لا تزال المملكة العربية السعودية تتربع على عرش كبار مصدري النفط في العالم، بمعدل 7.7 ملايين&برميل يوميًا، حسب أرقام أكتوبر 2018، وتنتج ما يقارب 11 مليون برميل يوميًا.

إيلاف من لندن: تعد الدول الصناعية الكبرى في قارة آسيا، مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية، من أهم الأسواق الرئيسة للنفط السعودي.

تعمل في السعودية أكبر شركة نفط في العالم، وهي أرامكو، التي تنتج قرابة 9 ملايين برميل نفط يوميًا، أي ما يقارب 10% من إجمال الطلب العالمي على النفط الخام. ويبلغ الطلب العالمي على النفط، حسب أرقام منظمة أوبك، 98 مليون برميل يوميًا، ويبلغ احتياطي النفط المؤكد للسعودية 267 مليار برميل.

حوض بيرميان في تكساس مركز ثقل صناعة النفط الأميركية
أما في الولايات المتحدة، المنتج الأكبر في العالم، فمن المتوقع أن يصل الإنتاج النفطي في ولاية تكساس في هذا العام إلى 4 ملايين برميل يوميًا، أي ما يزيد على ثلث الإنتاج الإجمالي الأميركي، الذي بلغ 11.6 مليون برميل يوميًا في ديسمبر 2018، وهو ما يقل قليلًا عن أعلى مستوى على الإطلاق، البالغ 11.7 مليون برميل يوميًا.&

وإذا زاد الإنتاج بالمعدل الذي تتوقعه دائرة معلومات الطاقة الأميركية فإنه سيلغي عمليًا تخفيضات "أوبك" في نهاية 2019 حسب أرقام الدائرة، وهذا يجعل الولايات المتحدة أكبر منتج نفطي في العالم. وستصبح مصّدرًا نفطيًا، رغم اعتمادها على النفط المستورد لعقود من الزمن. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أنه بحلول 2025 سيفوق الإنتاج الأميركي ما تنتجه السعودية وروسيا معًا.&

هذه الحقائق أجبرت الدول على إعادة النظر في استراتيجياتها الاقتصادية. تدرك المملكة العربية السعودية ذلك، وتخطط لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل القومي، في إطار مشروع رؤية 2030 ومشروع نيوم ومشاريع أخرى.

حسب مجلة التايمز الأميركية عدد 14 يناير الحالي، فإن توافر احتياطات نفطية أميركية ضخمة في حوض بيرميان في ولاية تكساس شجّع واشنطن على فرض عقوبات نفطية على دول، مثل إيران وفنزويلا، وهي دول مارقة عدائية، حسب وجهة نظر أميركية.

بينما انتهت طفرات النفط الأميركي السابقة بركود، يعتقد المنتجون أن هذه المرحلة تختلف عن السابق، حيث إن الأسعار العالية خلقت شعورًا بالحماسة والاندفاع على المدى القصير، وتبع ذلك برود وحذر بعد هبوط الأسعار. وتتهافت شركات إنتاج الزيت الصخري في تكساس على رفع وتيرة الإنتاج، بسبب التقدم التكنولوجي، الذي ساعد على تقليل تكلفة الإنتاج، الأمر الذي شجّع على مواصلة الإنتاج حتى أثناء تراجع الأسعار. وتحقق حقول حوض بيرميان نقطة التوازن، أي لا ربح ولا خسارة، إذا تدنت الأسعار إلى أقل من 50 دولارا للبرميل.&

تجدر الإشارة إلى أن حوض بيرميان أحدث تغييرًا كبيرًا في مكانة أميركا في أسواق الطاقة العالمية. قبل سنوات عدة منعت القوانين الاتحادية تصدير النفط إلى الخارج، ولكن منذ بداية الألفية الجديدة واستخدام تكنولوجيا تكسير الصخور لاستخراج النفط والغاز وتكنولوجيا الحفر الأفقي... كل ذلك ساعد على الوصول إلى مخزونات الاحتياطات الهيدروكربونية الضخمة.&

خام غرب تكساس الوسيط&
يتميز النفط الخام الأميركي (خام غرب تكساس المتوسط أو خام تكساس الخفيف) الذي يتم استخراجه من حوض بيرميان في تكساس باحتوائه على شوائب أقل، مما يجعله سهل التكرير والنقل، مقارنةً بالنفط الثقيل، الذي يضم مكونات عالية الكثافة واللزوجة، وعليه يتمتع النفط الخام الأميركي بسيولة كبيرة في أسواق العالم.

كما يعتبر معيارًا أساسيًا في عملية تسعير النفط والسلعة الأولية الأساسية في العقود المستقبلية للنفط في بورصة نيويورك التجارية (نايمكس).

