تشير إحصائيات رسمية إلى أنّ الجزائر تتكبّد خسارة بحدود 2 مليار دولار جرّاء معاناتها من التلوّث البيئي، ويعدّ القطاع الزراعي الأكثر تضررا، حيث يسجّل مسؤولو الأخير خسائر سنوية تربو قيمتها عن المائة مليار دينار، بما يعادل 110 ملايين دولار، وذلك بسبب التلف الذي يلحق30 بالمائة من المنتجات الزراعية، وهي فاتورة ثقيلة فرضت على السلطات الجزائرية التفكير في تفعيل مشروعات تدوير النفايات، بجانب إلزامها الملوّثين بدفع ضرائب.

الجزائر: رصدت الجزائر كلفة مهمة للحفاظ على البيئة، حيث تقدّر قيمة المخصصات السنوية بـ3.5 مليارات دولار وهو ما يمثّل 7 بالمائة من الناتج المحلي الخام، ويجري إنفاق هذا الغلاف المالي في مختلف المخططات الخاصة بمواجهة ظاهرتي التلوث والتصحّر، بجانب تأمين السواحل ومعالجة النفايات، ويقول وزير البيئة الجزائري quot;شريف رحمانيquot; في تصريح خاص بـquot;إيلافquot; إنّ قيمة الخسائر الناجمة عن التلوّث في بلاده تقارب الملياري دولار، وهو معطى على خطورته دفع السلطات إلى تسطير برامج متواصلة منذ العام 2002 بهدف تحصين البيئة وتقليص رقعة التلوث المسجّل .

ويشير الخبير الاقتصادي الجزائري quot;أنيس بن مختارquot; إلى مصاعب جمّة تواجهها الجزائر في مجال معالجة النفايات، جرّاء تماطل بعض البلديات في دفع الرسوم المستحقة على تسيير وجمع فضلات إقليمها الجغرافي، مع الإشارة إلى أنّ الحكومة المحلية أعلنت العام الأخير عن كسبها 245 مليون دينار كمداخيل، بعد إقرار ثمانية أصناف من الرسوم، وذلك لأجل تشجيع عدم تخزين النفايات الخاصة الصناعية الخطرة التي تدر لوحدها ما لا يقل عن 217.4 مليون دينار، غداة إقرار غرامات زجرية ضدّ الملوّثين وحملهم على دفع ثمن تلويثهم، علما أنّه جرى غلق أربعة مصانع للأميانت بسبب أضرارها المحدقة بالبيئة والصحة العامة.

كما تتحدث المختصة quot;أنيسة حماديquot; عن معاناة السلطات الجزائرية من عدم مقدرتها على تحويل النفايات، بسبب عدم امتلاكها التقنيات الضرورية للمعالجة، وهو ما يرغم البلاد ndash; بحسب بيانات رسمية - على استيراد عشرة آلاف طن سنويًا كمادة أولية من السويد، لكن يبقى المشكل الأساس كامنًا في التجهيزات الضرورية لمثل هذه العمليات، وهو ما يجعل من فتح السوق أمام الاستثمارات الخاصة، السبيل الأمثل لإعادة تدويرالنفايات دون تكبد الخزانة العامة لمخصصات ترهق كاهلها.

وتواجه الجزائر مصاعب في مجال معالجة النفايات وتسييرها، وهو واقع يبدي مختصون مخاوفهم تجاهه، لاسيما مع كون معظم مراكز معالجة النفايات هي في طور التجميد منذ فترة ليست بالقصيرة، كما يحترز آخرون على عامل عدم اعتناء السلطات بتطوير مراكز تصنيع النفايات مثلما هو عليه الحال في ضاحية أولاد فايت (20 كلم شرق العاصمة)، ما أورث بحسبهم تسرب مواد سامة وتضرر المياه الجوفية، وعدم ملاءمة طرق معالجة النفايات مع الطرق المعمول بها في دول غربية رائدة في هذا المجال.

ويقدّر مخزون النفايات الخاصة في الجزائر بـ2.8 مليون طن، ومرشحة ليصل إنتاجها حدود 325 ألف طن سنويًا، بيد أنّ هذا التخزين غير مراقب بدقة، وتصل نسبة النفايات المنتجة إلى 87 في المئة بمعدل 282 ألف طن سنويًا، في وقت، أحصيت 1100 طن من المبيدات الفاسدة في الجزائر في شكل مواد صلبة و615 ألف لتر من المبيدات السائلة، وتتشكل المواد السامة الفاسدة من نفايات الزئبق، حيث يخزن موقع عزازفة 1 طن، وتعمد الجزائر إلى الاتصال بشركات خاصة للقضاء عليها، وهناك 22 طنًا من مادة السيانور تنتج سنويًا، و270 طنًا مخزنة، إضافة إلى كميات من نفايات المحروقات.

في سياق متصل، يسجّل الخبير quot;رشيد عزريquot; أنّ المساحات الزراعية في الجزائر مهددة بشبح التصحر الذي طال 36 مليون هكتار من الأراضي في عموم ولايات البلاد لاسيما المناطق السهبية رغم رصد الحكومة الجزائرية لثمانمائة مليون دولار لمكافحة التصحر، وتزداد مخاوف المُزارعين أكثر مع كشف السلطات عن quot;تصحرquot; أكثر من 600 ألف هكتار بشكل كامل، وتواجد سبعة ملايين هكتار قاب قوسين أو أدنى من ظاهرة التعرية بسبب الرياح، وما يرافق الظاهرة من انزلاقات متتالية للتربة وتنامي الملوحة وارتفاع منسوبية المياه في الغيطان في الصحراء.

