مشعل الحميدي من الرياض: أشار تقرير صندوق النقد العربي إلى أن احتلال الكويت من قِبل العراق، وما تبعه من حرب تحرير، قد أديا إلى خسارة للوطن العربي، بشكل مباشر وغير مباشر، تفوق قِيمتها 650 مليار دولار أميركي. إضافة إلى تداعيات اقتصادية، دفعت الأوضاع الاقتصادية في الدول العربية إلى الوراء. ويقول، في هذا الصدد، quot;تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية، لعام 1990quot;، الصادر من المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، ما يلي: quot;امتدت الأزمة، في تداعياتها، لتخلق أحداثاً كبيرة، وخطرة، ألحقت بالدول العربية خسائر فادحة. وخلقت ضغوطاً، مالية واقتصادية، أدت إلى تباطؤ النشاط الاستثماري، وحركة التجارة البينية. وتركت انعكاسات سلبية على اقتصاديات الدول العربية، وتعامل الدول العربية مع العالم الخارجي، حيث أصبحت المنطقة العربية تمثل مناطق ذات مخاطر، لا توفر الأمان للأموال الأجنبية. كما خلقت نوعاً من القلق الدولي، من حقيقة الاعتماد على المنطقة العربية، المضطربة، كمصدر أساس للطاقة.

وامتدت الآثار السلبية للأزمة، أيضاً، إلى العملات العربية، حيث توقفت البنوك، وأسواق المال العالمية، عن التعامل بالعملات العربية لدول الخليج، بيعاً وشراء. هذا إلى جانب خروج عملة مهمة من السوق، وهي الدينار الكويتي، الذي كان يساوي نحو ثلاثة وثلث دولار أميركي، قبل الاحتلال العراقي للكويتquot;.
كما أدت الأزمة، في أبعادها العربية، إلى توسع فجوة موارد العملة الصعبة، في كثير من الدول العربية، وبخاصة في مصر والأردن؛ فلم تقتصر الأزمة السلبية على انخفاض التحويلات الخارجية فحسب، بل امتدت إلى قطاعات كثيرة، كالسياحة والتجارة والنقل، وغيرها من القطاعات الأخرى.

أولاً: آثار الأزمة في الاقتصاد الأردني
لم تسلم دولة عربية واحدة، من التأثر بنتائج الاحتلال العراقي. إلاّ أن تأثيرها في الدول العربية، كان متفاوتاً. ويمكن القول إن الأردن، مثلاً، عانى معاناة شديدة، على الرغم من مواقفه المؤيدة للعراق، أثناء الاحتلال وبعده؛ إذ اضطربت أحواله الاقتصادية، نتيجة لتدفق العائدين من الكويت، وتوقّف تحويلاتهم المالية، وتوتر علاقاته السياسية بالدول الخليجية بسبب مواقفه من أزمة الخليج. كما نجم من الأزمة ازدياد حجم البطالة. ويقول تقرير مناخ الاستثمار، الصادر من المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، إن الحكومة الأردنية، طبقت برامج مشددة، لترشيد الاستهلاك، والحدّ منه؛ شملت تعديل جداول التعريفة الجمركية، وتعديل أسعار المياه والطاقة، للشرائح الاستهلاكية العليا، للحدّ من الكميات المستهلكة. وركزت في ترشيد الاستهلاك الحكومي، بتخفيض النفقات الجارية، التي ليس لها أولوية قصوى. وأعادت النظر في النفقات الرأسمالية، في اتجاه إعطاء الأولوية في التنفيذ للمشروعات ذات الكثافة العمالية، والتي تستخدم مواد أولية محلية، مع الاستمرار بالتوسع في الخدمات، الأساسية والضرورية، كالتعليم والصحة، لمواجهة حاجات العائدين من الخارج.

ولا شك أن تدفق أكثر من 300 ألف مواطن، فلسطيني وأردني، من الكويت وبعض دول الخليج، إلى الأردن ـ خلق مناخات، اقتصادية واجتماعية، لم تكن في حسبان الحكومة الأردنية، وتطلبت التزامات مالية كبيرة. يضاف إلى ذلك أن القطاع السياحي، في الأردن، تراجع أداؤه، نتيجة عدم الاستقرار، الذي أشاعه الاحتلال العراقي، في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من محاولات الحكومة تنشيط القطاع السياحي، إلاّ أن برامج الترويج، لم تأت بثمار تذكر، مما اضطر السلطات المختصة إلى محاولة تنشيط السياحة الداخلية، كتعويض من الخسارة الناجمة عن انحسار الطلب الخارجي.