من ميزات خام غرب تكساس الوسيط، وهو أهم المراجع القياسية، أنه نفط "خفيف وحلو" Sweet Light، وهذا يميّزه عن نفوط الشرق الأوسط وخام برنت. يتم إنتاجه في ولاية تكساس في حوض بيرميان، وهو أحد خامات القياس العالمية التي تستخدم في تسعير الخامات الأخرى، خصوصًا في أميركا الشمالية، أكبر سوق للنفط في العالم، ونقطة التسعير هي مركز توزيع النفط الخام في مدينة كوشينج في ولاية أوكلاهوما، حيث تتواجد شبكة أنابيب النفط لنقل النفط إلى مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

التحديات التي تواجه نفط حوض بيرميان
المشكلة الكبرى التي تواجه تصاعد الإنتاج في حوض بيرميان هو النقص الحاد في البنية التحتية الكافية لمعالجة الإنتاج الكبير من النفط والغاز، ولهذا يحرق العديد من المنتجين الغاز الطبيعي بدلًا من استغلاله وبيعه. وتواجه الشركات صعوبات في شحن النفط بسبب الافتقار إلى بنية تحتية كافية لنقل وتخزين النفط وشحنه.&

على سبيل المثال في عام 2017 تم شحن حوالى 112 مليون برميل من النفط من ميناء "كوربس كريستي" على ساحل تكساس. علمًا أن العالم يستطيع شراء كميات أكبر، ولهذا تم البدء بمشاريع لتوسيع القدرة الاستيعابية للميناء بتكلفة 327 مليون دولار، لرفع كفاءة الميناء بنسبة 100%، أي ضعف المقدرة الحالية في السنوات المقبلة. ومن المتوقع أن يتم إكمال مشروع خطوط أنابيب يغطي مسافة 730 ميلا، وبمقدرة لنقل النفط من حقول البيرميان إلى ميناء كوربس كريستي في نهاية 2019 وبداية 2020. سوف يكون بمقدرة الأنابيب نقل 550 ألف برميل يوميًا لشحنها إلى أي مكان في العالم في ناقلات عملاقة.

من المعضلات التي تواجها صناعة النفط الأميركية انتشار المصافي التكريرية التي كانت تعالج النفط المستورد في سنوات سابقة وتجد من الصعوبة تكرير النفط الأميركي الخفيف، وهو أخف من نفط فنزويلا وكندا والسعودية.

رغم الصورة المتفائلة في ولاية تكساس، إلا أن رؤساء تنفيذيين&لبعض أكبر شركات الإنتاج وخدمات حقول النفط حذروا من أن صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة بدأت في التباطؤ بسبب التحديات اللوجستية، بما في ذلك تكاليف العمالة والافتقار إلى الطاقة الكافية لخطوط الأنابيب.

تتراكم الأدلة على أن طفرة الصناعة النفطية في حوض بيرميان الواقع في غرب تكساس وشرق نيو مكسيكو آخذة في التراجع.
يعتقد بعض الخبراء أن تصاعد الدور الأميركي كلاعب مهم في مجال الطاقة ساهم في رفع النفوذ الأميركي من خلال بسط قوتها الناعمة الاقتصادية، وتمكين واشنطن من رسم سياسات الطاقة العالمية الإنتاجية، وليس فقط كمستهلك.

من جهة أخرى، قالت وكالة الطاقة الدولية إن نمو إنتاج النفط الأميركي إلى جانب تباطؤ الاقتصاد العالمي من شأنهما وضع ضغوط نزولية على أسعار الخام في عام 2019. وأشارت الوكالة، التي تنسق سياسات الطاقة مع الدول الصناعية، إلى أنها تُبقي توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط في هذا العام من دون تغيير عند 1.4 مليون برميل يوميًا.

أضافت الوكالة التي تتخذ من باريس مقرًا في تقريرها الشهري إن أثر ارتفاع أسعار النفط يتلاشى، وهو ما سيساعد على تعويض انخفاض النمو الاقتصادي.

أما وكالة «بلومبيرغ» فقالت أخيرًا إن أسعار الخام ما زالت أدنى بنسبة 30 في المائة مقارنة بالذروة التي وصلتها في أكتوبر الماضي خلال أربع سنوات، وسط مخاوف بشأن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين، وهما أكبر دولتين مستهلكتين للنفط في العالم، على خلفية النزاع التجاري القائم بينهما.

حتى مع تصاعد الدور الأميركي نفطيًا، سوف تبقى أوبك بقيادة السعودية لاعبًا محوريًا في المعادلة النفطية العالمية لسنوات طويلة.