بينما تزداد الأوضاع في منطقة الخليج العربي توترًا، ورغم تعرّض ناقلات للنفط لهجمات تنسبها دول الخليج وأميركا إلى إيران، إلا أن الملاحة في قناة السويس لم تتأثر بهذه الأجواء الساخنة، بل إن إيرادات القناة شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال الأشهر التسعة الماضية.

إيلاف من القاهرة: أظهرت بيانات البنك المركزي المصري ارتفاع إيرادات مصر من مرور السفن بقناة السويس بنحو 114.8 مليون دولار، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الماضي بنسبة 2.8% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2017-2018.

أضاف البنك إن إيرادات المرور في قناة السويس سجلت نحو 4.3 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2018-2019 مقابل نحو 4.2 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام قبل الماضي.

ساهمت الزيادة في متحصلات المرور في قناة السويس، إضافة إلى ارتفاع الفائض في ميزان السفر مع ارتفاع إيرادات السياحة خلال الفترة عينها، إلى تصاعد الفائض في ميزان الخدمات بنحو 1.9 مليار دولار، ليسجل نحو 9.8 مليار دولار مقابل 7.8 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي قبل الماضي.

وأعلنت قناة السويس أمس الاثنين أن 50 سفينة عبرت المجرى الملاحي للقناة بحمولات بلغت 4 ملايين طن. وأوضحت الإحصائيات الملاحية لهيئة قناة السويس عبور 28 سفينة ضمن قافلة الشمال بحمولات بلغت مليوني طن، كان أكبرها ناقلة الغاز الطبيعي السيناريو التابعة الجزر المارشال بحمولة بلغت 171 ألف طن.

ضمت قافلة الجنوب 22 سفينة بحمولات بلغت مليوني طن، كان أكبرها سفينة الحاويات الجميليرية التابعة لجزر المارشال بحمولة 159 بلغت ألف طن.

لا تأثر سلبيًا
ويرى الخبراء أنه رغم هذا التوتر والأجواء الساخنة جدًا، إلا أن حركة الملاحة في قناة السويس لم ولن تتأثر، لاسيما أن الناقلات التي تعرّّّضت للأضرار تمدّ دول آسيا بالنفط، وليس الدول الغربية.

ويؤكد الخبراء أن السعودية ودول الخليج تتحسب لسيناريوهات الحرب أو إغلاق مضيق هرمز، ولديها طرق بديلة، لتصدير النفط عبر موانئ المملكة على البحر الأحمر، ومنها إلى قناة السويس مباشرة.

وفقًا للنائب في البرلمان المصري، عمرو الجوهري، فإن قناة السويس لم تتأثر بالتوترات التي تعاني منها منطقة الخليج العربي، أو الاعتداءات التي تعرّضت لها ناقلات النفط في الإمارات أو خليج عُمان.

ارتفاع تكاليف الشحن وارد
أوضح لـ"إيلاف" أن السفن التي تعرّضت للاعتداءات لا تمر عبر قناة السويس، لكنها تنقل النفط إلى دول آسيا، ولاسيما الصين واليابان وكوريا، منوهًا بأنه سيكون هناك تأثير، ولكن محدود، في حالة استمرار حالة التوتر والصراع أو حدوث حرب بين إيران من جانب وأميركا ودول الخليج من جانب آخر.

ولفت إلى أنه في هذه الحالة سوف ترتفع تكلفة الشحن والتأمين على السفن، مما يؤثر على حركة التجارة الدولية عمومًا، ومنها قناة السويس، بسبب ازدياد المخاطر في منطقة الشرق الأوسط.

أشار إلى أنه في حالة استمرار حالة التوتر فإن دول الخليج سوف تبحث عن طرق أخرى أكثر أمانًا، لاستمرار تدفق النفط إلى الأسواق، وقد يكون من بينها مد خطوط الأنابيب من شرق السعودية ودول الخليج الأخرى إلى البحر الأحمر، رغم أنها بدائل مكلفة للغاية، إضافة إلى استهلاك وقت أكبر من الشحن، بخلاف الشحن المباشر من مناطق الإنتاج، لكنها ستكون أكثر أمنًا.

إلا في حال ارتفاع سعر النفط
ونبّه إلى أن الاقتصاد المصري، وقناة السويس تحديدًا، لن يتأثر بالأحداث الحاصلة في منطقة الخليج العربي أو التوترات مع إيران، إلا في حالة ارتفاع أسعار النفط عالميًا، ما يزيد من التكلفة الاستثمارية والاقتصادية، ويزيد من أسعار الطاقة في مصر.

