شركة أمنية خاصة تدير معبر الجلمة شمال جنين
تواصل اقتصادي بين فلسطيني الداخل ومدن الضفة الغربية ينعش الأخيرة
نضال وتد من أم الفحم: أكد محافظ جنين، قدورة موسى في حديث مع إيلاف، أن السلطات الإسرائيلية أوكلت مهمة إدارة معبر quot;الجلمةquot;، شمالي مدينة جنين، لى شركة أمنية خاصة، تقوم بالتدقيق في حركة المتنقلين من جنين وإلى إسرائيل، خصوصا في ظل انتعاش حركة التواصل الاقتصادي بين الفلسطينيين من الداخل ومدن الأطراف الفلسطينية في الضفة الغربية، الواقعة على تخوم الخط الأخضر أو القريبة منه وهي طولكرم ونابلس وجنين.
وقال محافظ جنين، إن الحركة التجارية والاقتصادية في هذه المدن تنتعش عندما تسمح السلطات الإسرائيلية بدخول الفلسطينيين من إسرائيل إلى مدن الضفة، على الرغم من العراقيل ولقيود التي تفرضها سلطات الاحتلال على هذه الحركة، علما بأن مدن محافظة جنين أخذت تستفيد في العامين الأخيرة من مبادرة ترعاها حكومة الدنمارك، تقوم على تنظيم نقل آلاف الفلسطينيين من داخل إسرائيل، في حافلات منظمة أيام السبت عبر معبر الجلمة، إلى مدينة جنين بغية تشجيع الاقتصاد الفلسطيني المحلي في الضفة الغربية، بفعل القوة الشرائية التي يمثلها الفلسطينيون في الداخل، حيث يتراوح ما يصرفه الفرد خلال هذه الزيارات ما بين 400- 1000 شيقل.
وقال محافظ جنين، السيد قدورة موسى خلال لقاء مع وفد صحافيين فلسطينيين من إسرائيل،إن حركة الاقتصاد في مدينة جنين تنتعش بصورة ملموسة كلما سمحت قوات الاحتلال بفتح أبوب المعبر أما الزائرين والمتسوقين من الداخل. وأشار إلى أن هذا الأمر دفع بالمحافظة في العام الماضي إلى تنظيم مهرجان للصناعات الوطنية، ومهرجان تسوق، استقبلت جنين خلال أيامه الأربعة نحو 12 ألف متسوق من الفلسطينيين في إسرائيل.
ولفت موسى إلى أن المتسوقين والزائرين الفلسطينيين من إسرائيل، يفدون إلى مدن الضفة الغربية المتاخمة للخط الأخضر ليس فقط كسائحين أو زبائن، بل إن قسما كبيرا منهم يستغل هذه التسهيلات لزيارة أقاربهم وأنسبائهم في مدن وقرى وبلدات الضفة الغربية، إذ أن المئات من الفلسطينيين في إسرائيل، إن لم يكن الآلاف منهم، وخصوص من المناطق القريبة من الخط الأخضر، مثل مدن وقرى المثلث، وقرى مرج بن عامر والناصرة متزوجون من نساء من الضفة الغربية، كما أن المئات من الفلسطينيين في الضفة الغربية متزوجون من فلسطينيات من إسرائيل.
وأعتبر قدورة موسى أن هذه الحركة لا تعزز الاقتصاد الحلي الفلسطيني، بل تعزز من أواصر العلاقات الاجتماعية بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، وتبقي فلسطين ومدنها في الوعي العام، ليس فقط كمراكز تسوق ومشتريات بل أيضا كحواضر مدنية عربية يمكن للأسرة العربية قضاء وقتها فيها دون مضايقات أو استفزازات.