من جانب آخر، واجه القطاع المصرفي الأردني عدة أخطار، عقب الاحتلال العراقي للكويت. تمثلت في اندفاع الموْدعين إلى سحب أموالهم، ومبادرة بعضهم إلى تحويلها إلى الخارج. لذلك، عجزت إمكانات المصارف عن مواجهة الطلب على العملات الأجنبية، لتمويل التجارة الخارجية، التي انخفضت بسبب الحصار المفروض على متاجرة الأردن العراق؛ إذ حوصرت الموانئ الأردنية حصاراً شديداً. وبذلك، تراجعت عملية فتح الاعتمادات، مما أدى إلى تأثر أعمال المصارف. ناهيك أن تراجع القطاعات الاقتصادية الأخرى، كان له أعمق الأثر في أداء القطاع المصرفي؛ إذ أدى إلى انخفاض الطلب على الائتمان المصرفي.
وقد قدرت خسائر الاقتصاد الأردني، عام 1990، بحسب مصادر المؤسسة العربية لضمان الاستثمار ـ بنحو مليارين ومئة وأربعة وأربعين مليون دولار أمريكي، موزعة كالآتي:
1. فقدان الأسواق العراقية، التي تستوعب ما يربو على 50 في المائة، من صادرات الأردن.
2. خسائر دعم الموازنة، من خلال المنح، التي كانت تقدم إليها، من قِبل الكويت ودول الخليج والعراق.
3. خسارة القروض الأردنية للعراق، والتي قدرت بنحو 310 ملايين دولار.
4. خسارة الترانزيت والسياحة، والمقدرة بنحو 710 ملايين دولار.
5. فقدان المنح النفطية، التي كان الأردن يحصل عليها من الكويت، والمقدرة بنحو 60 مليون دولار، سنوياً.
6. الخسائر غير المنظورة، مثل توقّف تحويلات المغتربين، وزيادة أعباء عودة الفلسطينيين والأردنيين، من الكويت والعراق وبعض الدول الخليجية.

كان لموقف الأردن من الأزمة، أثر واضح في أوضاعه الاقتصادية، إضافة إلى أثر تداعياتها فيه. فبعد أن كان ينتظر أن يحقق انتعاشاً اقتصادياً، في عام 1990، إذ به يفتقد العملات الصعبة، حتى إنه لا يملك منها إلاّ ما يغطي وارداته من الغذاء، والسلع الحيوية الأخرى، لفترة لا تزيد على الشهرَين.
وبينما أكدت مصادر عديدة، أن الأردن لم يلتزم بتطبيق العقوبات الاقتصادية ضد العراق، فإن الأمير الحسن، وليّ العهد، أعلن أن بلاده، قد طبقت العقوبات كلها، عدا تلك المتعلقة بوارداتها النفطية من العراق، التي تحصل عليها في مقابل ديون تجارية عراقية. وكان الأردن يستورد حوالي 80% من حاجته إلى النفط، من العراق، الذي كان يشكل، بدوره، أكبر سوق لصناعات الأردن الخفيفة ومنتجاته الزراعية، التي كان يتجه نحو 40% منها، على الأقل، إلى العراق. كما أن قطاع الشحن الأردني، الذي يدر نحو 250 مليون دولار، سنوياً، قد تضرر، بشدة، من جراء الحظر المفروض على العراق؛ وانخفض النشاط انخفاضاً شديداً في ميناء العقبة، ليس لأنه انقطع عن التعامل مع السلع المتجهة إلى العراق، والتي كانت تمثل 75% من نشاطه، ولكن بسبب ارتفاع رسوم التأمين ضد أخطار الحرب، التي راوح ارتفاعها بين 20 و30% على السفن الداخلة، إلى ميناء العقبة.
أمّا الضرر الآخر، فهو ناجم عن توقّف تحويلات الأردنيين، العاملين في الكويت ( نحو 30 ألف عامل )، واحتمال عودة العاملين منهم في منطقة الخليج، تبعاً لموقف الأردن من الأزمة، وتدهور العلاقات بينه وبين بقية بلدان الخليج. ويقدر عددهم بنحو 300 ألف عامل، تراوح جملة تحويلاتهم السنوية بين 800 مليون ومليار واحد ومائة مليون دولار، وهو ثاني أكبر مصدر للعملات، بعد الصادرات.

فضلاً عن ذلك، فإن الحكومة الأردنية، كانت تحصل على معونات سنوية هائلة، من البلدان الخليجية. فالكويت كانت تقدم، سنوياً، نحو 135 مليون دولار، والسعودية نحو 500 مليون دولار، إضافة إلى 50 مليون دولار من العراق، لتخفيف عجز ميزان المدفوعات، ودعم الموازنة الأردنية ضعيفة الهيكلة، والتي تعاني عجزاً مزمناً، يزيد على 20% من الدخل المحلي الإجمالي. وكان الأردن قد حصل، حتى حدوث الغزو، على نحو 260 مليون دولار، معظمها من المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة.
وزاد الأمر سوءاً، أن المملكة العربية السعودية، في إطار جهودها، الرامية إلى إحداث تغيير في الموقف الأردني، ولا سيما امتثال قرارات الحظر الاقتصادي، التي أقرها مجلس الأمن الدولي ـ كانت قد وعدت الأردن بتزويده نحو 32 ألف برميل من النفط، يومياً؛ ولكنها حيال موقفه من الغزو العراقي، أوقفت شحن النفط إليه، وبررت ذلك بأنه لم يدفع قيمة واردات سابقة من النفط السعودي. كذلك، صعد الأردن الأزمة، فأصدر قراراً، يمنع الشاحنات السعودية من المرور عبر أراضيه، بعد أن منعت المملكة العربية السعودية مرور الشاحنات الأردنية عبر أراضيها. وقد سبب هذا الإجراء ضرراً بالأسواق الخليجية. فارتفعت أسعار السلع والخضراوات نحو 300%؛ إذ إن الأردن كان مصدرها الأساسي. كما أن قراره، في شأن مرور الشاحنات عبر أراضيه، شمل منع الشاحنات، السورية والتركية، كذلك، من المرور عبْره إلى المملكة العربية السعودية، ومنها إلى دول الخليج. ولم يسلم الأردن نفسه من الآثار السلبية لقراره، لكون الأسواق الخليجية، هي المستورد الأول للمنتجات الزراعية الأردنية، وهي منتجات معرضة للتلف السريع. فأصبح مضطراً إلى تصديرها إلى العراق، خارقاً الحظر عليه خرقاً واضحاً، وهو ما يمكن أن يعرض الأردن للعقوبات الدولية، أو على أقل تقدير سيحرمه المعونات، التي توجه إلى الدول المتضررة من الحظر الاقتصادي على العراق. إضافة إلى ذلك، فإن المعونات الخليجية للأردن، قد أوقفت منذ الغزو، فضلاً عن الاستغناء عن عدد كبير من العاملين الأردنيين في بلدان الخليج، وهو ما يمكن أن يلقي بأعباء ثقيلة على الاقتصاد الأردني.

