يستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخلاف المرير بين بلاده والولايات المتحدة لإلقاء اللوم في المشاكل الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد التركي على عدو خارجي، وليس على المشاكل داخل بلاده، كما قال محللون.&

إيلاف من أنقرة: خلال الأشهر الأخيرة، حذر محللون بأن الاختلالات الاقتصادية تعني أن اقتصاد تركيا سيواجه مشاكل كبيرة، حتى قبل العقوبات التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأدت إلى انخفاض حاد في سعر الليرة التركية.&

إلا أن الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترمب سمحت لأردوغان بإلقاء اللوم في المشاكل الاقتصادية وانهيار الليرة على البيت الأبيض واللعب على المشاعر المناهضة للولايات المتحدة المنتشرة في مختلف فئات المجتمع التركي.&

قال سونر كاغابتاي، مدير "برنامج الأبحاث التركي" في معهد واشنطن، إن سيطرة أردوغان على الإعلام التركي، والتي عززها بعد التغييرات الأخيرة في ملكيتها، سمحت للسلطات وبسهولة برسم الولايات المتحدة في صورة الشرير.

وصرح لوكالة فرانس برس "أعتقد أن أردوغان قرر ورغم أنه لم يكن يريد للأزمة مع الولايات المتحدة أن تصل إلى ما وصلت إليه، إلا أنه قرر كذلك استغلالها".&

أضاف أن "أردوغان يستطيع أن يحدد شكل روايته للأزمة، لأنه يسيطر على 90% من الإعلام. ويستطيع الآن أن يربط الأزمة الاقتصادية في تركيا، والناجمة من سياساته، بالعقوبات الأميركية فقط".&

"مؤامرة" ضد تركيا!
قبل أن يتسبب ترمب في انهيار الليرة، من خلال تغريدة في العاشر من أغسطس، أعلن فيها عن مضاعفة الرسوم على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم التركي، كانت السحب تتجمع فوق الاقتصاد التركي، بعد ارتفاع التضخم، ليبلغ 16%، وتوسع العجز في الحساب الجاري.&

كما تسبب أردوغان في تقويض الثقة في العملة، من خلال تصريحاته المتكررة التي اعتبرها بعض اللاعبين في السوق بأنها مربكة. فقد وصف معدلات الفائدة بأنها "أب وأم كل الشرور". وقال إن البلاد بحاجة إلى معدلات الفائدة المنخفضة لخفض التضخم.&

بعد شهر من الفوز بصلاحيات جديدة في الانتخابات، أدهش أردوغان المراقبين بتعيين صهره براءة البيرق، وزير الطاقة السابق، على رأس وزارة المالية الجديدة الموسعة، رغم أنه يفتقر إلى الخبرة في الأسواق المالية.&

وفور أن أطلق ترمب الأزمة بشأن احتجاز السلطات التركية للقس الأميركي أندرو برانسون، سارع أردوغان إلى التنديد بـ"مؤامرة" تهدف إلى "تركيع" تركيا.&

اصطف الإعلام الرسمي وراء أردوغان في التنديد بما وصفه بأنه "انقلاب اقتصادي"، وقارن بينه وبين المحاولة الانقلابية للإطاحة بأردوغان في 2016.&

حشد الدعم الشعبي&
قال سنان أولغين، رئيس مركز الاقتصاد والسياسة الخارجية، إن استراتيجية أردوغان "تهدف في الأساس إلى حشد الدعم الشعبي في وقت الأزمة الاقتصادية".&

ويجد خطاب أردوغان صدى واسعًا في المجتمع التركي، الذي تنتشر فيه مشاعر قوية مناهضة للولايات المتحدة، تفاقمت بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.&

يعيش فتح الله غولن الداعية الإسلامي، الذي تتهمه انقرة بأنه وراء المحاولة الانقلابية، في منفاه الاختياري في بنسلفانيا منذ 1999، وقد قاد ذلك الكثيرين، ومن بينهم مسؤولون أتراك كبار، إلى الاعتقاد بأن للولايات المتحدة يدًا في المحاولة الانقلابية. ورفضت الولايات المتحدة تلك المزاعم، فيما أكد غولن أنه ليست له أي يد في المحاولة الانقلابية.&

لكن الخطاب المناهض للولايات المتحدة يلقى صدى قويًا في تركيا، رغم أن أنقرة وواشنطن عضوان في حلف شمال الأطلسي منذ 1952.&

بحسب استطلاع أجراه مركز "سنتر فور أميركان بروغريس" في وقت سابق من العام، فإن 10% فقط من الأتراك ينظرون إلى واشنطن بعين الرضا، بينما عبّر 83% منهم عن آراء غير جيدة تجاهها.

أردوغان الذي يستخدم أجهزة شركة أبل الأميركية، أعلن أن تركيا ستقاطع هواتف آيفون وأجهزة الشركة العملاقة. وسرعان ما ظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي لأنصار أردوغان وهم يحطمون هواتفهم الآيفون.&

كما تعرّضت السفارة الأميركية في أنقرة الاثنين إلى إطلاق نار، وسارعت الحكومة إلى إدانة الحادث، ووصفته بأنه "استفزاز" وتعهدت بمحاسبة مرتكبيه.&

شخص واحد فقط
قال دبلوماسي أوروبي طلب عدم الكشف عن هويته إنه "من خلال تصرفاته، فإن دونالد ترمب يخفي الأشخاص المسؤولين حقًا عن الوضع الاقتصادي" في تركيا.&

أضاف: "هناك شخص واحد فقط هو من يمنع البنك المركزي من التصرف ويمنع وزير المالية" من اتخاذ الإجراءات الضرورية، محذرًا من أن تركيا مخطئة إذا كانت تعتقد أنها "يمكن أن تحمّل الولايات المتحدة.. وخاصة الرئيس دونالد ترمب" المسؤولية.&

على شاشات التلفزيون وفي الصحف لا يوجد من يخرج عن خط الحكومة، ويلجأ خبراء الاقتصاد، الذين لهم رأي مختلف، إلى بث آرائهم على تويتر.&

قال سنان أولغين إنه إذا لم يتم رفع أسعار الفائدة، فإن "قدرة البنك المركزي ووزارة المالية على طمأنة الأسواق ستضعف بشكل كبير".
&