قوة شرائية هائلة وأهداف سياسية مبطنة
وقال السيد وديع أبو نصار، من حيفا الذي يتولى تنسيق مشروع الحكومة الدنماركية، بتنظيم حركة التفاعل الاقتصادي بين أطراف الضفة الغربية والفلسطينيين في إسرائيل، قال لإيلاف:إن المشروع الدنماركي جاء عمليا لتعزيز وتقوية الاقتصاد الفلسطيني في الأرياف وفي مدن أطراف الضفة الغربية، وهو يهدف في المرحلة الأولى إلى تسهيل حركة الفلسطينيين في إسرائيل إلى مدن الضفة عبر ضمان فتح المعابر إلى مدن الضفة أمام الفلسطينيين من إسرائيل ليوم واحد على الأقل، يوم السبت، بعد أن كان الجيش الإسرائيلي يعلن عن هذه المناطق مناطق مغلقة أمام من يحملون الجنسية الإسرائيلية، مما يعني تعرضهم للاعتقال أو العقاب في حال دخلوا مدن وبلدات الضفة الغربية دون تصريح.
وأكد أبو نصار أن المرحلة الثانية من المشروع تعتمد على ترسيخ نمط استهلاكي عند الفلسطينيين في إسرائيل، باعتماد الأسواق الفلسطينية القريبة، في جنين ونابلس وطولكرم، كخيار أول ومريح عبر تمويل تكاليف الحافلات في المرحلة الأولى، سعيا إلى الوصول إلى مرحلة تكون فيه المبادرة للوصول إلى هذه الأسواق ذاتية ودون حاجة إلى رعاية من حكومات أجنبية.
وأشار أبو نصار إلى أن تركيز المشروع الدنماركي في المرحلة الحالية على محافظة جنين يأتي بهدف ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية لفتح معبر الجلمة بصورة دائمة وليس فقط ليوم واحد في الأسبوع.
يعترف أبو نصار أن القوة الشرائية للفلسطينيين هي قوة هائلة خصوصا في ظل الظروف السياسية الراهنة، وبناء الجدار الفاصل الذي قضى عمليا على التفاعل العفوي والتلقائي الذي كان قائما قبل الانتفاضة الثانية عام 2000، وأصبح الدخول من وإلى مدن وحتى قرى وبلدات الضفة الغربية بحاجة إلى تصاريح من الجهات الإسرائيلية.
ولا ينفي أبو نصار وجود أبعاد سياسية لدى الدنماركيين فهو يقول بصراحة إن الحكومة الدنماركية تقوم بهذا المشروع لاعتقادها بأن الاستقرار الاقتصادي يساهم في الوصول إلى استقرار سياسي، والرسالة المراد إيصالها هنا هي واضحة، وكما تعمل الدنمارك في الضفة لتعزيز الاقتصاد في الأطراف والريف بالاعتماد على القوة الشرائية للفلسطينيين في إسرائيل، فإن لها برامجها الأخرى في قطاع غزة، والذي يعتمد أساس هناك على المحافظة على أماكن العمل من جهة، والتأسيسي لمصالح اقتصادية وحراك اقتصادي يقود إلى توفير أماكن عمل.
وإذا أخذنا بالحسبان المعطيات التي أدلى بها محافظ جنين بشأن حجم حركة السيارات والمركبات الخاصة والعامة من إسرائيل وإلى جنين قبل الانتفاضة الثانية نجد مثلا أن أكثر من 17000 مركبة خاصة وعامة دخلت إلى جنين في سنوات ما قبل الجدار كما انخفض عدد العاملين الفلسطينيين من محافظة جنين من 23 ألف عمل عملوا داخل إسرائيل وفي البلدات العربية في إسرائيل في شتى لقطاعات إلى 1500- 3000 عامل فقط يملكون اليوم تصاريح للعمل في إسرائيل.