ثانياً: آثار الأزمة في الاقتصاد اللبناني
شهد الاقتصاد اللبناني تدهوراً خطيراً، إثر غزو العراق الكويت. نجم عن اعتماده الكبير على الواردات النفطية، وعن ارتفاع سعر الدولار بالنسبة إلى الليرة اللبنانية، فتضاعفت أسعار السلع والمواد الغذائية؛ إذ ارتفع سعر الدولار، بين الأول من أغسطس 1990 و 21 منه، بنسبة 31.3% قافزاً من 670 إلى 880 ليرة. وفي نهاية الشهر نفسه، ارتفع، مرة أخرى، ليصل إلى نحو 1100 ليرة. وساعد على ذلك أن النظام المالي اللبناني، هو نظام حر، وغير خاضع لرقابة التحويل. فخرجت كميات كبيرة من الدولارات، من أسواق بيروت إلى أسواق الدول الخليجية، لتلبية طلب المقيمين في هذه البلدان على الدولار، وذلك عقب توقّف المصارف العالمية عن إمداد المصارف الخليجية بحاجتها إلى الدولارات. ولذا نقص المعروض نقصاً شديداً في السوق اللبنانية.
أضف إلى ذلك، التراجع في حجم الصادرات اللبنانية، التي راوحت قيمتها، عام 1990، بين 20 و25 مليون دولار شهرياً؛ وانخفاض حجم الاحتياطي، في المصرف المركزي، من العملات الأجنبية، الذي يتجاوز 500 مليون دولار، وهي لا تكفي كلها لدفع ثمن الواردات النفطية، وحدها. ناهيك أن الوضع اللبناني، ينطوي على مأساة كبرى. فبينما كانت تعد العدة لإنشاء ما سمي بصندوق إعمار لبنان، بمبلغ مليار واحد ونصف المليار دولار، إذا بالوضع ينقلب إلى خسائر، ربما لم يشهدها الاقتصاد اللبناني، منذ تفجر الحرب الأهلية، عام 1975؛ إذ إن عدداً كبيراً من مشروعات الملابس والمنسوجات خاصة، كانت توجه معظم إنتاجها إلى أسواق الكويت، باتت معرضة للإفلاس والإغلاق. كما أن عدداً كبيراً من اللبنانيين، الذين يعملون في الكويت، لم يكونوا مجرد عمال، بل كانوا، في الواقع، أصحاب أعمال في الشركات، التي يمتلكها لبنانيون في ذلك البلد، والتي أمست مهددة بخسارة مليارات الدولارات.

وإزاء موقف لبنان المعارض للغزو العراقي للكويت، بادرت دول الخليج إلى دعم الاقتصاد اللبناني، ولا سيما في المرحلة الأولى لدعم العملة اللبنانية. فقد قدمت المملكة العربية السعودية مساعدة، قِيمتها 100 مليون دولار، إلى المصرف المركزي اللبناني، وهو ما ساعد على تحسن سعر صرف الليرة اللبنانية، فراوح سعرها، أمام الدولار، في 21 سبتمبر 1990، بين 880 و900 ليرة، مقابل ما يزيد على 1100 ليرة، من قبل. كما أُعلنت عن معونة أخرى، قدرها 150 مليون دولار، تقدم الحكومة الكويتية الشرعية نحو 100 مليون دولار منها، والإمارات الخمسين مليوناً الأخرى.

ومع ذلك، فإن بعض الاقتصاديين اللبنانيين، رأوا أن الدعم السعودي لم يسهم سوى في صمود الليرة اللبنانية لأسابيع محدودة، والمطلوب هو إعادة إحياء مشروع إعمار لبنان، وترافقه مع إقرار الوفاق الوطني، حتى يمكن هذا البلد، أن يخرج من الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي ألمت به، بعد الغزو العراقي للكويت.

