يجمع خبراء الشأن الاقتصادي في الجزائر أنّ القرارات الموصوفة بـquot;التصحيحيةquot; التي اتخذتها الجزائر الصيف الماضي، هي أبرز حدث اقتصادي في الجزائر خلال سنة 2009، حيث أقرّت الحكومة الجزائرية في قانون الموازنة التكميلي مطلع شهر أغسطس/آب المنقضي، تحجيم الواردات ودفع الإنتاج المحلي، إضافة إلى سلسلة إجراءات لمواجهة آثار أزمة المال الكونية، لذا جرى خفض الواردات وإلغاء قروض الاستهلاك، وهما خطوتان فجرّتا جدلا، خصوصا غداة اعتمادهما بشكل مفاجئ.

الجزائر: لمواجهة خطر أزمة الاقتصاد العالمي، تضمّن قانون الموازنة التكميلي أواسط العام 2009، تدابير لتخفيض حجم الواردات الكمالية التي لا تتمتع بطابع الأولوية، كما أقرّت آليات تطبيقية في المجالين العيني والمصرفي، بما يسمح بتحريك الآلة المحلية المنتجة من خلال تفعيل آلاف المؤسسات المصغّرة والمتوسطة، ولأجل الوفاء بهذا الهدف تمّ ضمان القروض وتيسير الفوائد، وكذا إقرار مساعدات غير مباشرة.

ولإنهاء quot;فوضىquot; الإقراض، دخلت quot;القروض المستنديةquot; منتصف هذا العام على الخط، وجرى تبرير توظيفها بكونها أكثر ضمانا للاقتصاد المحلي، لأنّ القرض المستندي يصحبه عقد دولي، وهذا يعني توافر ضمانات على المديين القصير والمتوسط. بهذا الصدد، يرى عبد الرحمان بن خالفة المفوض العام للجمعية الجزائرية للبنوك والمؤسسات المالية في تصريح خاص بـquot;إيلافquot;، أنّ تجسيد القروض المستندية إيجابي، ويمكن تثمينه من خلال الانتقال من التحويل الحرّ إلى القرض الائتماني بأقل كلفة، كدعم المستوردين الذين يقدمون قيمة مضافة، فضلا عن منح الأولوية لمتعاملي المؤسسات المصغّرة والمتوسطة.بينما برّر وزير المال الجزائري quot;كريم جوديquot; ذلك بالرغبة في الاندراج ضمن سياق اقتصاد كلي، والسعي لمواصلة تعزيز التوازنات الداخلية والخارجية، من خلال إقرار تصحيحات للموازنة الخاصة برافدي التسيير والتجهيز.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي quot;سليم لعجايليةquot; أنّ ما حدث في الجزائر خلال السنة الجارية كسنّ تشريعات اقتصادية استباقية للأزمة المالية الكونية، إيجابي من حيث تموقعه كآلية تسمح بالقضاء على التباينات التي لطالما طبعت الميزان التجاري الجزائري، لا سيما قضية الفوائض، لكنّ لعجايلية ينتقد في تصريح خاص بـquot;إيلافquot;، عامل الفجائية الذي طبع بحسبه القرار الحكومي، بما أربك جمهور المستهلكين، ملاحظا أنّ الحكومة الجزائرية هي الأخرى ستكون في ورطة بحكم أنّ تقليصها للسلع المستوردة، سيلزمها وجوبا بتوفير حاجيات مواطنيها من السلع الأساسية وتقوية جهازها الانتاجي.

ورصد قانون الموازنة التكميلي غلافًا ماليًا بقيمة 160 مليار دينار جزائري (بحدود 2.1 مليار دولار) لدعم أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، غداة تنامي المخاوف في البلاد من نشوب أزمة غداء، بعد ندرة القمح اللين بجانب انخفاض مخزون الجزائر من البقول الجافة والحليب والسكر، ما ادى إلى صعود أسعار المواد الغذائية في الجزائر إلى أعلى مستوياتها خلال الأربعة عشر شهرًا المنقضية، بنسبة زادت عن 8.6 في المئة، بينما تجاوزت نسبة الزيادة في المواد الغذائية الصناعية 13 بالمئة.

وتبعًا للاجراءات المتخذة، زادت نفقات الموازنة بـ 12.9 في المئة، وفي إطار السياسة الجديدة لإصلاح الجباية المحلية، تمّ إستحداث ضريبة جديدة بخصوص وكلاء السيارات، حيث تمّ اقتطاع ما نسبته 1 في المئة لأجل دعم قدرات النقل العمومي.

