القاهرة: يؤكد صندوق النقد الدولي ومؤسسات التصنيف الدولية ان الاقتصاد المصري يتعافى، لكن المصريين ينتظرون بقلق زيادات في أسعار الكهرباء والمحروقات في نهاية الشهر المقبل، ويقولون انها "ستضيف اعباء فوق الطاقة".

في محطة مترو الزهراء الواقعة في وسط بيوت مشيّدة بالطوب الاحمر في واحدة من المناطق الشعبية التي يشكل قاطنوها غالبية سكان العاصمة المصرية ذات العشرين مليونا، كانت ام محمد تنتظر القطار بجلبابها وحجابها الاسودين والى جانبها ابنها المراهق.

ببساطة ومن دون مواربة، قالت ام محمد، وهو اسم مستعار وافقت على استخدامه بدلا من اسمها الحقيقي، "الاعباء زادت جدا واصبحت فوق الطاقة". أضافت ربة المنزل التي تبلغ السادسة والاربعين من عمرها "ابنتي تستقل المترو يوميًا لتذهب الى المستشفى الخاص الذي تعمل فيه، وارتفاع اسعار تذاكر المترو أثر عليها، خصوصًا ان راتبها ليس كبيرا". تابعت "ولكن لا نعرف ماذا سيحدث عند زيادة اسعار الوقود (قريبا) ستتضاعف الاعباء وستصبح فوق الطاقة".

ومثل معظم ركاب المترو، فان ابنة ام محمد "التي تعمل وتقتصد قدر استطاعتها لشراء احتياجات زواجها تركب اضافة الى المترو وسيلتي مواصلات اخريين، هما التوك توك الذي ينقلها من المنزل الى محطة المترو، والمبكروباص الذي تستقله من المترو الى مقر عملها".

في 11 مايو الجاري ادت احتجاجات على رفع اسعار مترو الانفاق في القاهرة الى توقيف 30 شخصا تقريبا. وفي اليوم نفسه، أعلنت مؤسسة ستاندر اند بورز رفع تصنيف مصر من "بي ناقص" الى "بي" بسبب نجاحها في تطبيق برنامج اصلاحات هيكلية ادى الى زيادة نسبة النمو وزيادة الاستثمارات.

تهيئة الرأي العام 
وفيما اعلن المسؤولون المصريون مرارا ان اسعار الكهرباء والوقود ستزيد مع بداية السنة المالية الجديدة (في مطلع يوليو) من دون ان يحددوا نسبة الزيادة، بدأت الصحف الحكومية والخاصة في تهيئة الرأي العام لتقبل الارتفاع الجديد تكاليف المعيشة.

وفي الاسبوع الماضي نشرت صحيفة الاهرام الحكومية في صفحتها الاولى جدولا كبيرا بعنوان "تكلفة المحروقات طبقا لاسعار خام برنت عند 75 دولار للبرميل". يشير الجدول الى تحمل الدولة قرابة 104 مليارات جنيه (5,8 مليار دولار تقريبا) سنويا لدعم الوقود. وأعلنت الحكومة السبت زيادة جديدة في أسعار مياه الشرب تصل في بعض الشرائح إلى 45 %.

بدأت مصر في نوفمبر 2016 تطبيق برنامج اصلاح اقتصادي مكنها من الحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق القد الدولي على 3 سنوات. ويفخر المسؤولون المصريون بنجاح هذا البرنامج. وارتفعت نسبة النمو لتبلغ 5,4% خلال الربع الثالث من العام المالي 2017/2018 مقابل 5,3 % خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، بحسب وزارة التخطيط. 

وانخفضت نسبة البطالة لتسجل 10,6 % خلال الاشهر الثلاثة الاولى من العام 2018 مقابل 12% في الفترة نفسها عام 2017، وفق الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء. كما تراجع التضخم الى 12,9% في ابريل الماضي بعد ان بلغ ذروته في يوليو 2017 مسجلا 34,2%. رغم التحسن الواضح في المؤشرات الاقتصادية الكلية فان المعضلة تظل زيادة تكاليف المعيشة.

مشكلة في توزيع الاعباء 
بحسب استاذ التنمية في الجامعة الاميركية في القاهرة عمرو عادلي فان هذه المعضلة تعود الى وجود "مشكلة في توزيع الاعباء" من جهة اخرى. ويشير الى "وجود وسائل اخرى لخفض عجز الموازنة يمكن ان تحد من الضغوط على الفقراء واصحاب الدخول الدنيا في الطبقة المتوسطة" على رأسها الضرائب، مدافعا عن فكرة فرض ضرائب على أصحاب المداخيل الكبيرة.

يرى عادلي ان رفع سعر تذكرة المترو لم يكن ضروريا "لا سيما انه يخدم شرائح مستحقة للدعم فضلا عن ان العجز في موازنة هذا المرفق قرابة 500 مليون جنيه، وهو ليس رقما كبيرا بالقياس الى العجز الكلي للموازنة البالغ 400 مليار جنيه".

وأكد صندوق النقد الدولي في بيان اخيرا ان مصر "تمضي في المسار الصحيح لتحقيق فائض أولي في الموازنة العامة بعد استبعاد مدفوعات الفائدة في 2017/2018، حيث يُتوقع انخفاض دين الحكومة العامة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي للمرة الأولى منذ عشر سنوات."

واعتبر ان "التدابير الإصلاحية تطلبت التضحية في الأجل القصير"، لكنها كانت "بالغة الأهمية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ووضع أسس النمو القوي والمستدام". وشدد على ان الحكومة المصرية "ملتزمة كذلك بمواصلة إصلاح دعم الطاقة للوصول إلى مستويات أسعار استرداد التكلفة لمعظم منتجات الوقود خلال 2019".

يقول عادلي"السؤال الاكبر الان هل سيتم تحرير سعر الوقود او سيتم تخفيض الدعم المخصص له.. وهل يمكن تحرير السعر والغاء الدعم نهائيا في ظل الارتفاع الكبير وغير المسبوق منذ العام 2014 لاسعار النفط في السوق الدولية؟".

اما استاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة علياء المهدي فترى ان الاحتجاجات التي حدثت عقب رفع أسعار تذاكر المترو هي "جرس انذار، لان الشعب المصري تحمل خلال العامين الماضيين صدمات كثيرة في صورة ارتفاعات متتالية في الاسعار، وهذا كان صعبا، لان غالبية المشتغلين في مصر من ذوي الدخول المتوسطة او المحدودة".

وتؤكد ان الارتفاع في سعر تذكرة المترو قد يبدو بسيطا، ولكنه أدى الى ارتفاع "تكلفة المواصلات الى 20% من اجمالي انفاق محدودي الدخل بعدما كان يشكل 5% او 6%".