ثالثاً: آثار الأزمة في الاقتصادَين، اليمني والسوداني
كان اليمن أكثر الأقطار العربية تعرضاً للآثار السلبية للأزمة. فقد تراجعت تراجعاً واضحاً معدلات التحويلات المالية اليمنية، التي كانت تجري عبر القنوات الرسمية. وضاعف من الأزمة قرار المملكة العربية السعودية، إلغاء التسهيلات، التي كان يتمتع بها العاملون اليمنيون، من دون بقية العاملين، فتساووا ببقية العاملين، في أساليب التعامل. وكان عدد اليمنيين، العاملين في المملكة العربية السعودية، يقدّر بنحو مليون عامل، يشكلون 20%، تقريباً، من سكان اليمن. وكانت تحويلاتهم السنوية، ملياري دولار. وأعلن أن نحو 400 ألف يمني، قد غادروا المملكة العربية السعودية، بالفعل، عقب هذه الإجراءات، إضافة إلى 150 ألف يمني تقريباً، كانوا يعملون في الكويت، وعادوا إلى وطنهم. فضلاً عن الخسائر الناجمة عن تأثر مصفاة عدن، التي تعتمد على تكرير النفط الخام، من الكويت والعراق والاتحاد السوفيتي. وكانت تعاقداتها، قد بلغت، في النصف الثاني من هذا العام، 5 ملايين طن، معظمها كانت مبرمة مع الكويت والعراق. إضافة إلى توقّف الصادرات اليمنية من المنتجات الزراعية إلى العراق. وكانت الأزمة قد حرمت اليمن الاستفادة الكاملة من تصدير نفطه الخام، الذي وجه معظمه إلى مصفاة عدن، لتوفير المتطلبات المحلية من الوقود. وقدرت المصادر اليمنية خسائرها المباشرة، بنحو مليار واحد وسبعمائة مليون دولار، سنوياً، نتيجة لتوقّف الصادرات إلى العراق وانخفاض تحويلات المغتربين اليمنيين.
وفي السودان، تزايدت نفقة استيراد المواد النفطية، من 300 مليون دولار إلى نحو 520 مليون دولار. وفي إطار الظروف، التي يمر بها الاقتصاد السوداني، فإن هذه الزيادة تُعَدّ كارثة بكافة المقاييس؛ إذ إن صندوق النقد، أبلغ السودان، أنه يمكن أن يعلق عضويته، نظراً إلى عدم دفعه القروض السابقة من الصندوق. وهو ما يعني، عملياً، استمرار تصنيف السودان بلداً معدوم الجدارة الائتمانية، مما يجعل حصوله على قروض جديدة، أمراً مستحيلاً. وفي إطار النقص البالغ الحدّة في العملات الصعبة، ونتيجة لحرمان السودان أي معونات من البلدان الخليجية، رداً على موقفه من الأزمة الخليجية، فإن أوضاعه السيئة ازدادت سوءاً.

رابعاً: آثار الأزمة في اقتصاد بلدان المغرب العربي
ولا يكاد يوجد دولة في الوطن العربي، شهدت تفاوتاً كبيراً في المكاسب والخسائر، كدول المغرب العربي. وقدر وزير الاقتصاد التونسي، الخسائر المباشرة لبلاده، بنحو 125 مليون دولار، عام 1990. و180 مليون دولار، عام 1991. وهو ما يناهز نصف الاحتياطي التونسي، من العملات الصعبة، ويكوّن إجمالي العجز في الموازنة. فقد كان يتوقع، أن يصل التبادل التجاري، بين العراق وتونس، نحو 120 مليون دولار، منها 90 مليوناً، واردات من العراق، من النفط والكبريت والمواد البتروكيماوية ( وقد بلغت قِيمتها، عام 1989، 63 مليون دولار ). بينما تصدر إليه تونس منتجات، كالأسمدة والآلات والمنسوجات وقطع الغيار؛ وكان يتوقع أن تبلغ قِيمتها، عام 1990، 36 مليون دولار.
وإذا كان التبادل التجاري بين تونس والكويت محدوداً، لا يتجاوز 18 مليون دولار، سنوياً، للصادرات والواردات بين البلدين، فإن الكويت، اضطلعت بدور مهم في تمويل الاستثمارات في تونس، حيث أنجزت مشروعات عدة، بالاتفاق مع الصندوق الكويتي للتنمية، تقدر بنحو 355 مليون دولار، موزعة على 26 مشروعاً، أُنجز منها 18 مشروعاً، بينما توقف العمل في المشروعات الثمانية الأخرى. ويقدر حجم الاستثمارات الكويتية في المشروعات المنجزة، بنحو 130 مليون دولار. فضلاً عن وجود نحو 16 ألف عامل تونسي في الكويت، عاد معظمهم، وتوقفت تحويلاتهم. كما كان هناك نحو ألفَي عامل تونسي في العراق، كانت تحويلاتهم تدنو من مليون دولار، سنوياً.

وأمّا رجال الأعمال التونسيون، فيقدرون حجم الخسائر الحقيقية بأكثر من تلك الرسمية. إذ يحسبون، كذلك، الخسائر، التي تكبدتها نحو 200 شركة تونسية، تشارك في عقود مع العراق، خاصة في مجال الأشغال العامة. بيد أن ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية، أسهم، إلى حدٍّ ما، في تغطية الخسائر التونسية، لكون تونس تعد مصدراً صافياً للنفط.
وقد تكون المملكة المغربية، هي الدولة الأخسر من بين دول المغرب العربي. فقدرت المصادر الرسمية حجم خسارتها التي تكبدتها بما يراوح بين 200 و300 مليون دولار، إضافة إلى خسارة تحويلات نحو 36 ألف عامل مغربي، في العراق والكويت. بينما قدرت مصادر مستقلة، أن حجم الخسائر، المباشرة وغير المباشرة، تجاوز 500 مليون دولار، ويعد هذا الرقم كبيراً، بالقياس إلى العجز المسجل في الميزان التجاري، والبالغ مليارين وثلاثمائة مليون دولار. ومرد هذه الأزمة إلى أن العراق، كان يقدم إلى المملكة المغربية ما يزيد على نصف حاجتها إلى النفط. ونتيجة ارتفاع أسعار النفط إلى 24 دولاراً للبرميل، في نهاية عام 1990، زادت قيمة الواردات النفطية، على الأقل، 200 مليون دولار. وكانت قِيمة صادرات المملكة المغربية إلى العراق، عام 1989، قد ناهزت 42 مليون دولار.

وإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار النفط، كان له أثره في عودة التضخم إلى الاقتصاد المغربي، مما أثر، سلباً، في مجالات الاستثمار ونفقات الإنتاج، ومن ثم، في ارتفاع أسعار الفائدة. ناهيك تأثر الدخل السياحي بأثر تقلص السياحة العربية في المملكة، والتي تقدم نحو 25% من الإيرادات السياحية، التي تمثل، بدورها، نحو ربع الدخل من العملات الصعبة.
وقد حاولت الحكومة المغربية اتخاذ تدابير عاجلة، للحدّ من هذه الانعكاسات السلبية على الاقتصاد، خاصة تلك المترتبة على الواردات النفطية. وقد تركز الجهد في البحث عن مصادر جديدة للنفط. وعقدت المملكة المغربية، بالفعل، اتفاقاً مع المملكة العربية السعودية، لشراء مليون ونصف المليون طن من النفط، تعويضاً مما كانت تستورده من العراق والكويت. كما استوردت، في الإطار عينه، في أواخر أغسطس 1990، 230 ألف طن من الإمارات. ولا شك أن المملكة المغربية، قد لقيت بعض التعويض، وإن كان في صورة شحنات نفطية، نتيجة لموقفها المساند للمملكة العربية السعودية، في هذه الأزمة.
كما أن مصادر المفوضية الأوروبية، أعلنت أن الجماعة الأوروبية تعتزم تقديم مساعدات إلى الرباط، تقدر بنحو 100 مليون دولار. وأنهى المصرف الدولي اتفاقه معها، في منتصف سبتمبر، وأمدها بقرض، قِيمته 482 مليون دولار، لتمويل خمسة مشروعات تنموية، في مجالات الزراعة والصحة والتنمية القروية والإسكان. ووافق نادي باريس، في منتصف سبتمبر تقريباً، على جدولة ديون مغربية يبلغ مجموعها 11 مليار دولار، على مدى 20 سنة.
وهكذا، فإن الخسائر المغربية، وإن كانت هي أكبر خسائر بعد بلدان الخليج، إلاّ أن موقف المملكة المغربية من الغزو العراقي، وإرسالها قوات عسكرية إلى المملكة العربية السعودية، قد أسهما، إلى حدٍّ ما، في التخفيف من وطأة هذه الخسائر، التي زادت من أعباء الأزمة الاقتصادية، التي كانت تمر بها المملكة المغربية.

أمّا ليبيا والجزائر، فلعلّهما كانتا الدولتَين العربيتَين الوحيدتَين، اللتَين كانت مصيبة الغزو فائدة لهما. إذ ازداد إنتاج ليبيا النفطي 167 ألف برميل، يومياً، فأصبحت تنتج نحو مليون وأربعمائة ألف برميل من النفط، يومياً، بدلاً من حصتها المقررة في quot;الأوبكquot;، والبالغة مليوناً ومائتَين وثلاثة وثلاثين ألف برميل. وإذا ما حسب الدخل النفطي، بعد ازدياد الإنتاج والأسعار ( على أساس سعر متوسط، قدره 30 دولاراً للبرميل )، فإن الدخل اليومي، يصبح 42 مليون دولار. وهو ما يعني تحقيق دخل، حتى نهاية عام 1990، يبلغ 6300 مليون دولار، وازدياداً في الدخل النفطي، حتى نهاية العام، يربو على ثلاثة مليارات، إذا ما حسبت الزيادة، على أساس الزيادة في الإنتاج والأسعار، من 17 دولاراً إلى 30 دولاراً للبرميل.

وأعلنت مصادر مطلعة في سوق النفط، أن الموارد الإضافية الجزائرية، حتى نهاية عام 1990، زادت على 4 مليارات دولار، نتيجة ازدياد أسعار النفط والغاز. اللذَين تناهزت الإيرادات الجزائرية منهما، 14 مليار دولار، بينما كانت الجزائر، لا تتوقع سوى 10 مليار دولار. وكان ازدياد العائدات إنقاذاً مفاجئاً للاقتصاد الجزائري المدين، الذي تقدَّر مدفوعات خدمة دينه، في العام نفسه، بنحو 6.2 مليارات دولار. وبذلك أُتيحت للجزائر فرصة كافية لزيادة الواردات، من المواد الخام والوسيطة، لتشغيل مصانع الجزائر، ومحاولة تخفيف معدل البطالة؛ إذ إن معظم المصانع، كانت تعمل بأقل من طاقتها، لنقص الواردات، الناجم عن ندرة العملات الصعبة. كما أُتيحت الفرصة للحصول على قروض جديدة، بشروط أفضل، استتبعها تحسن الجدارة الائتمانية للجزائر.
وقد يكون العبء الجديد، المحدود، على الاقتصاد الجزائري، هو ذلك الناجم عن ارتفاع أسعار الفائدة في الأسواق العالمية، وتأثيره في مدفوعات فائدة الدين الجزائري، المعقود بأسعار مدعومة.
ولم تسبب أزمة الخليج خسائر تذكر للجزائر، إذ ليس في الكويت، ولا في العراق، عمال جزائريون. وكذلك، يكاد التبادل التجاري ينعدم بينها وبين هذَين البلدين.

