في الوقت الذي أعلنت فيه الكثير من دول أوروبا برامجها لخفض الميزانية وسياسة تضييق الحزام، تدور الشكوك حول ما اذا كان المزيد من التقشف هو الحل للمشاكل الاقتصادية التي تمر بها منطقة اليورو.


لميس فرحات: ترزح الدول الأوروبية تحت مشاكل اقتصادية عالقة، ويتخوف صناع السياسة من ألا يكون التقشف هو الحل للأزمة المالية، واحتمال أن يؤدي إل نتيجة عكسية فيفاقم المشكلة بدلاً من علاجها.

يجتمع السياسيون والأكاديميون وغيرهم من الخبراء هذا الاسبوع في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا، لمحاولة البحث عن إجابة للسؤال الأهم، وهو ما إذا كان من الممكن تطوير سياسات لإنعاش النمو على الرغم من ان الدول الغربية تسعى لخفض الديون.

في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى أن أوروبا والولايات المتحدة مقيدتان باستراتيجيات مالية تعتمد على الحد من الدين الحكومي وتقليص الاقتراض، معتبرة أن أوروبنا تتبع quot;وصفة ألمانيةquot; تهدف إلى إنقاذ منطقة اليورو. وفي الوقت نفسه، تنقسم واشنطن في خضم حملة رئاسية ساخنة، حول ما اذا كان خفض ضريبة الرواتب سيمتد لبقية هذا العام، ومدى الالتزام بخفض الانفاق بمقدار 1.2 تريليون دولار اعتباراَ من هذا العام.

إمكانية سياسات التقشف في إحياء الاقتصاد على المدى الطويل موضع جدل محتدم، لا سيما وأن أوروبا تتجه إلى ما يشبه الركود الثاني في ثلاث سنوات. أما في الولايات المتحدة التي تعتمد سياسة شد الحزام القاسية، فبدأت تظهر بصيصاً من الانتعاش في اقتصادها.

ونقلت الصحيفة عن جوزيف ستيغليتز الحائز على جائزة نوبل وأستاذ في جامعة كولومبيا في نيويورك، قوله: quot;من الواضح أن التقشف وحده هو وصفة للجمود والتراجعquot;، معتبراً أن احتمال أن الأمور سوف تتحسن quot;ضئيل للغايةquot;.

في الآونة الأخيرة، كانت هناك مؤشرات على أن المد يتحول. ففي الأسابيع القليلة الماضية، بدأ الساسة الأوروبيون يصرون علناً على أن التقشف لم يعد الجواب الوحيد لمعالجة حتى أكثر الاقتصادات المثقلة بالديون.

وبعد أشهر من الحديث عن التقشف، نقل رئيس وزراء ايطاليا ماريو مونتي والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رسالتهما إلى المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، خلال زيارة أخيرة لبرلين، والتي عبرا فيها عن رأيهم بأن التقشف ليس السبيل الوحيد والناجع لحل الأزمة المالية.

نتيجة لذلك، أصبح quot;النموquot; شعاراً جديداً على شفاه الجميع، حتى ميركل، التي قالت إن quot;تعزيز الميزانية هي واحدة من الأسس لبناء مستقبل أوروباquot;، مضيفة بعد اجتماع مع الزعماء الايطاليين والفرنسيين هذا الشهر quot;لكن بالطبع نحتاج الى الاساس الثاني، وهو النمو الاقتصادي وفرص العمل والتوظيفquot;.

ألمانيا لا تزال مصرة على أن المسار الأكثر ضماناً لانتعاش مستدام هو من خلال التغيير الهيكلي، بما في ذلك إصلاح أسواق العمل الجامدة وتغيير قوانين التقاعد. لكن ثمار هذه الاجراءات غالباً ما تتطلب سنوات لتبدأ في الظهور.

في غضون ذلك، فإن القلق هو أن الاقتصادات الضعيفة حالياً قد تتضرر بشكل أكبر في ظل المزيد من التحخيضات في الإنفاق الوطني والزيادات الضريبية التي تتبناها الحكومات لإرضاء المقرضين وتهدئة الأسواق المالية.

الاختلافات السياسية تعكس علامات التغير، فيما بدأ البنك المركزي الأوروبي بتقديم مئات المليارات من اليورو للبنوك لمنع تجميد النظام المالي وأملاً في تسريع عجلات التجارة.

على الرغم من ذلك، يبقى التقشف السمة الغالبة في أوروبا. ويبدو أن برنامج التقشف في بريطانيا مقصراً في تحقيق أهدافه، إلى حد كبير بسبب النمو الاقتصادي الذي فشل في الوصول إلى توقعات الحكومة.

وقال البنك المركزي في اسبانيا ان برامج التقشف سوف تقود الاقتصاد إلى تقلص النمو الاقتصادي بنسبة 1.5 % هذا العام، بدلاً أن يحقق أي نمو كما كان يعتقد في البداية.

أما في فرنسا، اتخذ ساركوزي خطوات من تلقاء نفسه هذا الشهر نحو التجديد الاقتصادي وخلق فرص العمل. ففي الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي في اجتماع لقادة الاعمال والعمال عن برنامح بقيمة euro; 430000000 لتدريب الموظفين، إضافة إلى مجموعة منفصلة من التدابير الرامية إلى مساعدة الشركات على الابقاء على العمال.

نددت النقابات الفرنسية بالتدابير، معتبرة أنها مجرد حيلة سياسية لن يكون لها تأثير حقيقي يذكر على العمالة.

من جهته، يقول كينيث روغوف، أستاذ اقتصاد في جامعة هارفارد وكبير الاقتصاديين سابق في صندوق النقد الدولي، إن معظم البلدان التي تعاني من أزمة الديون لا تملك مجالاً كبيراً للمناورة quot;لأن زيادة الاقتراض سيجعل من الصعب عليها بيع السنداتquot;.