ويقول quot;أنيس بن مختارquot; إنّ التصحر ينذر بتداعيات وخيمة على المنظومة الزراعية والرعوية ككل، حيث تواجه ثروة الجزائر من الماشية مخاطر جمة في ظل السوداوية التي تغلّف 20 مليون هكتار من الأراضي الرعوية، ما يعني ارتهانا لمصير حوالى 16 مليون رأس من الأغنام، بفعل الزحف المستمر للرمال التي باتت على مبعدة 250 كلم عن عاصمة الجزائر، أضف إلى انعدام أي حواجز تحول دون تصحر مساحات إضافية، وما زاد الطين بلة هو انحلال الغطاء النباتي بجانب قلة الأمطار وحالة شبه الجفاف التي كانت الجزائر عرضة لها هذا العام، ما يعني تكبيد المزارعين والخزانة العامة خسائر ضخمة، خصوصا مع عجز وزارة الزراعة الوصية عن إيجاد حلول ناجعة للمشكلة واكتفائها بالحديث عن إدماج ثلاثة ملايين هكتار فحسب، رغم المخصصات الضخمة التي تمّ رصدها لإنجاح العملية.

ويلاحظ الخبير الفرنسي quot;ريشارد جوردانquot; أنّ الجزائر تواجه مشكلة تصحر حقيقية، وحذر من تأثيراتها على الأمن الغذائي للبلاد احتكاما إلى تقلص رقعة المساحات المخصصة للزراعة، وهو ما يعتبر أمرا مقلقا جدا بالنسبة إلى دولة زراعية في حجم الجزائر، لاسيما مع تواجد رئتين نابضتين زراعيا مثل ولايتي المسيلة وسطيف على اللائحة السوداء، ويجزم خبراء أنّ الحل كامن في وضع سياسة واضحة تضع حدا للنزيف الواقع، من خلال وضع آليات عملية تكفل حماية القدرة الإنتاجية وتضع برنامجا لحماية الأحواض المائية، وكذا تأمين المحميات الرعوية وكذا الواحات.

ومن شأن quot;بعبعquot; التصحر أن يرهن تطلع الحكومة الجزائرية إلى ضمان اكتفاء ذاتي في منتجاتها الزراعية على مدار التسعة أشهر القادمة، وتوقعها في وقت سابق بتحقيق وفرة في المحاصيل، من الحبوب إلى حدود 4.3 ملايين طن بنهاية العام الجاري، على منوال الحمضيات التي سعت السلطات إلى رفع مستوى إنتاجيتها إلى 6 ملايين قنطار بعد أن كانت بحدود 5 ملايين قبل عام، كما أنّ التصحر قد يشوش على إرادة الجزائر لدخول منظمة التجارة العالمية براحة تامة، من خلال تحقيق رخاء زراعي.

ومن بين الخطط الاقتصادية للتعاطي مع مشكلة التلوث البيئي، تتجه الجزائر إلى الاعتناء بتدوير النفايات الصناعية، بهذا الصدد، يقول وزير البيئة الجزائري شريف رحماني، إنّه من اللامعقول ترك النفايات المتراكمة دونما إعادة تدوير، مركّزًا على ضرورة منح رعاية خاصة للمسـألة، خصوصًا أنّ سوق النفايات تلوح واعدة، وبالإمكان فتح أبوابها أمام القطاع الخاص للاستثمار، بل إنّ عديد المستثمرين أبدوا بحسب المسؤول الجزائري اهتمامهم بالموضوع، وذهب بعضهم إلى حد إبداء النية لإقامة مصانع في ضاحية الجزائر الغربية تراعي الشروط البيئية والثقافية للمحيط.

وتمكنت الشركة الفرنسية ''نيرتام'' من معالجة 630 طنا من الأميانت، والظفر برقم أعمال قدر بـ1.4 مليون يورو، وتتطلع الشركة ذاتها إلى كسب خمسة ملايين يورو من خلال سعيها إلى معالجة نفايات أخرى على غرار الأسلاك والزيوت. وأشار الشيخ فرحات أحد المشتغلين على الملف لـquot;إيلافquot;،إلى أنّه يمكن الارتقاء بـ80 مركز ردم تقني للنفايات إلى مستوى مصانع حديثة منتجة تتولى إعادة تدوير سائر النفايات الطبية والأدوية الفاسدة وتحويلها إلى أشياء لها منفعة في التصنيع، مستشهدًا بتجربة المتعامل الألماني quot;جيروزادquot;، ورأى فرحات أنّ الفرد الجزائري ينتج ما معدله 1.5 كلغ يوميًا من النفايات، يمكن استغلالها وعدم تركها مهملة في السابق، خصوصًا أنّ الجزائر باتت تمتلك 1500 مهني مختص في إعادة تدويرالنفايات، علمًا أنّ الجزائر تمكنت في الفترة الممتدة بين 1999 و2007 بفضل البرنامج المحلي لتسيير النفايات، من انجاز 460 مخططًا ودراسة اعتمدت منها ما يزيد عن المئة في عمليات تسيير مراكز ردم النفايات، وجرى إنشاء 26 مؤسسة ملحقة بهذا الصدد.