خامساً: آثار الأزمة في الاقتصاد المصري
لم يسلم الاقتصاد المصري من الآثار السلبية للعدوان العراقي على الكويت. إذ عاد عدد كبير من العمال المصريين، الذين يعملون في الكويت والعراق، بسبب الاحتلال العراقي للكويت. وأفادت المصادر المصرية، أن نحو نصف مليون عامل، عادوا إلى مصر، حتى منتصف شهر ديسمبر 1990. وسوف يتطلب ذلك من الدولة، استثمارات إضافية، لتشغيل العائدينquot;.
ولا شك أن عودة هؤلاء العمال وإعادة تأهيلهم، والبحث عن فرص عمل لهم تطلبت جهوداً شاقة من الحكومة المصرية، التي تعاني صعوبات اقتصادية واضحة. كذلك اضطرت الحكومة الكويتية، أن تدفع 1200 جنيه مصري إلى كل عائد من الكويت، لديه تعاقدات واضحة مع جهة عمل فيها، سارية المفعول، قبل وقوع الغزو العراقي للكويت. وقد تركت فترة الاحتلال العراقي للكويت، آثاراً اقتصادية أخرى، مثل توقّف تحويلات العاملين المصريين، في الكويت والعراق، التي كانت تربو على ثلاثة مليارات دولار أميركي.
وبعد التحرير، لم يتمكن العديد من المصريين، الذين عملوا في الكويت، من استئناف أعمالهم فيها؛ نظراً إلى تقلص حجم العمل، في السوق الكويتية. كما لا يخفى أن قدرة الاقتصاد العراقي على استيعاب مئات الآلاف من العمال المصريين، قد تلاشت، نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية، واستمـرار حالـة الحصار على النظام العراقي، وسوء العلاقات السياسية المصرية ـ العراقية. بل لا يعقل أن يكون الاقتصاد العراقي قادراً على استيعاب أعداد كبيرة من العمال الوافدين، لو رفع الحصار الاقتصادي؛ نظراً إلى تردّي الاقتصاد العراقي، وارتفاع حدّة البطالة بين العراقيين أنفسهم.

وقدر المصرف الدولي، أن مصر، من أكثر الدول تضرراً من الاحتلال العراقي للكويت. وأن مواردها من النقد الأجنبي انخفضت، في عام 1991، بنسبة 30 % أو بنحو 3.6 مليارات دولار؛ ومعظمها انخفاض في التحويلات النقدية للمغتربين المصريين، المقدرة بمليارين وأربعمائة مليون دولار، وانخفاض في إيرادات السياحة، يقدر بنحو 500 مليون دولار، وانخفاض 200 مليون دولار في إيرادات قناة السويس.
وهناك نفقات أخرى، ناتجة من التأثيرات السلبية للاحتلال في الاقتصاد المصري. لذلك قررت دول الخليج إسقاط ما يعادل 7 مليارات دولار، من الديون التي أقرضتها مصر، وهو ما يمثل دعماً كبيراً من الدول الخليجية للحكومة المصرية، في مواجهة الالتزامات، التي ترتبت على تبعات الاحتلال العراقي للكويت.
وللاحتلال آثاراً جانبية، قد تمتد لسنوات طويلة؛ إذ إن مصر تصدر عدداً من السلع الغذائية والملابس، وبعض المعدات، إلى الأسواق العراقية، ونتيجة للحظر المفروض على العراق، فإنها لا بدّ ستتأثر، ولو إلى حدٍّ ما. قد تتمكن مصر من تدبير أسواق بديلة، ولكن التكيف، سيكون له نفقات اقتصادية، على المدى القصير.

واللافت أن الإصلاحات الاقتصادية في مصر، قد تأثرت نتيجة لأحداث حرب تحرير الكويت، فازدادت البطالة، مثلاً، وانكمشت بعض الموارد الاقتصادية. كما أن هذه الأحداث أدت إلى إضعاف قدرة الدول الخليجية على تقديم أي عون جديد للمساعدة على إنجاز عدداً من مشروعات التنمية، وتوفير أموال للاستثمار في مشروعات أخرى، في مختلف القطاعات الاقتصادية. لذلك، فمن المحتمل أن عجز الموازنة الحكومية ازداد بما يراوح بين 4 و5 مليارات جنيه مصري، في السنوات التي تلت الغزو.

