مشعل الحميدي من الخبر: اختتم صندوق النقد الدولي مشاورات المادة الرابعة مع السعودية لعام 2009 بمناقشة التقرير الذي أعده موظفو الصندوق عن المشاورات في المجلس التنفيذي للصندوق.

وأثنى تقرير المشاورات على السعودية، حيث قال إنها واجهت الأزمة المالية العالمية الحالية بأساسيات اقتصادية أقوى مما كانت عليه في فترات الهبوط الاقتصادي السابقة، فقد عملت حكومة السعودية في السنوات الأخيرة على تعزيز مركزها الاقتصادي الكلي وتقوية قطاعها المالي وتنفيذ إصلاحات هيكلية لدفع عجلة النمو بقيادة القطاع الخاص، ولم تمر جهود السعودية في تعزيز مركزها الاقتصادي مروراً غير ملحوظ، حيث توّجت بتبوئها المرتبة الأولى على مستوى البلدان العربية لأربع سنوات متتالية، والمرتبة السادسة عشرة على مستوى العالم، في آخر عدد من تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الذي يصدره البنك الدولي.

وأشار المدراء التنفيذيون إلى أن السعودية تواجه الأزمة العالمية الراهنة من موقع قوة، ما يعكس سجل أدائها القوي في مجال السياسات الاقتصادية الكلية الرشيدة والإصلاحات الهيكلية التي عززت قدرة الاقتصاد على الصمود في مواجهة الصدمات. ورغم ذلك من المتوقع حدوث انكماش طفيف في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي خلال عام 2009 م، تأثراً بانخفاض الطلب على النفط فلا يزال القطاع غير النفطي يتوسع بقوة، كما يواصل معدل التضخم تراجعه المستمر.

وقد أعرب المدراء التنفيذيون عن رأيهم بأن أهم التحديات التي تواجه اقتصاد السعودية على المدى القصير هي الحفاظ على استقرار القطاع المالي وتخفيف حدة تأثير الركود العالمي على السوق المحلية.

ورحب المدراء بالتدابير المتخذة لتعزيز السيولة المصرفية وتحقيق الاستقرار في سوق المعاملات بين البنوك، كما أثنوا على الجهود المبذولة لتقوية أطر التنظيم والرقابة المالية، بما في ذلك التدابير التي اتخذت لتحسين نظم إدارة المخاطر في البنوك وتنفيذ بقية التوصيات، التي خلصت إلى برنامج تقييم القطاع المالي، وكذلك تقييم إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي ساعدت الجهاز المصرفي على الاحتفاظ بمستويات ربحية ورسملته المرتفعة.

ومع ذلك، حثّ المدراء الحكومة على توخّي اليقظة المستمرة في رصد أي مخاطر ناشئة والتحرك لمواجهتها، وشددوا على أهمية إجراء اختبارات دورية لقياس قدرة النظام المصرفي على تحمل الضغوط، كما شجعوا الحكومة على تحديث الإطار المعتمد في تسوية أوضاع المؤسسات المالية وغير المالية، وتحقيق مزيد من التقدم في تعزيز الشفافية والإفصاح في قطاع الشركات ومراجعة الآليات المؤسسية للرقابة عبر الحدود وعبر القطاعات.

ورأى المدراء أن ربط سعر الصرف بالدولار الأميركي أتاح ركيزة اسمية موثوقة ومستقرة، كما أسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، وأشاروا إلى رأي خبراء الصندوق من أن الانخفاض المرجح في قيمة الريال السعودي هو أمر موقت يتوقع أن ينتهي في المدى المتوسط.

وحث بعض المدراء الحكومة على النظر في إمكانية أن يعتمد الاتحاد النقدي بين دول مجلس التعاون الخليجي نظاماً أكثر مرونة لسعر الصرف، وذلك بالتشاور مع الأعضاء الآخرين في الاتحاد. وشجع المدراء الحكومة على المضي قدماً نحو إقامة الاتحاد النقدي، من خلال تحديد المسؤوليات التشغيلية وهيكل الحكومة في البنك المركزي المرتقب، فضلاً عن مواءمة الإحصاءات الاقتصادية الكلية ووضع نظام مدفوعات يتسم بالكفاءة.

