يمتلك الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، موهبة إزعاج شركائه الأوروبيين، وقد أظهر تلك الموهبة مرة أخرى من خلال تعهده بفرض ضريبة جديدة تعرف باسم quot;ضريبة توبينquot; على معاملات السوق المالية في فرنسا، إذا لم تتبن بشكل جماعي بقية دول الاتحاد الأوروبي المثقلة بالديون الفكرة في وقت لاحق من الشهر الجاري.


أنجيلا ميركل ونيكولا ساركوزي

القاهرة:لم يعمل مجرد التهديد من قبل ساركوزي باتخاذ تلك الخطوة على الدفع برئيس الوزراء البريطاني، دافيد كاميرون، للتنديد مجدداً بأن فكرة فرض ضريبة على مستوى الاتحاد الأوروبي تعتبر مضادة لمحاولات النهوض الإنتاجي وضارّة على الصعيد الاقتصادي.

وقد رد منتقدون في أنحاء أوروبا كافة على مبادرة ساركوزي الفردية بحالة من التجاهل، ويكفي أن صحيفة quot;لا تريبيونquot; الاقتصادية الفرنسية اليومية كتبت يوم أمس عنواناً ساخراً حول هذا الموضوع، قالت فيه quot;ضريبة توبين... الخدعة الكبرىquot;.

لفتت في هذا الصدد اليوم مجلة quot;التايمquot; الأميركية إلى أن هذا الفصل الحديث في الدراما الاقتصادية المتواصلة داخل القارة الأوروبية بدأ يوم الجمعة الماضي، عندما كرر ساركوزي دعمه للمقترح حتى قبل أن يظهر بالفعل نظراؤه الأوروبيون لفرض ضريبة جديدة على معاملات السوق المالية، من شأنها أن تتيح مصدراً إضافياً للعائدات بالنسبة إلى الحكومات التي تصارع أزمة الديون.

لكن في الوقت الذي تعارض فيه بعناد كل من المملكة المتحدة والسويد هذا الإجراء، وفي وقت يواجه فيه ساركوزي معركة لإعادة انتخابه رئيساً للبلاد، قرر الرئيس الفرنسي أن يعلن عن دعمه للمقترح من خلال الوعد الذي تعهد فيه بألا تنتظر فرنسا موافقة الآخرين عليه.

وإلى أن تتحرك بقية دول الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في منطقة اليورو لفرض الضريبة على معاملات السوق المالية في وقت لاحق من الشهر الجاري، قال ساركوزي إن حكومته ستضغط من جانب واحد من أجل تمريره بشكل سريع في القانون الفرنسي. وبإقدامه على ذلك، يسعى ساركوزي بوضوح إلى طمأنة الناخبين إلى أنه عازم على توجيه ضربة للعدالة من جانبه إذا توانى الشركاء الأوروبيون.

ومع استمرار حالة الحراك السياسي، أشارت التايم إلى أن مبادرة ساركوزي تبدو أنها احتمالية لا يمكن فقدانها. ثم قالت إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي ورئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، على سبيل المثال، قد استاؤوا جميعاً من دعم ساركوزي الفردي لضريبة الأسواق المالية نفسهاالتي سبق لهم أن أيّدوها. وقالوا إن تلك الخطوة لابد وأن تُطَبَّق بصورة جماعية، وبعد دراسة وافية لكل الآثار المحتملة للضريبة المخطط لها.

ومن بين الأشياء التي يودّون فحصها تلك التحذيرات التي لطالما تم ترديدها من جانب اقتصاديين ومحللين ومستثمرين معارضين بخصوص أن فرض ضريبة جديدة على المعاملات المالية داخل الاتحاد الأوروبي يهدد بتثبيط حجم التداول، وتقويض نمو اقتصادي فاشل بالفعل، وإرسال النشاط في الأسواق المفروض عليها ضرائب جديدة (سواء وطنية أو إقليمية) إلى مراكز أخرى، لا تفرض عليها ضرائب.

وبصورة لم تكن مفاجئة، التحق بالسويد في مساعي الاعتراض على تلك الضريبة الجديدة رئيس الوزراء البريطاني، دافيد كاميرون، الذي أكد بدوره أن النتائج العكسية التي تمخضت عن التجربة الوطنية السويدية، التي تم تنفيذها في وقت سابق، سوف يعاد نسخها في عموم القارة الأوروبية، وستترك الاتحاد الأوروبي يعاقب نفسه لمصلحة المنافسين، إلى أن يُتفق على اتفاق عالمي بشأن الضرائب على الأسواق المالية.

وتابعت المجلة بقولها إن المشككين لاحظوا أن وضعية مدينة لندن، باعتبارها أكبر مركز مالي في أوروبا ndash; ولا تقف بعيداً عن وول ستريت باعتبارها جهة قيادة عالميةndash; تركت كاميرون يتصرف وهو محمّل بمصالح متضاربة في حديثه عمّا إن كانت الضريبة المقترحة ستكون مفيدة أم لا بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي الأكبر في النطاق.

ورغم تأكيد كاميرون على حق فرنسا في تطبيق تلك الضريبة داخل حدودها، إلا أنه قال إنه في حالة نجاح باريس في إقناع معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتبني هذا الإجراء في وقت لاحق من الشهر الجاري، فإن المملكة المتحدة ستستخدم حقها في النقض للحيلولة دون تطبيقها، باعتبارها قانونًا معمولاً بها على نطاق القارة.

ثم مضت المجلة تقول إن ذلك التهديد البريطاني كان محدداً ndash; خاصة وأن مقترح الضريبة كان السبب الرئيس وراء رفض بريطانيا في كانون الأول/ ديسمبر الماضي اتفاق أزمة ديون اليورو، الذي اعتمدتهغالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ووفقاً لما ذكره معظم المعلقين الفرنسيين، فإنكل السيناريوهات المحتملة تمنح ساركوزي، إما إدعاءات نجاح أو استدعاء أكباش فداء لتبرير إخفاقاته.