سادساً: آثار الأزمة في الاقتصاد السوري
يُعَدّ الاقتصاد السوري من الاقتصاديات العربية شديدة التأثر، بما يحدث في منطقة الخليج العربي، حيث تعمل جالية سورية كبيرة. وقدِّر عدد السوريين المقيمين بالكويت، قبل الغزو العراقي، بما يربو على 100 ألف نسمة. وهم من أنشط الجاليات العربية فيها، في مختلف القطاعات الاقتصادية. يضاف إلى ذلك، أن عدداً كبيراً منهم من أصحاب الأعمال، الذين يعملون لحسابهم الخاص. ولذلك، فإن خسارة هؤلاء، لا بدّ أن تكون كبيرة، نتيجة لتعطل أعمالهم، خلال فترة الاحتلال، والتخريب الذي تعرضت له أعمالهم وممتلكاتهم. وقد كانت تحويلاتهم إلى وطنهم، أساسية في دخْله الوطني. وقدرت قيمة الانخفاض في تحويلات السوريين، من الكويت، خلال فترة الاحتلال، بنحو 766 مليون دولار.
وبعد تحرير الكويت، انطبق على السوريين ما انطبق على غيرهم من جاليات، عربية وأجنبية. فأصبح من المتعذر استيعابهم ضمن قطاعات الاقتصاد الكويتي، نظراً إلى تراجع النشاط الاقتصادي في البلاد، مما أثر في قيمة تحويلاتهم. هذا وتعرض الاقتصاد السوري، كذلك، لخسائر أخرى، مباشرة وغير مباشرة من جراء الاحتلال العراقي للكويت. فتوقف، مثلاً، تدفق السياح، من الكويت ومنطقة الخليج إلى سورية، لمدة عام تقريباً. كما تأثرت الصادرات السورية، المتجهة إلى الكويت وسائر دول الخليج. أمّا أنشطة الترانزيت، للسلع والركاب، فقد انخفضت مستوياتها السابقة على الاحتلال.
وكان من المقرر، إعادة ضخ النفط العراقي، عبر خط الأنابيب السوري، إلى ميناء التصدير، في بانياس، مما سيزيد إيرادات الخزينة السورية. ولكن التطورات السياسية، الناجمة عن الاحتلال، ووقوف دمشق ضد بغداد، والتزامها بالقرارات الدولية اللاحقة للغزو، حالت دون استئناف الضخ.
وكان قطاع التجارة من القطاعات الأساسية، التي تأثرت بتداعيات الاحتلال. فقد بلغت قيمة الصادرات السورية إلى دول الخليج والأردن، 310 ملايين دولار، عام 1989. وبلغت، في الفصول الثلاثة الأولى، من عام 1990، 293 مليون دولار. ولا شك أن الخسائر، الناجمة عن تعطل التجارة، خلال فترة الاحتلال، كان لها أثر شديد في الاقتصاد السوري.
كذلك، اضطرت الحكومة السورية، أن تمنح السوريين، العائدين من الكويت وبعض دول الخليج، تسهيلات كثيرة، لإعادة ترتيب أوضاعهم، الاقتصادية والاجتماعية. منها منحهم إعفاءات جمركية، وقبول أبنائهم في المدارس والجامعات بمصروفات رمزية.
كل هذه العوامل، شكلت أعباء مالية على الخزينة السورية العامة. لكن الأهم من ذلك، أن انخفاض النشاط الاقتصادي، الناجم عن كساد المنشآت السياحية والفنادق، وتراجع التصدير إلى دول الخليج، أدّيا إلى انخفاض دخل تلك المنشآت الاقتصادية. واضطر بعضها إلى الاستغناء عن عدد كبير من العاملين، مما زاد من عدد العاطلين عن العمل.

سابعاً: الآثار الاقتصادية طويلة الأجل، في الاقتصاديات العربية
هناك جوانب غير قابلة للحساب والتقدير، ناجمة عن الاحتلال العراقي للكويت، عام 1990، سوف تظل عالقة، ومؤثرة في الحياة الاقتصادية العربية، زمناً طويلاً. إذ إن النظام الاقتصادي العربي، إضافة إلى ما ذكر آنفاً، سوف يتأثر بانعدام الاطمئنان الأمني، لدى كثير من المستثمرين العرب، والعديد من المؤسسات العالمية، فضلاً عن تراجع الثقة الدولية بالأوضاع السياسية، في المنطقة العربية عامة.
ولقد أوضح الرئيس جورج بوش، يوم تحرير الكويت، أن على الولايات المتحدة الأمريكية، أن تبدأ بتطوير إمكاناتها العلمية، لتنويع مصادر الطاقة، وتخفيف اعتمادها على نفط الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن نفط الخليج، سيظل مصدراً أساسياً، لأمد طويل، إلاّ أن ذلك، لن يحول دون مبادرة الدول الصناعية المستهلكة للنفط، إلى تطوير الكفاءة التكنولوجية لاستخدام الطاقة (كافة الاستخدامات)، وتعزيز البحث العلمي، لجعل مصادر الطاقة البديلة أقل نفقة من تلك المقدرة لها، في الوقت الراهن، وكذلك جعل عمليات استكشاف النفط واستخراجه، في مناطق أخرى من العالم، ذات جدوى اقتصادية. لا شك أن تلك المحاولات ستواجه صعوبات، خصوصاً في ظل أسعار النفط المنخفضة. لكن الهاجس الأمني، والخوف من تفجر نزاعات إقليمية، في المستقبل، في مناطق النفط العربية، وإمكانات التورط فيها، تجعل المؤسسات العاملة في وضع الإستراتيجيات في الغرب، مشغولة بالبحوث والدراسات، لتحقيق بدائل من الطاقة، توفر نفقات الاعتماد على النفط العربي.
ولا شك أن غزو الكويت واحتلالها، أيقظا، لدى الغرب، هموم الأمن في المنطقة العربية، وكشفا مدى هشاشة العلاقات بين مختلف الدول العربية، وطريقة اتخاذ القرارات السياسية، التي تدفع الأمم والشعوب ضريبتها، البشرية والاقتصادية، الباهظة. ولذلك، ستظل نظرة الدول الصناعية إلى الأوضاع في العالم العربي، تخامرها الشكوك وعدم الارتياح، على أقل تقدير. وقد تؤدي هذه الشكوك، وما تستتبعه من تحليلات وتصورات، إلى تراجع القيمة الإستراتيجية للمنطقة وثرواتها، والنفط خاصة، بعد مرور عدد من السنين، تتوصل تلك الدول، خلالها، إلى ترتيب أوضاع الطاقة في بلدانها.
من جانب آخر، فإن اختلال النظام الأمني العربي، وتزايد الأطماع لدى بعض الأنظمة العربية، جعلا الدول العربية، المنتجة للنفط، كثيرة التخوف والحذر من عدد من البلدان العربية، وتساورها الريبة في علاقاتها بها. ولن يقتصر الأمر على الارتياب، بل إن هذه الدول، ستضطر إلى تخصيص مبالغ كبيرة، لمواجهة التزامات الأمن والدفاع. وسوف تعمد لشراء المعدات العسكرية، على حساب تخصيص الموارد للتنمية، المحلية أو الإقليمية أو العربية.

