الخبر - إيلاف: اعتبر مدير عام المجموعات الشرعية في بنك البلاد الشيخ محمد بن سعود العصيمي أن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية هي أسوأ أزمة تمر على العالم، إذ وللمرة الأولى منذ أكثر من مئة سنة، ترصد اقتصاديات دول المجموعة السبعة كلها انخفاضًا في معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي. كما إن الأزمة أحدثت انخفاضاً في مستويات أسواق الأسهم العالميّة عام 2008م، هو الأسوأ منذ عام 1929م. كما إن الانخفاض في أسعار السلع هو الأشد انحداراً والأسرع منذ عام 1956م، وهو العام الذي بدأ فيه تسجيل الأسعار. والحال نفسه فقد انخفضت تجارة الشحن بين آسيا وأوروبا وللمرة الأولى في التاريخ.

وخلال محاضرة بعنوان quot;الأزمة الاقتصادية العالمية .. تطوراتها وانعكاساتها على الاستثمار والتمويل في المملكة العربية السعوديةquot; نظمتها غرفة الشرقية أمس الثلاثاء بالتعاون مع بنك البلاد قال العصيمي :quot;في بداية عام 2009م، وصل الإقراض إلى أدنى مستوياته منذ عام 1930م. وقد سجلت فوائد الخزينة الأميركية والبريطانية أقلّ انخفاض لها منذ 1945م. كما ووصل معدل الفائدة البريطاني إلى 0.5% في فبراير الماضي، وهو الذي لم يصل إلى هذا المستوى منذ عام 1694م، وهو العام الذي تأسس فيه بنك إنجلترا. ولأول مرة من خمسين سنة، لا تُباع السندات الألمانية والنمساوية بالكامل من أول مزاد.

ومن الآثار أيضاً تراجع الطلب على كثير من المنتجات العالمية الخام والمصنعة، وتوقف كثير من العقود والشراكات والتحالفات والتمويلات، وانخفاض معظم أسعار المواد الأولية والسلع (النفط،...) وبروز أزمات شركات السيارات، شركات الطيران، وشركات البتروكيماويات، وشركات العقار، وتسريح ملايين من العمال والموظفين، وانخفاض أسعار العقارات والمنازل
وذكر أن حوالي مليوني ونصف موظف أميركي فقدوا وظائفهم، في عام 2008م، الذي يعتبر الأسوأ منذ عام 1945م. كما أنه وفي الربع الثالث من عام 2007م، باعت شركة فولفو 41970 شاحنة في غرب أوروبا، مقارنة ببيعها فقط 115 شاحنة في عام 2008م للربع نفسه. (انخفاض 99.7%).

وأوضح العصيمي أمام عدد كبير من رجال الأعمال والمتخصصين غصت بهم قاعة الشيخ سعد المعجل أن الأزمة في حقيقتها جاءت جراء انصراف مجموعات كبيرة من الأفراد في أميركا لشراء المنازل في ظروف مواتية ومحفزة، وكان اللاعب الأساسي في العملية هي الحكومة الأميركية ثم القطاع الخاص الأميركي وتحديداً البنوك التجارية والاستثمارية. مستغلين ارتفاع عدد الذين يحتاجون سكن في أميركا، إذ بلغوا 300 مليون نسبة قبل الأزمة بسنوات بعدما كانوا عام 1880 في حدود 64 مليوناً، وقد ارتفعت أسعار المنازل، مما أدى إلى زيادة حاجة الناس إلى القروض. فقامت الحكومة عام 1992 بدفع أهم بنكين عقاريين في أميركا بزيادة القروض الموجهة الى متوسطي ومحدودي الدخل، وفي عام 1995 صدر قانون إعادة الاستثمار في المجتمع، وبموجبه تم الطلب من البنوك التجارية التوسع في إقراض الأسر منخفضة ومتوسطة الدخل، تلاه قانون تخفيف العبء الضريبي عام 1997 والذي أدى إلى زيادة الطلب على الممتلكات ذات القيمة الأعلى للحصول على الإعفاء أو التخفيض من الضريبة، وكانت النتيجة أن تضاعفت المبالغ الموجهة لتلك الفئتين في عشر سنوات، وزادت نسبة تملك البيوت في الولايات المتحدة من 64% عام 1994 الى 70% عام 2005 موضحاً أن تكلفة المنزل تتراوح بين 400 ــ 600 الف دولار.