وقال وزير المال الجزائري إنّ التغييرات التي أدخلت على قانون الموازنة التكميلي أسهمت في تخفيض نسبة العجز إلى 17.6 في المئة بعد أن كانت بحدود 25.7 في المئة، فيما تكفّل صندوق ضبط الإيرادات الذي يستوعب ما قيمته 3747 مليار دينار، بتمويل عجز الخزينة العامة، علمًا أنّ مراجع محلية تحدثت عن بلوغ رصيد صندوق ضبط الإيرادات 68 مليار دولار، صّرف منها 22.2 مليار دولار لتسديد مسبق لدين الجزائر الخارجي قبل ثلاث سنوات، علما أنّ الجهازو التنفيذي يستطيع استعمال ما لا يقل عن 30 مليار دولار من رصيد صندوق ضبط الإيرادات، لتغطية أي عجز للخزانة العامة.

على صعيد آخر، فجّر إلغاء قروض الاستهلاك ضجة كبرى خصوصا بين أوساط الموظفين محدودي الدخل الذين كانوا يراهنون على هذه القروض لامتلاك سيارات، بيد أنّ وزير المال الجزائري quot;كريم جوديquot; برّر الخطوة بحتمية إيقاف نزيف العملة الصعبة خارج بلاده وتوفير أموال توجّه لدعم أسعار النقل العمومي الجماعي وتنظيم سوق السيارات في الجزائر، وتسعى الجزائر لتغطية نفقات quot;استثماراتها الكبيرةquot; كمشروعي (الميترو) و(التراموي).

ويرى المحلّل quot;أنيس بن مختارquot; في مقابلة خاصة مع quot;إيلافquot; أنّ إلغاء قروض الاستهلاك أتى كمحاولة من السلطات الجزائرية لتحويل البلد من ساحة للتسويق إلى قطب للإنتاج، بعدما جرى إغراقها بالسيارات القديمة التي كانت تفد إليها بحدود 90 ألف سيارة قديمة كلّ عام، وهو ما رفع الوعاء العام في الجزائر إلى 5.3 ملايين سيارة، بينها 80 في المئة يتجاوز عمرها العشر سنوات.

ولعلّ هذا ما يفسّر كلام quot;كريم جوديquot; بأنّ الاستثمارات يجب أن تتمّ في الجزائر وألاّ تقتصر على استهلاك المنتجات المصنّعة فحسب، وهو ما جعل المسؤول ذاته يعطي انطباعًا مفاده استعداد الحكومة للتجاوب مع المنتجين، حيث أوعز أنّه إذا ما أبدى مستثمرون في قطاع السيارات اهتمامًا للحضور في السوق المحليّة من خلال استحداث مناصب شغل وقيمة مضافة في الجزائر، سيمكن للحكومة حينئذ دراسة شروط جبائية محفزة.وقد بلغ استيراد السيارات رقمًا قارب الملياري دولار عن 151.194 سيارة خلال السنة الأخيرة أي ما يمثل ارتفاعًا بنسبة 12 في المئة مقارنة بالفترة نفسها منالسنة الماضية.

وتوصف الجزائر بكونها أكبر سوق في المغرب العربي وشمال إفريقيا، تبعًا لاستقطابها نحو 217.700 سيارة خلال السنة الماضية،الأمر الذيجعلها تنمو بنسبة 30 في المئة، وتتحوّل إلى أهمّ سوق في المنطقة، وهو ما يقتضي بحسب الخبير quot;سليم لعجايليةquot; التّفكير في الاستثمار في صناعة السيّارات داخل الجزائر بدلاً مناستيرادها، خصوصًا في ظلّ تقارير تحدّثت عن قابلية سوق السيارات الجزائريّة لخلق ثلاثة آلاف منصب عمل مباشر سنويًّا وإمكان تحقيقها رقم أعمال معتبرًا في غضون الخمس سنوات المقبلة، وما يترتّب على ذلك من تحقيق عائداتمهمّة من شأنها إنعاش اقتصاد البلاد.

ويتصور الخبير quot;عبد الرحمان بن خالفةquot; أنّ الاقتصاد الجزائري خلال سنة 2009 لم يكن منكمشا، ويستدل بالمنجزات المحققة على أصعدة الموارد، الاستثمار، التضخم، البطالة، وإعادة تأهيل المرافق، وهو ما يؤشر على التعاطي الجيد مع رياح الأزمة المالية العالمية، يمكن لها أن تحقق أشياء مثمرة في العام 2010، خصوصا مع تحديث منظومة الدفع وتوسيع رقعة التمويلات (2800 مليار دينار أي أكثر من 30 ألف أورو)، فضلا عن تعزيز الرقابة، بما سيؤدي ndash;بحسبه - إلى ارتفاع نسب النمو القطاعية في الجزائر.

ويقلّل بن خالفة من انعكاسات تراجع أسعار النفط وخفض الانتاج البترولي على الاقتصاد الجزائري، حيث يرى بن خالفة أنّ الجزائر خرجت بأخف الأضرار لأنّ مواردها القديمة والجديدة لم تكن في أسواق مضاربة، ويقترح أن يتم تنويع الاستثمارات الطاقوية اعتبارا من العام الجديد بما يحجّم أي ضرر جانبي.