الرباط: قال العاهل المغربي الملك محمد السادس، إن المرحلة الجديدة، التي حدد مقوماتها في خطاب عيد العرش (الجلوس) الأخير "تبدأ من الآن، وتتطلب انخراط الجميع، بالمزيد من الثقة والتعاون، والوحدة والتعبئة واليقظة، بعيدا عن الصراعات الفارغة، وتضييع الوقت والطاقات".

ودعا العاهل المغربي ، في خطاب القاه اليوم الجمعة بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة، القطاع البنكي المغربي إلى "المزيد من الالتزام، والانخراط الإيجابي في دينامية التنمية، التي تعيشها بلادنا، لاسيما تمويل الاستثمار، ودعم الأنشطة المنتجة والمدرة للشغل والدخل".

وحث الملك محمد السادس البنوك على "تبسيط وتسهيل عملية الولوج للقروض، والانفتاح أكثر على أصحاب المقاولات الذاتية، وتمويل الشركات الصغرى والمتوسطة"، بالإضافة إلى الدعم والتمويل الذي توفره للمقاولات الكبرى، لتعزيز دورها التنموي.

وشدد العاهل المغربي على أن السنة التشريعية الجديدة يجب أن تتميز ب"روح المسؤولية والعمل الجاد، لأنها تأتي في منتصف الولاية الحالية. وبذلك، فهي بعيدة عن فترة الخلافات، التي تطبع عادة الانتخابات"، وحث البرلمانيين على ضرورة استثمارها في النهوض ب"الأمانة التي تتحملونها، بتكليف من المواطنين، والتنافس الإيجابي على خدمة مصالحهم، والدفاع عن قضايا الوطن".

وحمل الملك في خطابه الطبقة السياسية، "حكومة وبرلمانا وأحزابا سياسية، بصفة خاصة، مسؤولية توفير "شروط النجاح" لكسب التحديات والرهانات الاقتصادية والتنموية للمرحلة، ويأتي في صدارة أولوياتها، "تنزيل الإصلاحات، ومتابعة القرارات، وتنفيذ المشاريع. وهي من اختصاص الجهازين التنفيذي والتشريعي، بالدرجة الأولى"، واستدرك العاهل المغربي قائلا: "ولكنها أيضا مسؤولية القطاع الخاص، لاسيما في ما يتعلق بالتمويل، فضلا عن الدور الهام لهيآت المجتمع المدني الجادة".

وأضاف الملك محمد السادس مبينا: "مهما بلغ صواب القرارات المتخذة، وجودة المشاريع المبرمجة، فإن تنفيذها يبقى رهينا بتوفر الموارد الكافية لتمويلها. لذا، ما فتئت أشدد على ضرورة الإعداد الجيد، لمختلف البرامج والمشاريع، وخاصة التمويل وتصفية وضعية العقار".

وزاد موضحا أن جهود الدولة وحدها "لا تكفي في هذا المجال. وهو ما يقتضي انخراط القطاع الخاص في عملية التنمية. وأخص بالذكر هنا القطاع البنكي والمالي، الذي نعتبره حجر الزاوية، في كل عمل تنموي"، وشدد على أن تنزيل ومواكبة المشاريع والقرارات، "لا يقتصر فقط على توقيع العقود والاتفاقيات على الأوراق؛ وإنما هو عقد أخلاقي، قبل كل شيء، مصدره العقل والضمير. والمسؤولية المشتركة بين جميع الفاعلين المعنيين، وعلى كل طرف الوفاء بالتزاماته، والقيام بواجباته".

وأفاد العاهل المغربي بأن بلاده تتوفر على قطاع بنكي، يتميز ب"القوة والدينامية والمهنية، ويساهم في دعم صمود وتطور الاقتصاد الوطني"، مبرزا أن النظام المالي المغربي يخضع ل"مراقبة مضبوطة، تختص بها هيآت وطنية مستقلة، ذات كفاءة عالية. وهو ما يعزز الثقة والمصداقية، التي يحظى بها القطاع البنكي، وطنيا وخارجيا".