أما اللاعب الثاني ــ حسب العصيمي ــ فهو القطاع الخاص حيث تساهلت البنوك في قبول عملاء العقار، ما أدى إلى أن عدداً كبيراً من الأسر اشترت منازل بأكثر من طاقاتهم المالية. وذكر أن ما يعادل تريليون دولار صدرت على شكل قروض لأناس لا يستحقونها خلال أعوام 2002 و2003 و2005 مشيراً إلى أن القروض العقارية التي كانت شبة معدومة عام 1998 ارتفعت عام 2002 إلى 5 مليارات دولار، لتقفز إلى 50 تريليون دولار عام 2007 فأصبح مؤشر قيم المنازل مرتفعاً بنسبة 200% بالمقارنة مع عام 1998 كما إن الديون العقارية لم تكن تحتل أكثر من 43% من إجمالي الدخل في الولايات المتحدة ارتفع إلى 92% عام 2006
وتطرق إلى مسالة الدمج بين أنشطة البنوك التجارية (التي تقبل ودائع المودعين) والبنوك الاستثمارية (التي تقوم بإدارة المحافظة وتغطية الاكتتابات) وكانت سبباً رئيساً للكساد العظيم عام 1929 فصدر قرار بالفصل، إلى أن تمت إعادة الاندماج في منتصف عصر الرئيس كيلنتون، فكان ذلك وراء الأزمة.

وعن المتأثرين بالأزمة قال هناك من يفصح عن تأثره، وهناك من لا يفصح، أما أبرز المتأثرين ولم يفصحوا فهم (الصناديق السيادية، والبنوك المركزية، والمستثمرون الكبار، وصناديق التقاعد والتأمينات الاجتماعية)، أما الفئات التي تأثرت وأفصحت عن ذلك فهي البنوك التجارية، والبنوك الاستثمارية، وشركات التامين، وصناديق التحوط. لافتاً إلى أن بعض البنوك تكتمت على جميع مشاكلها، وهذا ما أفسد الثقة فيما بينها، ومع عملائها أيضاً، فصارت هذه البنوك لا تقرض بعضها.
ونوه إلى عدد الملياديرات في العالم كانوا حتى عام 2008 في حدود 1125 مليارديراً، وانخفض هذا العدد إلى 793 مليارديراً في الوقت الحاضر، لأن هناك حوالي تريليونين من الدولارات فقدت منهم بسبب الأزمة، فكان السبب وراء الانخفاض في هذا العدد.
وفي إجابة على سؤال: لماذا توسع أثر الأزمة قال العصيمي إن ذلك يعود إلى ضخامة الديون والسندات الربوية المتداولة، والأثر النفسي الذي طال المؤسسات المنهارة، وتوسع أطراف كثيرة مثل الشركات في المشتقات المالية.

وتطرق إلى المشتقات المالية كأحد الأسباب وراء تفاقم الأزمة وزيادة أثرها واتساعه وأبرزها المقايضات (وهي اتفاقيات تعاقدية لتبادل تدفقات نقدية بأخرى مثل مبادلة أرباح منزل في بلد بأرباح آخر في بلد آخر)، والخيارات (وهي اتفاقيات تعاقدية يمنح بموجبها مصدر الخيار أو البائع الحق للمشتري ببيع أو شراء اصل بسعر محدد سلفا في تاريخ مستقبلي محدد). مضيفاً بأن بنك التسويات الدولي (BIS) قدر حجم المشتقات المالية في منتصف 2008 بحوالي 683.7 تريليون دولار، وهو يعادل 65 ضعف ما كان عليه في عام 1992.

وأبدى العصيمي تفاؤلاً كبيراً بالاقتصاد السعودي بحكم وجود إنفاق حكومي قوي، وسوق أسهم يسير باتجاه ايجابي، والبنوك المحلية تحافظ على أموالها بقوة، والملاءة البنكية على درجة عالية، والقطاع الخاص تزداد موجوداته.
وكان مساعد الأمين العام لشؤون اللجان بغرفة الشرقية عبدالرحمن الحمين قد ألقى كلمة ترحيبية بالدكتور العصيمي أكد فيها اهتمام الغرفة بالقضايا الاقتصادية المحلية والعالمية كافة، وتسعى جاهدة إلى استضافة المتخصصين والاستئناس بآرائهم، وهذه المحاضرة واحدة من جملة الفعاليات.
كما تحدث المدير الإقليمي لبنك البلاد في المنطقة الشرقية عبدالعزيز العفالق مؤكداً أن البنك يسعى إلى تحقيق التواصل مع المجتمع، ويتعاون مع كل الجهات والمؤسسات في هذا المجال، مشيداً بخطوة التعاون مع غرفة الشرقية.