ثامناً: النتائج الاقتصادية العربية لأزمة الخليج
صنّف التقرير الاقتصادي العربي الموحد، لعام 1991، الآثار السلبية المباشرة للأزمة، كالتالي:
1. الانخفاض الحاد في النمو الاقتصادي، في كلٍّ من الكويت والعراق خاصة، وإلى درجات أقلّ من الدول العربية عامة. وتقدر الخسائر الناجمة عن هذا الانخفاض بنحو 97 مليار دولار.
2. الزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي، بسبب التعبئة الدفاعية، في عدد من الدول العربية. وتقدر هذه الزيادة بنحو 56 مليار دولار.
3. التحويلات الرسمية، التي خرجت من دول الخليج، ولم تصل إلى الدول العربية الأخرى. وتقدر هذه التحويلات بنحو 51 مليار دولار.
4. أمّا أهم جوانب الخسارة الاقتصادية، فهي الدمار، الذي لحق بالمؤسسات والمنشآت الاقتصادية، والبِنية الأساسية، في كلٍّ من الكويت والعراق. وتقدر قيمته بنحو 240 مليار. دولار للكويت؛ 232 مليار دولار، للعراق.
وتظهر الأبعاد المخيفة لقرار غزو الكويت، في أن حجم الخسائر الاقتصادية الإجمالية للعرب من الأزمة، يزيد على ضعف الناتج المحلي الإجمالي، لكافة الدول العربية، خلال عام.
وبسبب ضخامة الخسائر، فإن التقرير الاقتصادي العربي الموحد، يرى أن العرب قد يكونون في حاجة إلى عقد كامل، على الأقل، لتعويضها. وهو ما يشير إلى الأثر طويل المدى لنتائج الغزو الاقتصادية للحرب، بالنسبة إلى عدد كبير من الدول العربية.
ولا شك أن الجانب الأكبر من الخسائر، المباشرة وغير المباشرة، إنما يقع على كاهل العراق نفسه. فإلى جانب الخسائر، المترتبة على التدمير المذهل للبِنية الأساسية والمنشآت الإنتاجية، فإن الخسائر المترتبة على المقاطعة الاقتصادية، قد أحصاها التقرير العربي الموحد لسنة واحدة، هي عام 1991، بينما يجب حسابها على طول المدى الزمني، لتطبيق إجراءات المقاطعة والعقوبات الاقتصادية، السارية حتى الآن (1999). وإضافة إلى ذلك، فإن التعويضات المفروضة على العراق، وفقاً لقرار مجلس الأمن، الرقم 687، سوف تفرض نفقات إضافية، حتى بعد رفع العقوبات. ويقدر بعض المصادر، أن الاقتصاد العراقي، والنفط خاصـة، سوف يكـون رهينة لهذه التعويضات، فترة لا تقلّ عن ثلاثين عاماً مقبلة. وهو ما يعني الدفع بالعراق إلى هاوية الفقر، طوال هذه المدة.
وإذا كانت الكويت هي الخاسر التالي من الأزمة، فإنها، ومعها دول الخليج العربية الأخرى، قادرة على تعويض هذه الخسائر، لا من الدخل النفطي المقبل فحسب، بل من خلال سياسات أكثر ترشيداً، في الإنفاق الحكومي والتنمية، الاقتصادية والاجتماعية.
ومن ثَم، فإن اللافت في توزيع أعباء الخسائر الاقتصادية، على المدى الطويل، هي البلاد العربية الأكثر فقراً، وبصفة خاصة الأرض الفلسطينية المحتلة، ثم الأردن، وبعدها تأتي الدول العربية الأقل دخلاً، وهي مصر واليمن والسودان والصومال وجيبوتي. فوقْف المعونات والهبات الخليجية، المباشرة وغير المباشرة، للأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة والقطاع)، يضاعف من ميل انكماشي قوي، يضرب اقتصاد الأراضي، ويؤدي إلى خسارة نحو 10%، سنوياً، في المتوسط من الناتج المحلي. كما أن نزوح وطرد أكثر من نصف مليون فلسطيني، من وظائفهم وأعمالهم، في الكويت وبعض دول الخليج الأخرى، يحرم اقتصاد الأراضي المحتلة تحويلات، كانت مصدرها الرئيسي لتمويـل الاستثمـارات، ويضاعف من شدة الميل الانكماشي، والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما مشكلة البطالة. ويصدق الأمر نفسه على الأردن، وإن كان بحدة أقلّ.
وهناك من الأدلة ما يشير إلى أن الدول العربية الأفقر، تعاني نتائج طويلة المدى لأزمة الخليج. أبرزها تدهور تحويلات العاملين من أبنائها في دول الخليج عموماً، وفي العراق والكويت على وجه الخصوص، بسبب انخفاض أعدادهم ودخولهم. كذلك، فإن الاستثمارات الخليجية الخاصة، في الدول العربية الأخرى عموماً، وتلك الأفقر خصوصاً، تتجه إلى الانخفاض بشدة ملحوظة، مع الوقت، مما يضعف نسيج العلاقات الاقتصادية العربية عموماً، ويفاقم من المصاعب الاقتصادية، مع العالم الخارجي.