ونظراً إلى القيود الحالية على السياسة النقدية نتيجة ربط سعر الصرف بالدولار الأميركي، رأى المدراء أن سياسة المالية العامة هي وسيلة أساسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي والنمو غير النفطي، وأثنوا على التحرك الحاسم الذي بادرت به الحكومة من خلال المالية العامة لتخفيف أثر الركود العالمي على النشاط الاقتصادي. وقد كانت الدفعة التنشيطية (وهي الأكبر على مستوى مجموعة العشرين من حيث نسبتها إلى إجمالي الناتج المحلي) تركز بشكل ملائم على الإنفاق الرأسمالي، وستسهم في تنويع مصادر النمو المحلي وتعافي الاقتصاد العالمي.

وفي الوقت نفسه، أكد المدراء ضرورة توخي المرونة في إدارة سياسة المالية العامة لتأمين استمرارية أوضاعها على المدى المتوسط، مع تعديل الإنفاق متى أصبح التعافي راسخاً.

وأشادوا بالحكومة لدورها القيادي في تحقيق استقرار أسواق النفط العالمية، عن طريق مواصلة تنفيذ خطط التوسع في الطاقة الإنتاجية، رغم انخفاض أسعار النفط، وشجعوا الحكومة على مواصلة الاسترشاد بأوضاع الطلب في المدى المتوسط إلى الطويل عند اتخاذ قرارات التوسع في الطاقة الإنتاجية.

وأيد المدراء جهود الحكومة لتنفيذ إصلاحات الجيل الثاني في قطاع القضاء وقطاع التعليم والقطاع المالي، بغية تهيئة مناخ أفضل لتنمية القطاع الخاص.

ورحبوا بالإجراءات المستمرة لتحرير النظام التجاري، تماشياً مع التزام الحكومة بإقامة نظام تجاري حر ومنفتح. وقد أشادوا بحكومة السعودية، لما تقدمه من مساعدات سخية للبلدان النامية، بما في ذلك دعمها الفعال للمبادرة المعنية بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون، وإسهاماتها في مبادرة الطاقة للفقراء.

وقال المستشار والكاتب الاقتصادي طلعت زكي حافظ إن تقرير الصندوق يعكس وضع السعودية اقتصادياً وعلى قطاعها المصرفي ، وفي حالة وجود تأثير، فإنه تأثير غير مباشر، وحتى الآن لم يتأثر اقتصادنا، ومن العوامل الكثيرة التي ساعدت على متانة الاقتصاد هو استمرار أسعار البترول، وهذا ساعد على إعطاء دفعة الاقتصاد السعودي وتوفير احتياطات كبيرة للدولة بلغت تريليون و700 مليار ريال سعودي، إضافة إلى الإصلاح الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل، حيث بدأنا نلمسه بشكل أفضل من السابق، رغم انخفاض نسبي بالصادرات غير البترولية، وهذا ساعد بدوره بانضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية وإعطاء أسواقنا حيزاً أفضل، والآن أصبحت جميع أسواق العالم مفتوحة لمنتجاتنا.

إضافة إلى إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة العشرين في واشطن عن تخصيص مبلغ 400 مليار دولار لتنشيط الحركة الاقتصادية، وتنمية المشاريع في السعودية، وهذا المبلغ، إضافة إلى المبالغ الأخرى، قد حولت الاقتصاد السعودي، رغم الأزمة، إلى ورشة عمل لتنفيذ المشاريع الداخلية.

