤسسة الألمانية للبحوث الاقتصادية DIW فإن مواصلة إهمال الإنسان للبيئة، وما يتأتى عنه من كوارث طبيعية، سوف يكلف الاقتصاد الألماني أكثر من 800 مليار يورو في السنوات الخمسين المقبلة. وقد تتمكن ألمانيا من تحمل هذا المبلغ الهائلة، بعكس البلدان الفقيرة، التي لن تتمكن من تفادي وقع الكارثة عليها. وانعكاساتها لا يمكن حصرها حالياً، لكن في الوقت الحاضر يشهد العالم كيف تزداد الأوضاع سوءاً في بلدان في أميريكا اللاتينية أو آسيا، فحتى الآن لم تتمكن البلدان الآسيوية التي تعرضت لكارثة تسونامي من تعويض خسائرها المادية، وأصيب القطاع الاقتصاد الذي يعتمد على الطبقة الفقيرة والمتوسط بالانهيار الكامل.

وحسب الدراسة، لن تكون أوروبا بمنأى عن هذا التأثيرات، وهذا ظهر على درجات الحرارة العالية في الصيف الماضي، وتجاوزت في العامين الماضيين الـ35 درجة، وهذا سيكون له مستقبلاً انعكاسات سلبية على قطاع الزراعة وقطاع الغابات في ألمانيا، وقد يسبب تزايد التغيير المناخي مستقبلاً في انقطاع التيار الكهربائي في كل الأقاليم الألمانية خلال الصيف، والسبب في ذلك الاضطرار إلى تشغيل كل المحركات الكهربائية بقصى طاقاتها، وهذا سيسبب عدم توافر مياه باردة لتبريدها أو تعطُل مصانع لإنتاج الطاقة نتيجة الصواعق. ولن يكون قطاع السياحة بمنأى عن انعكاسات التحول المناخي السلبي لأن تزايد ارتفاع الحرارة سوف يذيب في المستقبل الثلوج في المنتجعات التي تعتمد على سياحة الشتاء والتزلج. وفي المنتجعات السياحية الجبلية من المنتظر أن تزداد الأمطار والرعود البرق.

وأشارت الدراسة أيضاً إلى مطالبة البعض بتغيير تواريخ فصول السنة الأربعة، فمنذ عام 2004 تتداخل الفصول ببعضها، وأصبحت ألمانيا تعيش فصل الشتاء في الخريف، ويتساقط الثلج في الربيع، وهذا أمر غير عادي.