تشتمل القمة العالمية لطاقة المستقبل، التي تعقد سنويًا وتقام دورتها المقبلة في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، على برامج للمعارض والمنتديات تتوزع على 5 ركائز رئيسة: الطاقة والطاقة الشمسية والمياه والنفايات والمدن الذكية. في هذا التقرير عرض لدور الذكاء الاصطناعي في خلق طاقة متجددة أكثر استدامة.

"إيلاف" من بيروت: تشكل القمة العالمية لطاقة المستقبل التي تنعقد بين 13 إلى 16 يناير 2020 في أبو ظبي ملتقى عالميًا يجمع كبار المسؤولين الحكوميين وقادة الأعمال لمناقشة السوق العالمية الرائدة للطاقة والتقنيات النظيفة والاستدامة في المستقبل.

وبعد أن عرضنا في الجزء الأول كيف يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في الأمن المائي، نعرض في الجزء الثاني العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والطاقة.

عرض وطلب الطاقة

نسمع ونقرأ دائمًا عن أضرار الوقود الأحفوري، ومع ذلك يجب الاعتراف ببعض فوائده كونه يتمتع بميزة السماح بمعدلات إنتاج طاقة قابلة للتخطيط ومتوقعة بشكل كامل. وللأسف، هذا الأمر لا ينطبق على الطاقة المنتجة من المصادر المتجددة.

لا يمكن التنبؤ بأكثر مصادر الطاقة المتجددة تأثيرًا كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح من حيث الإنتاج المخطط مقارنة باستخراج الهيدروكربون، لأنها تعتمد على عوامل أرصاد جوية خارجة عن إرادتنا. هذا الأمر يحدث اختلافًا كبيرًا أيضًا، نظرًا إلى أن التنبؤات غير الصحيحة حول مستويات الإنتاج المتجددة على المدى القصير يمكن أن تتحول بسرعة إلى مشكلات رئيسية في الإمداد، والتي ستتفاقم مع الوقت كوننا نتحرك حتمًا نحو مستقبل للطاقة تلعب فيه مصادر الطاقة المتجددة الدور المحوري.

لكن، هناك ما يدعو إلى التفاؤل. فالذكاء الاصطناعي يُعتبر ملائمًا بشكل مثالي لجعل إنتاج الطاقة المتجددة قابلًا للتنبؤ، وبالتالي جعله أكثر موثوقية إضافة إلى كونه نظيفًا ورخيصًا. ويؤكد العلماء أن الذكاء الاصطناعي قادر على الاستفادة من كتل بيانات الأرصاد الجوية التاريخية لمساعدتنا على التنبؤ بمستويات الإنتاج المستقبلية بشكل أكثر دقة. كما يمكنه أن يقوم بالدور نفسه بالنسبة إلى تنبؤات الطلب في المستقبل من خلال تحليل أنماط الاستخدام التاريخية.

مع استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أفضل على البيانات التي نمتلكها، يمكن الحكومات ومزودو الطاقة أن يربطوا بين مزيج الطاقة وطرق الإنتاج لضمان تلبية الطلب مع تقليل التكاليف المرتبطة بذلك وتخفيض انبعاثات الكربون في الوقت عينه.

زيادة عائد الطاقة الشمسية

طورت شركة "نيكست تراكر" للطاقة الشمسية نظام التحكم الذكي "ترو كابتشر" ودمجته ضمن نطاق 2GW من المنشآت الشمسية في جميع أنحاء العالم، لتحسين خوارزمية التتبع المستمرة لكل صف من الألواح الشمسية استجابةً لميزات الموقع وتغير الأحوال الجوية. من خلال الجمع بين أجهزة الاستشعار والتنبؤ بالطقس وتقنيات التعلم الآلي، يمكن زيادة عائد الطاقة في المنشآت الشمسية التي تستخدم هذا النظام بنسبة تصل إلى 6 في المئة.

من التطورات المهمة الأخرى التي لا بدّ لنا من تسليط الضوء عليها، نماذج التنبؤ بالطقس في المملكة المتحدة القائمة على الذكاء الاصطناعي؛ فبعد شراكة مع معهد "آلان تورينغ"، طور مشغل نظام الشبكة الكهربائية في المملكة المتحدة نماذج جديدة للتنبؤ تعتمد الذكاء الاصطناعي وأثبتت أنها قادرة على تحسين التنبؤ بالطاقة الشمسية بنسبة الثلث.

يقول المشغل إن توقعات الطاقة الشمسية المحسّنة تعمل على خفض فواتير المستهلكين، إضافةً إلى تعزيز قدرة الطاقة الشمسية. ويتزامن هذا التطور مع طموح المملكة المتحدة لإنشاء نظام للكهرباء خالٍ من الكربون بحلول عام 2025.

لا تُعد البيانات مفيدة للتنبؤ باتجاهات الطلب أو العرض أو الاستثمار فحسب. فهي أيضًا تمثل شريان الحياة لعمليات الإنتاج اليومي للطاقة في العصر الرقمي، وهي حيوية تمامًا كالفحم أو النفط في ذروة هيمنة الهيدروكربون. لذلك، وكما هو الحال مع الأمثلة السابقة، نجد أن الذكاء الاصطناعي ملائمًا لتقديم تحليل أسرع وأكثر دقة للبيانات لتوفير الرؤية الاستراتيجية اللازمة لتحسين كفاءة عمليات إنتاج الطاقة.