وقال الدكتور عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية والاستيراتيجية، إن التوتر في منطقة الخليج العربي لم يؤثر حتى الآن على أسواق النفط، التي مازالت لم تعاني من أية مشاكل أو انخفاضات، مشيرًا إلى أن إيرادات قناة السويس لم تتأثر بالاعتداءات على ناقلات النفط في خليج عُمان أو الاعتداءات التي وقعت في ميناء الفجيرة في الإمارات.

أضاف إن التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز أو الاعتداءات التي تعرّضت لها ناقلات النفط، لم تؤثر على ضخ البترول إلى الأسواق في أوروبا أو أميركا، وبالتالي فإن تدفق السفن عبر قناة السويس لم يتأثر ولم ينخفض.

نار تحت مياه الخليج
وأشار إلى أن دول الخليج والغرب بقيادة أميركا لن يسمحوا بأن تضر إيران أو وكلاؤها بممرات الملاحة الدولية، وبالتالي فمن غير المتوقع أن تتأثر حركة الملاحة في قناة السويس سلبًا.

كشف عامر في دراسة له أن مضيق هرمز، الذي يفصل بين إيران وسلطنة عمان، ويربط الخليج العربي بخليج عمان وبحر العرب، يعتبر شريان الطاقة إلى العالم، مشيرًا إلى أنه يساهم في نقل نحو 85 في المئة من صادرات النفط الخام إلى الأسواق الآسيوية، ويعبر من خلاله بين 30 إلى 40 في المئة من النفط المنقول بحرًا على مستوى العالم. وحسب إحصائيات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، مرّ عبره نحو 18.5 مليون برميل نفط يوميًا خلال 2016.

وأضاف في دراسته التي حملت بعنوان "نار تحت مياه الخليج"، إن تهديدات إيران مرارًا بإغلاق المضيق في حال القيام بعمل عسكري أميركي في المنطقة، والاعتداءات الأخيرة على سفن النفط، دفعت دول الخليج والمنتجة للنفط المطلة على مضيق هرمز إلى أن تبحث عن منافذ أخرى، تجنّبها الاعتماد على مضيق هرمز، وقد يكون الحلّ في فتح خطوط أنابيب عبر اليمن وعمان حتى لا يظلّ العالم يعيش معضلة تتمثل في هاجس إغلاق المضيق وما تنتج من ذلك من كوارث اقتصادية تعمّ العالم العربي والخليجي وكلّ العالم تقريبًا.

بدائل خليجية
أوضح أن السعودية لديها خطيْ أنابيب (شرق وغرب) يربطان المنطقة الشرقية بمدينة ينبع على ساحل البحر الأحمر بطول (1200 كلم)، وقد خُصّص أحدهما لنقل الزيت الخام، والآخر لنقل الغاز المسال، وتمّت توسعة هذيْن الخطّيْن عام 1992م بعد حرب تحرير الكويت، لتبلغ الطاقة الاستيعابية لهما نحو 4.5 ملايين برميل نفط يوميًا، وإما بوساطة خطوط التابلاين (1664) التي تربط المنطقة الشرقية من المملكة بساحل البحر الأبيض المتوسط في مدينة صيدا-لبنان مرورًا بالأراضي السورية.

ولفت إلى أن دول الخليج تبحث شق قناة مائية على غرار قناة السويس تربط بين الخليج العربي وخليج عمان، وتقوم عند أقرب نقطة بين الخليجين، أي في أقصى شمال شرق الأراضي العمانية بين شبه الجزيرة العمانية الممتدّة في مضيق هرمز وبين خط عرض 26 شمالًا وخط طول 56 شرقًا، وتؤمّن هذه القناة مدخولًا ماليًا مذهلًا إلى سلطنة عمان والدول الخليجية المساهمة في إنشائها.

نبّه إلى دول الخليج أيضًا تبحث بدائل استراتيجية عبر اليمن، من خلال مدّ خط أنابيب من حقول النفط السعودية إلى ميناء الملا في محافظة حضرموت، ويمتد بمسافة تتراوح بين 350 و400 كلم، ويكون هذا الخط عبارة عن عملية ربط إقليمي خليجي داخلي ينتهي بمنافذ استراتيجية على سواحل الدول المطلة على خليج عمان وبحر العرب.