لكن القوة الشرائية التي يمثلها الفلسطينيون في إسرائيل، تبقى رهينة الإجراءات الفلسطينية، ومنها مثلا بعد المعابر ونقاط الدخول إلى الضفة الغربية، فبعد أن كان بمقدور الفلسطينيين من منطقة المثلث، بدءا من أم الفحم شمالا ولغاية كفر قاسم جنوبا الوصول إلى أي من مدن الضفة القريبة ( نابلس، قلقيلية، طولكرم وجنين) يستغرق أقل من نصف ساعة، أصبح الوصول إلى هذه المدن اليوم، إلى مشارفها والحواجز المنصوبة في الطريق إليها يستغرق ساعة على الأقل ناهيك عن عقبات التفتيش والتأخير عند الحواجز الإسرائيلية.
هذا الأمر يدفع بكثير من الفلسطينيين إلى العزوف عن التوجه إلى مدن الضفة الغربية، ومن هنا يكتسب هذا المشروع أهميته من حيث قدرته على إعادة الصلة إلى الضفة ومدنها، لا سيما وأن مدخولات هذه الحركة قادرة على إنعاش الاقتصاد الفلسطيني في الضفة.
ويتفق السيد كمال السمودي، رئيس الغرفة التجارية في محافظة جنين مع قدورة مسى على مدى الفائدة العائدة على مدن الضفة الغربية في حال نشط التواصل الاقتصادي معالفلسطينيين في إسرائيل. وقال السمودي من جانبه إن هذا التواصل يمثل عمليا بالنسبة للغرف التجارية الفلسطينية في مختلف محافظات الضفة أملا لبناء اقتصاد بديل، لا يغني عن الاستقلال الاقتصادي الفلسطيني لكنه يساهم بالتأكيد في تعزيز هذا الاقتصاد، كما أن تعاونا مع غرف تجارية في مدن عربية في إسرائيل، واستغلال الوضعية المدنية للفلسطينيين في إسرائيل قد يسهم في التخفيف من الضغوط والقيود التي يعاني منها التجار الفلسطينيون.
وكما في جنين فإن الأمر لا يختلف بالنسبة لنابلس، علما بأن الوصول إليها من قرى وبلدات المثلث أسهل نوعا ما من الوصول إلى جنين، مع ذلك فإن السلطات الإسرائيلية لا تسمح للفلسطينيين من إسرائيل بالوصول إليه سوى يوم السبت، وهو قرار صدر مؤخرا فقط.
وقال السيد خالد مصلح، مسؤل العلاقات العامة في الغرفة التجارية في نابلس، إن للمشروع الذي ترعاه حكومة الدنمارك في جنين، مشروع مشابه في نابلس، لكنه تم بفعل جهود المحافظة والغرفة التجارية في المدينة، فنابلس أحد أهم المدن الفلسطينية من حيث ثقلها الاقتصادي، وبالتالي فإن الحركة التجارية، أو الحركة الشرائية للفلسطينيين من إسرائيل، تظهر للعيان أيام السبت حيث تمتلئ المدينة وأسواقها بالفلسطينيين من الداخل، وهؤلاء تقدر قوتهم الشرائية بين 500-1000 شيقل للفرد الواحد وهو ما يعدل عمل عدة أيام عادية.
وقال مصلح إن الشرطة الفلسطينية، قدرت على سبيل المثال عدد الوافدين السبت الماضي، إلى لمدينة من القرى العربية في إسرائيل بثلاثة ألاف زائر، وهي حركة تعيد إلى الأذهان الأوضاع التي سادت في لمدينة في أواخر التسعينات، عندما كانت نابلس نبض لاقتصاد الفلسطيني وكانت ممرا إلى كافة أنحاء الوطن.
ويعتبر مصلح أن هذا التكامل الاقتصادي له جوانب وطنية أيضا، فعدا عن الروابط الأسرية والاجتماعية بين الفلسطينيين في إسرائيل وبين الفلسطينيين في الضفة فإن القدوم إلى مدن مثل نابلس وطولكرم وجنين وحتى رام الله البعيدة، شيئا ما، يعكس ترسيخا للوعي والهوية الفلسطينية لدى الطرفين.