وأضاف أنه ومع تنامي الوضع المالي وحجم السيولة النقدية في القطاع المصرفي، الأمر الذي يؤكده، تحقيق عرض النقود بتعريفه الشامل والواسع (ن3) خلال الربع الثاني من العام الجاري، ارتفاعاً بلغت نسبته 3.8 % (36.3 مليار ريال)، ليبلغ نحو 1002 مليار ريال، وبمعدل نمو سنوي بلغت نسبته نحو 16.4 % أو ما يساوي مبلغ 141.2 مليار ريال، هذا التنامي الكبير في حجم السيولة، الذي يعد الأعلى في مستواه على مدى السنوات الماضية، جاء متواكباً مع ارتفاع وتيرة الإنفاق الحكومي على مشاريع التنمية الاقتصادية المختلفة، وتحديداً في ظل تماسك أسعار النفط العالمية في حدود 65 دولاراً للبرميل في المتوسط خلال الفترة الماضية.

كما إن هذا الارتفاع في حجم السيولة، يؤكد استمرار laquo;ساماraquo; خلال الربع الثاني من العام الحالي، في اتباعها لسلسلة من الإجراءات المحفزة على نمو السيولة في القطاع المصرفي بشكل خاص، وفي النظام النقدي بشكل عام، والتي لعلي أُذكر بالبعض منها على سبيل المثال لا الحصر، إبقاء نسبة الاحتياطي القانوني على الودائع تحت الطلب عند مستوى 7 %، الإبقاء على معدل اتفاقيات إعادة الشراء في حدود 2 %، وتخفيض معدل اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس بمقدار 25 نقطة أساس كل مرة، ليصل إلى 0.25 %، الأمر الذي أسهم كذلك بشكل كبير في حالة الاستقرار المالي الذي تعيشه السعودية بشكل عام، والذي يشهده كل من القطاع المصرفي والنظام النقدي السعوديين بشكل خاص.

وأشار إلى الزيادة التي طرأت على حجم السيولة في القطاع المصرفي، نتيجة لاستمرار انتهاج laquo;ساماraquo; لسياسات نقدية محفزة على نمو السيولة، ساعدت المصارف المحلية بشكل كبير على الاستمرار في التوسع في النشاط المصرفي والائتماني، الأمر الذي يؤكده ارتفاع إجمالي مطلوبات المصارف التجارية من القطاع الخاص والقطاع الحكومي (ائتمان مصرفي واستثمارات) خلال الربع الثاني مع العام الحالي بنسبة 0.5 % (4.8 مليارات ريال) ليبلغ نحو 945.9 مليار ريال، مقارنة بانخفاض بلغت نسبته نحو 3.6 % (35.5 مليار ريال) في الربع السابق، هذا وقد سجل حجم الائتمان المصرفي ارتفاعاً سنوياً بنهاية الربع الثاني من عام 2009، بلغت نسبته نحو 4 % (36.2 مليار ريال)، وشكلت نسبة الائتمان المصرفي والاستثماري ما نسبته نحو 103.2 % من إجمالي الودائع المصرفية، مقارنة بنسبة 106.6 % في نهاية الربع السابق.

بالنسبة إلى إجمالي احتياطيات ورساميل وأرباح المصارف التجارية المجمعة العاملة في السعودية، فقد أظهرت بالتقرير المذكور، انخفاضاً خلال الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بالربع السابق، حيث بلغ الانخفاض في إجمالي الاحتياطيات ورؤوس الأموال نحو 1.7 مليار ريال، بينما بلغ الانخفاض في مجمل الأرباح نحو 0.3 مليار ريال، ولكن وعلى الرغم من هذين الانخفاضين، إلا أن القطاع المصرفي لا يزال يحقق مستوى أرباح جيدة، ويتمتع بملاءة وبكفاءة مالية عالية جداً، تتجاوز بكثير مقاييس ومعايير الكفاءة المالية، التي حددتها لجنة laquo;بازلraquo; العالمية، والتي هي في حدود 8 %.