معالجة العرض والطلب

هناك توقعات تشير إلى أن تكون الشبكات الذكية أكبر الأسواق الناشئة في العالم بحلول عام 2025، حيث أن الحاجة إلى تحسين معادلة العرض والطلب حول الطلب العالمي المتزايد على الطاقة تتطلب مجموعة أكثر ذكاءً من الحلول. ونذكر في هذا السياق أن الفرق الحاسم بين شبكة الطاقة في الماضي والقدرات الحالية والمستقبلية للشبكة الذكية يكمن في قدرة الاتصال ثنائي الاتجاه بين الشبكة وعملائها. إذ تسمح الأجهزة الرقمية عن بعد، في المنازل والمنشآت الصناعية، للشبكة وعملائها بالعمل سويًا لضمان تلبية الطلب بصورة موثوقة وفعالة ومستدامة، دون أي هدر أو تقلبات غير مخططة في العرض.

إن تجميع مثل هذه الكميات الضخمة المتزايدة من بيانات المستهلك وترشيدها يتطلبان استخدام الذكاء الاصطناعي. وعند البدء باستخدامه، يمكن مزودو الكهرباء رسم خريطة كاملة للعلاقة بين العرض والطلب في الوقت الفعلي، وتوفير المزيد من التحسينات الفعالة من حيث التكلفة عبر الشبكة.

تشمل الأمثلة الإقليمية لهذا النهج محطة الطاقة الافتراضية بين هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) وشركة "إنابلا" الكندية. سيشهد هذا المشروع المشترك، الذي تم الإعلان عنه في أبريل 2019، بناء محطة طاقة افتراضية تعمل بنظام الذكاء الاصطناعي وترتبط بشبكة ذكية من الطاقة الشمسية وتخزين البطاريات.

سيكون حلّ الذكاء الاصطناعي الذي يدير الشبكة الافتراضية قادرًا على تجميع مصادر الطاقة المختلفة لتزويد شبكة دبي بشكل أكثر فاعلية واستدامة. ولا بدّ من ذكر أن الإمارات تمتلك بالفعل أكبر محطة طاقة افتراضية في العالم تعمل في أبو ظبي. وبقدرة إنتاج تصل إلى 108/648 ميغاواط في الساعة، تنتشر بطاريات هذه المحطة في 10 مواقع مختلفة ويمكن التحكم فيها من مركز واحد. وهي تعد أنموذجًا لإمكانية تطبيق التكنولوجيا في الشرق الأوسط.

طاقة متجددة أكثر استدامة

تتطلب تقنيات التصنيع الحالية المستخدمة في إنشاء الألواح الشمسية استخدام عناصر أرضية نادرة ودرجات حرارة تصل إلى 2000 درجة مئوية، وهي درجة عالية جدًا تتطلب طاقة مولدة من الوقود الأحفوري لبلوغها. وبينما توفر هذه التقنيات الطاقة النظيفة والمتجددة، فإن كل لوحة شمسية يتم تصنيعها لا تزال غير خالية من الانبعاثات المضرة.

يملك الذكاء الاصطناعي الحلّ لتغيير هذه المعضلة من خلال تعزيز البحث في تطوير مواد جديدة مناسبة للألواح الشمسية واستخدامها. ويمكن التوصل إلى النتيجة المرجوة من خلال نهج التجربة والخطأ الذي قد يتطلب الآلاف من الاختبارات الفردية قبل تحقيق تقدم كبير.

مع وجود الذكاء الاصطناعي، يمكن إجراء العديد من التجارب والمهام الأكثر تعقيدًا وتحليلها تلقائيًا، ما يسرع هذه العملية الحيوية ويقدم لنا الجيل الجديد من الألواح الشمسية التي يمكن تصنيعها من دون تكبد خسائر بيئية كبيرة.

إذا كنا نريد أن نصل إلى اقتصاد دائري حقيقي يتم فيه دمج الاستدامة في كل صناعة رئيسية، فلا يمكننا التغاضي عن إعادة تدوير الألواح الشمسية وتوربينات الرياح وغيرها من أجهزة الطاقة النظيفة. وهذا سبب آخر يجعل من الضروري الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لأغراض اختبار المواد المناسبة لاستخدامها في الجيل الجديد من الألواح الشمسية.

بالفعل، يمكننا أن نرى بأم العين هذا الأمر يتحقق في إطار المبادرة الأوسع نطاقًا لـ "مهمة الابتكار"، وهي عبارة عن تعاون عالمي بين 23 دولة، أنتجت "مُسرع الاكتشاف المستقل" (Ada) كأول مختبر متخصص في القيادة الذاتية في العالم. يهدف هذا المختبر إلى جعل الألواح الشمسية أكثر مرونة وفعالية واستدامة من خلال اختبار المواد بشكل مستقل باستخدام روبوتات مستقلة وأنظمة تعلم آلية. كما تسمح هذه العملية بإجراء اختبارات أكثر دقة وبوقت أقل بكثير من الذي قد يستغرقه فريق من الباحثين.