ومضى الملك محمد السادس مبينا أن القطاع البنكي المغربي بلغ درجة من التقدم، مكنته من الاستثمار في عدد من الدول الأجنبية، وخاصة بإفريقيا، لافتا إلى أنه "رغم ذلك، فإنه لايزال يعطي أحيانا، انطباعا سلبيا، لعدد من الفئات، وكأنه يبحث فقط عن الربح السريع والمضمون. وهو ما يتجلى مثلا، في صعوبة ولوج المقاولين الشباب للقروض، وضعف مواكبة الخريجين، وإنشاء المقاولات الصغرى والمتوسطة".

ولم تقف انتقادات العاهل المغربي للقطاع البنكي لبلاده عند هذا الحد، بل ذهب حد القول: "أعرف جيدا أنه من الصعب تغيير بعض العقليات البنكية؛ كما سبق أن أكدت على ضرورة تغيير العقليات الإدارية، ووضع حد لبعض التصرفات، التي تعيق التنمية والاستثمار"، وأضاف "لذا، نحث القطاع البنكي الوطني على المزيد من الالتزام، والانخراط الإيجابي في دينامية التنمية، التي تعيشها بلادنا، لاسيما تمويل الاستثمار، ودعم الأنشطة المنتجة والمدرة للشغل و الدخل".كما دعا الحكومة وبنك المغرب، للتنسيق مع المجموعة المهنية لبنوك المغرب، قصد العمل على وضع "برنامج خاص بدعم الخريجين الشباب، وتمويل المشاريع الصغرى للتشغيل الذاتي. وذلك على غرار التجارب الناجحة، التي قامت بها عدة مؤسسات، في مجال تمويل المشاريع، التي يحملها الشباب، وتسهيل إدماجهم المهني والاجتماعي. وهو ما كانت له نتائج إيجابية عليهم، وعلى أسرهم، وعلى المجتمع".

وأكد العاهل المغربي على أن المخطط التنموي يقوم على ثلاثة توجهات هي: "تمكين أكبر عدد من الشباب المؤهل، حاملي المشاريع، المنتمين لمختلف الفئات الاجتماعية، من الحصول على قروض بنكية، لإطلاق مشاريعهم، وتقديم الدعم لهم، لضمان أكبر نسبة من النجاح"؛ و"دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، العاملة في مجال التصدير، وخاصة نحو إفريقيا، والاستفادة من القيمة المضافة، للاقتصاد الوطني"، و"تسهيل ولوج عموم المواطنين للخدمات البنكية، والاستفادة من فرص الاندماج المهني والاقتصادي، خاصة بالنسبة للعاملين في القطاع غير المنظم".

وذكر الملك محمد السادس المقاولة المالية ب"المسؤولية الاجتماعية وبضرورة مساهمتها في المبادرات الإيجابية، سواء على الصعيد الاجتماعي والإنساني، أو في مجال الحفاظ على البيئة، والنهوض بالتنمية المستدامة".

وبدا لافتا تأكيد العاهل المغربي على أن الحكومة مطالبة بوضع "مخططات مضبوطة، تضمن التحضير الجيد، والتنفيذ الدقيق، والتتبع المستمر، لمختلف القرارات والمشاريع، سواء على المستوى الوطني، أو الجهوي أو المحلي"، وأضاف قائلا " بما أن الإدارة موضوعة تحت تصرفها، فإن عليها أن توظف كل الوسائل، لا سيما المعطيات الإحصائية، والآليات المتعلقة بالتفتيش والمراقبة، بما يضمن النجاعة في تنفيذ القرارات، في إطار الشفافية والتعاون والانسجام، بين مختلف المتدخلين".

وقال الملك محمد السادس " لا مجال هنا للتهرب من المسؤولية، في ظل التطبيق الصارم، لربط المسؤولية بالمحاسبة"، مبرزا أن البرلمان منحه الدستور صلاحيات واسعة، في مجال التشريع، ومراقبة عمل الحكومة، وتقييم السياسات العمومية، وبالتالي فان البرلمانيين مسؤولون على جودة القوانين، التي تؤطر تنفيذ المشاريع والقرارات، على أرض الواقع، وجعلها تعكس نبض المجتمع، وتلبي تطلعات وانشغالات المواطنين.