في حين أن القطاع المصرفي السعودي يتجاوز هذه النسبة بأكثر من 2.5 مرة، هذا إضافة إلى أن رؤوس أموال البنوك المجمعة، طرأت عليها زيادة خلال الربع الثاني من العام الحالي، بلغت نحو 1.607 مليون ريال مقارنة بالربع السابق، بينما قد بلغت تلك الزيادة مقارنة بالربع الأخير من العام الماضي نحو 18.769 مليون ريال.

وعلى هذه الخلفية، حقق الاقتصاد السعودي أداء قوياً في عام 2008 م، رغم التأثيرات العالمية المعاكسة، فقد سجل إجمالي الناتج المحلي الحقيقي نمواً قدره 4.4 %، بدعم من التوسع المستمر على نطاق واسع في القطاع غير النفطي 4.3 %، وزيادة إنتاج النفط. وبعد تسارع التضخم في النصف الأول من العام (11.1 % على أساس سنوي مقارن) تراجع من جديد في إبريل 2009 م حتى بلغ 5.2 % على أساس سنوي مقارن، متأثراً بضعف الطلب وانخفاض أسعار الواردات.

وأسهم ارتفاع أسعار النفط في تحقيق فوائض قياسية في المالية العامة وفي الحساب الجاري الخارجي في عام 2008 م، على الرغم من موقف السياسة المالية العامة التوسعي وطفرة الواردات. وقد استخدم جزء من فائض المالية العامة في سداد الدين المحلي، الذي تراجع بمقدار خمس نقاط مئوية ليصل إلى 13.5 % من إجمالي الناتج المحلي. كما استمر ارتفاع التدفقات الداخلة من الاستثمار الأجنبي المباشر عند مستوى 23 مليار دولار، على الرغم من ظروف الأزمة العالمية. وارتفع صافي الأصول الأجنبية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي إلى 438.5 مليار دولار، تمثل 93 % من إجمالي الناتج المحلي.

وقد تصدت مؤسسة النقد العربي السعودي لتزايد التضخم في النصف الأول من عام 2008 وتداعيات الأزمة العالمية في النصف الثاني. وجاء رد فعل مؤسسة النقد العربي السعودي حاسماً بتخفيض مستوى الاحتياطي الإلزامي، وخفض سعر الفائدة على أدوات السياسة النقدية، وتوفير السيولة، وتقديم الضمانات على الودائع. ورغم تباطؤ الائتمان في الربع الرابع من العام، فقد حدث نمو في النقود بمعناها الواسع والائتمان المقدم من القطاع الخاص بمقدار 18 % و 27 % على الترتيب.

واستطاع الجهاز المصرفي تجاوز الأزمة العالمية، ولا يزال محتفظاً بمستويات ربحيته ورسملته المرتفعة، مع الحفاظ على نسبة منخفضة من القروض المتعثرة، غير أن سوق الأسهم سجلت هبوطاً قدره 46 % من عام 2008 م، ما أفقدها نصف قيمتها، ولا تزال الآفاق إيجابية بشكل عام، فمن المتوقع أن يزداد نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي - وهو المقياس المناسب للنشاط الاقتصادي الداعم لفرص التوظيف الجديدة في البلدان المصدرة للنفط بمقدار 3.3 % في عام 2009م، يدعمه موقف السياسة المالية العامة التوسعي، غير أن انخفاض الإنتاج النفطي يمكن أن يحدث انكماشاً قدره 1 % تقريباً في إجمالي الناتج المحلي الكلي للمرة الأولى منذ عام 1999 م.

ومن المتوقع أن يتراجع معدل التضخم إلى نحو 4.5 %، مع تحقيق فائض في المالية العامة والحساب الخارجي، وإن كان بمستويات أقل بكثير من الفوائد السابقة، نتيجة لهبوط الإيرادات النفطية، وموقف السياسة المالية العامة التوسعي. وتتعرض التوقعات الحالية لبعض المخاطر المعاكسة التي ترتبط بمدى سرعة وعمق التعافي الاقتصادي العالمي وعودة الأسواق المالية العالمية إلى أوضاعها الطبيعية.