تريد الجزائر خلال السنوات القليلة القادمة تحقيق اكتفائها من مواد البناء، بعد العجز الذي ظلت تعاني منه والأزمات التي تسببت بها ندرة مادتي الاسمنت والحديد وما ترتّب عن ذلك من احتباس لعشرات المشاريع العقارية وورش الانشاءات العامة هناك، وأفادت مراجع محلية أنّ الخطة الخماسية التي جرى الشروع فيها تقضي بمضاعفة إنتاج مواد الاسمنت والحديد والصلصال، بما سيقي البلاد شر الإفراط في الاستيراد وظاهرة المضاربة وينهي معضلة نقص مواد البناء التي ظلت العنوان الأبرز لواقع الانشاءات العامة محليًّا.

الجزائر: استنادًا إلى معلومات توافرت لـquot;إيلافquot;، فإنّ الحكومة الجزائرية رصدت مخصصات بحدود 2.5 مليار دولار للارتقاء بمنظومة إنتاج الاسمنت، وترنو الدوائر الرسمية إلى إنتاج 22 مليون طن و27 مليون طن من الاسمنت كهدفين يتعيّن تحقيقهما سنتي 2012 و2015 لتلبية حجم الطلب المحلي الذي يُرتقب أن ينمو بحدود 10 في المئة في غضون الست سنوات القادمة، علمًا أنّ الانتاج المحلي الحالي لا يتجاوز سقف العشرة ملايين طن، ولأجل الوفاء بالمطلوب جرى قبل ايام تأسيس قطب صناعي ضخم انضوت تحته جميع معامل الاسمنت الـ12 المملوكة للحكومة، في تحوّل يروم القضاء على عجز يقدّره مختصون بأزيد من مليون طن في الظرف الراهن.

وأبدت السلطات الجزائرية، استعدادها لتعبيد الطريق أمام المستثمرين الخارجيين للخوض في مجال إنتاج مواد البناء لا سيما الاسمنت بجميع أنواعه وحديد الخرسانة وصفائح الجبس والحصى، مع الإشارة إلى أنّ المجموعتين المصريتين quot;العزّ ستيلquot; وquot;أسيكquot; بصدد إنجاز مشروعين لإنتاج الحديد والاسمنت بولايتي جيجل والجلفة، فيما أبدى quot;فيصل إبراهيم العقيلquot; المتحدث باسم شركة الاعمار القابضة، نية المجموعة السعودية إنشاء شركة quot;سي بي سي الجزائرquot; للتطوير الصناعي، وهذه الأخيرة ستتولى إنتاج الخرسانة والأعمدة والبلاطات وحديد التسلح.

وعلى صعيد إنتاج الحديد، أقرت وزارة الصناعة الجزائرية، جملة من التدابير لتحسين إنتاج شركات الحديد والصلب لتغطية الطلب المتزايد، خصوصًا مع انخراط الجزائر في الورش الكبرى على غرار المساكن والسدود والطرق السريعة وكذا إنجاز خطوط جديدة للسكك الحديدية، علمًا أنّ الجزائر تعاني عجزًا في إنتاج مادة الحديد، يصل إلى حدود 1.5 مليون طن، وتستورد الجزائر نسبة 70 في المئة من حاجياتها لمادة الحديد من دول أوروبا الشرقية، في ظل محدودية الإنتاج المحلي وعدم تجاوزه عتبة الـ30 بالمئة من إجمالي الطلب .

وتمتلك الجزائر 5 مصانع كبرى، إلاّ أنّ طاقتها الإنتاجية لا تتجاوز سقف 250 ألف طن سنويًّا، بينما تبلغ حاجة السوق الداخلية مليونيّ طن، لذا تراهن السلطات على جملة من المشاريع الكبرى لإنعاش منظومة الحديد، على غرار مصنع للحديد والصلب في محافظة جيجل (460 كلم شرق الجزائر) الذي شرعت فيه المجموعة الاستثمارية المصرية quot;العز ستيلquot; العام الماضي بقيمة إجمالية تصل إلى 1.25 مليار دولار، ويُرتقب أن تصل الطاقة الإنتاجية للمصنع 1.5 مليون طن سنويًا من الصلب الموجه للقطاع الصناعي وحديد التسليح الخاص بالبناء بمواصفات تقنية عالية كما يوفر أكثر من 1700 منصب شغل.


وشهدت مادة الحديد في الجزائر، خلال الفترة الماضية، ارتفاعًا مخيفًا، حيث قفز سعر الحديد فجأة إلى أعلى مستوياته، فبعدما كان يُباع بـ4500 دينار جزائري للقنطار، شهد وثبة مهولة إلى حدود 8500 دينار، وتسبب هذا الغلاء في تجميد ربع مشاريع الانشاءات العامة بحر السنة المنقضية، وقال quot;أحمد بن قعودquot; رئيس الاتحاد الجزائري لمقاولي البناء والعمران لـquot;إيلاف، إنّ مشكلة الحديد جمّدت بشكل كبير 25 في المئة من المشاريع التنموية وأدت أيضًا إلى سير ورش أخرى بـquot;ريتمquot; جد بطيء، بعدما أجبر أصحابها على تحمّل الفاتورة الثقيلة للحديد وتوابعه ، وربط رئيس الاتحاد الجزائري لمقاولي البناء، المسألة بما ترّتب عن الإيقاف الجزئي لعدد من وحدات لإنتاج الحديد لأجل إتمام أشغال إعادة التأهيل والصيانة، حيث استغل المضاربون الفرصة لفرض منطقهم من خلال إقرار زيادات جد معتبرة، مستغلين في ذلك الحرج الذي يقع فيه أصحاب مقاولات البناء.

في سياق متصّل، تبدي السلطات اهتمامًا بإنتاج المنتجات المختلفة من مادة الصلصال الموجهة للاستغلال في إنتاج مختلف مواد البناء، بعدما عرفت الفترة الممتدة بين سنتي 2000 و2008 quot;تطورًا ملحوظًاquot;، ويشير المختص quot;محمد طاهر بوعروجquot; في دراسة عرضها حول quot;الصلصالquot; بأنّ الإنتاج السنوي في الجزائر من مختلف المواد الصلصالية انتقل من زهاء 5 ملايين ونصف طن سنويا مطلع القرن الجديد إلى قرابة أحد عشر مليون طن خلال العام الأخير.