تجري حملة الانتخابات الرئاسية الاميركية على وقع الهجمات الشخصية والسجالات حول الهجرة والامن وعظمة اميركا، غير ان موضوعا اساسيا يبقى غائبا هذه السنة عن السباق الى البيت الابيض وهو الاقتصاد.


واشنطن: ان كانت المناظرات العديدة التي جرت سواء من الجانب الجمهوري او من الجانب الديموقراطي تناولت بشكل متفرق وضع الاقتصاد الاول في العالم، الا ان المناقشات غالبا ما انتقلت الى مواضيع رنانة اكثر تسمح بالهجمات الكلامية التي تتناقلها الشبكات الاخبارية.

ويتساءل الخبراء عن السبب خلف اهمال هذا الموضوع في الحملة الانتخابية، معتبرين ان ذلك يعود بشكل اولي الى متانة الوضع الاقتصادي نسبيا في الولايات المتحدة، فضلا عن ان المسائل الاقتصادية تبقى جافة بالنسبة للجمهور.

وقال جوزف غانيون من معهد "بيترسن انستيتيوت" لوكالة فرانس برس ان "الاقتصاد بوضع جيد الى حد معقول. ليس وضعا ممتازا، لكنه يكفي لحرمان الجمهوريين من موضوع لشن هجمات، وفي الوقت نفسه لم يصل الى مستوى يشجع الديموقراطيين على التركيز عليه".

وتراجعت نسبة البطالة في البلاد الى حوالى النصف عن الذروة التي بلغتها عام 2009 وباتت اليوم بمستوى 5%، مقتربة من تحقيق العمالة الكاملة.

وبالرغم من بعض النكسات منذ ازمة الانكماش الاقتصادي عام 2009، يواصل اجمالي الناتج الداخلي تقدمه على خلفية تراجع العجز في الميزانيات ولو ان النمو يبقى متواضعا في الوقت الراهن (2%).

واعتبر الاحتياطي الفدرالي الاميركي هذا التحسن في الاوضاع متينا بما يكفي ليعلن في كانون الاول/ديسمبر عن بداية تحول في سياسته النقدية مع رفع معدلات فائدته لاول مرة منذ حوالى عشر سنوات.

وبالتالي فان الاوضاع الاقتصادية الطارئة التي فرضت نفسها في الانتخابات الرئاسية السابقة وخصوصا انتخابات 2008، لم تعد قائمة ما يعقد مهمة الجمهوريين الذين يسعون لوصف حصيلة ولايتي الرئيس باراك اوباما بانها "كارثية".

ضعف الاجور

غير انهم يحاولون استغلال بعض الثغرات في الانتعاش الاقتصادي وتاجيج الاحساس بانه لم ينعكس ايجابيا على الجميع بالتساوي. واظهر تحقيق اجراه معهد "بيو سنتر" في كانون الثاني/يناير 2015 ان حوالى نصف الاميركيين يعتبرون الوضع الاقتصادي "لائقا" فيما يعتبره حوالى ربع المواطنين "سيئا".

وقال لورنس ميشال من معهد "ايكونوميك بوليسي انستيتيوت" لفرانس برس انه "ليس هناك هدف سهل (للجمهوريين) لكن ثمة فكرة منتشرة في الولايات المتحدة بان الوضع ليس جيدا كما يوصف".

وعلى الاثر طرح على المنابر السياسية موضوع يثير اهتمام الطبقات الوسطى وهو ضعف ارتفاع الاجور التي تزداد بوتيرة اقل بمرتين منها في فترة ما قبل الازمة المالية.

وقال المرشح للانتخابات التمهيدية الجمهورية تيد كروز "ان كنتم تجنون مداخيلكم في واشنطن او في جوارها، فهذا ممتاز. اصحاب الملايين والمليارات بافضل حال مع اوباما".

وقال خصمه الجمهوري ماركو روبيو ان "الاقتصاد لا يولد وظائف ذات اجر كاف".

غير ان الجمهوريين لا يبدون ارتياحا تاما في تناولهم هذا الموضوع، اذ يجمع حزبهم على الدفاع عن تخفيضات ضريبية معممة ويعارض رفع الحد الادنى للاجور على المستوى الفدرالي المجمد بمستوى 7,25 دولارات للساعة منذ 2009 والذي يدعو المرشحون الديموقراطيون الى مضاعفته.

كما يشير المرشحون الجمهوريون الى اعداد العاطلين عن العمل الذين توقفوا عن البحث عن وظائف، ويشددون على ان اعدادهم لم تصل الى مستواها الحالي منذ حوالى اربعين عاما.

وما يثير الاستغراب ان المرشح الديموقراطي المصنف الى يسار الحزب بيرني ساندرز ينضم اليهم في هذه النقطة، مؤكدا ان نسبة البطالة الفعلية في الولايات المتحدة تصل الى "10,5%" اذا ما احتسب ضمنها الموظفون الذين اضطروا الى القبول بوظائف بدوام جزئي.

وظهرت نقاط توافق اخرى مدهشة بين الطرفين في موضوع الاقتصاد، اذ اعرب كل من& الديموقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب عن معارضته لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ ونقل الشركات المتعددة الجنسيات مكاتبها الى الخارج هربا من دفع الضراب.

وفي وسط الفوضى المخيمة على حملة الانتخابات التمهيدية والتي لا تسمح بظهور اقتراحات عملية ملموسة، يكتفي المرشحون بالعموميات.

وعلى سبيل المثال قال ترامب ان "الضرائب عالية جدا ... لن نتمكن من منافسة باقي العالم" من غير ان يفصل اقتراحا للنظام الضريبي.

وقال باريس بوسورث من معهد "بروكينغز" لفرانس برس ان "ايا من الحزبين لا يملك افكارا كبرى حول سبل التصدي لمشكلتي الوظائف وارتفاع الاجور" لكنه توقع ان تتوضح المواقف بعدما يعين كل من الحزبين مرشحه للانتخابات الرئاسية.

وقال ان "هذه المسائل ستستاثر بالمزيد من الاهتمام في المستقبل".