لندن: انتقدت وكالة الطاقة الدولية أعضاء أوبك لعدم الالتزام باتفاق تخفيض الانتاج، حيث ارتفعت الامدادات العالمية بواقع 720 الف برميل يوميًا خلال شهر يونيو الماضي. وتراجعت نسبة الالتزام من 96% الى 78% بسبب رفع الانتاج. كما أن تخفيضات الإنتاج التي تنسقها أوبك بقيادة السعودية مع دول خارج اوبك مثل روسيا يقوضها ارتفاع الإنتاج في ليبيا ونيجيريا المعفاتين من اتفاق التخفيض. 

بينما التزمت السعودية بالاتفاق الا أن السوق تحتاج الى مزيد من التخفيضات للاسراع بالعودة الى حالة التوازن فيها. وتعتقد وكالة الطاقة الدولية التي تأخذ من باريس مقرًا لها ان اوبك تواجه تحديًا كبيراً في جهودها لانهاء حالة التخمة من السوق، التي استمرت منذ عام 2014.

تعديل التنبؤات الخمسية

في اوائل هذا العام، نشرت وكالة الطاقة الدولية تعديلاً وتحديثًا لتوقعاتها النفطية الخمسية، وكان استنتاجها ان الانتاج العالمي من النفط سيجد صعوبة في تلبية الطلب العالمي بحلول 2020. وسينتج عن ذلك ارتفاع كبير في الأسعار اذا لم يتم البدء بمشاريع نفطية جديدة للاكتشاف والاستثمار. ودخلت شركة هاليبورتون الأميركية المتخصصة بالخدمات الفنية وتزويد احتياجات مشاريع النفط والطاقة على الخط عندما قال رئيسها التنفيذي مارك ريتشارد في مؤتمر نفطي عقد مؤخرًا في اسطنبول ان الأسعار سترتفع مع نمو الطلب في الفترة 2020-2021 والعناصر التي ستساهم في رفع الأسعار هي تصاعد الطلب العالمي الذي سيصل الى 99.4 مليون برميل يومياً. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية ان يستمر نمو الطلب على النفط حتى عام 2040 رغم ان وتيرة النمو ستكون ابطأ مما كانت عليه في سنوات سابقة.

وفي هذا السياق، عبّر أمين ناصر الرئيس التنفيذي لشركة آرامكو العملاقة في مؤتمر النفط، الذي عقد في اسطنبول مؤخرًا عن قلقه أن الامدادات النفطية ستتأثر بسبب عدم الاستثمار في قطاع النفط، وذكر رقم الترليون دولار (الف بليون دولار) كخسارة للعالم لعدم استثمارها العام الماضي. ويشارك كثير من المحللين هذا القلق على توافر كميات كافية من النفط والغاز لتلبية احتياجات العالم في السنوات المقبلة.

وحسب تقارير في بلومبيرغ المتخصصة في المال والأعمال، ستتراجع الامدادات من حقول النفط القديمة وتنضب. وكان "بنك اوف اميركا ميريل لينش" قد أجرى دراسة تقول إن معدل نضوب النفط من حقول الآبار خارج منظمة اوبك وصل الى 5% سنويًا، ولهذا تحتاج الأسواق لكميات اضافية تبلغ 2.8 مليون برميل يومياً لتعويض النقص الناتج عن الخسارة في الانتاج. واذا أضفنا النمو في الطلب ستزداد الهوة اتساعًا وعمقًا بين الانتاج النفطي العالمي وبين الطلب العالمي.

الزيت الصخري لن يحل المشكلة

والمثير للاهتمام حسب بلومبيرغ أن الزيت الصخري سيقلل من الهوة ولكن لا يستطيع سدها وبعبارة أخرى سوف لا يتمكن الزيت الصخري من حل مشكلة ازدياد الطلب وتراجع الانتاج. وحسب وكالة الطاقة الدولية اذا كان سعر البرميل 60 دولاراً او أكثر قد يستطيع منتجو الزيت الصخري من اضافة 1.4 مليون برميل يوميًا الى السوق بحلول 2022. وزيادة الانتاج من الزيت الصخري تعتمد على تعافي الأسعار الى نطاق لا يقل عن 55 دولاراً الى 60 دولاراً وما فوق. واذا وصل السعر الى 80 دولاراً سيرتفع اجمالي انتاج الزيت الصخري الى 7 ملايين برميل يوميًا بحلول 2022. أما الانتاج من الحقول البحرية يأخذ سنوات من التطوير وبلايين الدولارات قبل انتاج برميل نفط واحد. ولهذا يتردد المنتجون في الدخول بمشاريع تطوير جديدة حتى يجدوا وسيلة لتقليل تكاليف الانتاج البحري الضخمة. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يزيد إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة للشهر الثامن على التوالي ليرتفع 112 ألف برميل يومياً إلى 5.585 ملايين برميل يوميا في أغسطس المقبل.

وتأتي الزيادة وسط قلق في السوق من أن يقوض ارتفاع إنتاج النفط الصخري الجهود التي تبذلها منظمة أوبك لتقليص تخمة المعروض العالمي من الخام.

وقالت إدارة معلومات الطاقة في تقريرها الشهري عن أنشطة الحفر النفطي، إن مستوى إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة سيكون الأعلى من نوعه منذ بدء تسجيل البيانات في 2007.

لن تبقى الأسعار متدنية للأبد

الأسعار متدنية الآن ولكنها لن تبقى كذلك للأبد. نضوب الحقول القديمة التقليدية سيستمر مع تنامي الطلب، مما سيسبب نقص في الامدادات خلال سنوات قليلة مما سيدفع الأسعار للأعلى، وهذا سيأتي بفائدة كبيرة لذوي التكلفة القليلة في الانتاج النفطي مثل السعودية ودول الخليج العربي.

ولتعزيز هذه النظرية تنصح شركات استثمارية عملاءها ان يستثمروا بأسهم الشركات التي تقدم خدمات وتنفيذ مشاريع في مجال انتاج الطاقة مثل هاليبرتون وبيكر هيوز، لأن الطلب على خدمات هذه الشركات سيترفع وستكون مربحة للمستثمرين.

أما أسعار النفط اليوم لا تزال تتأرجح بين 45 دولاراً و 48 دولاراً للبرميل، حيث ارتفعت أسعار العقود الآجلة لخام "برنت" القياسي تسليم سبتمبر بمقدار سنتين إلى 48.93 دولاراً للبرميل، كما ارتفع خام "نايمكس" الأميركي تسليم أغسطس بمقدار سنتين أيضًا إلى 46.56 دولاراً للبرميل. ويبدو أن سعر البرميل يرفض أن يتزحزح ويخترق حاجز الخمسين دولاراً.

وأظهرت بيانات "بيكر هيوز" للخدمات النفطية، ارتفاع منصات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي بمقدار منصتين إلى 765 منصة، وهو الارتفاع الثاني على التوالي.

تبدو الصورة قاتمة على المدى المنظور، ولكن على المدى الطويل ستتعافى الأسعار مع تنامي الطلب المطرد وبطء مشاريع التنقيب والانتاج.