أصدرت مجموعة أكسفورد للأعمال تقريرًا راجعت فيه أبرز المحطات الاقتصادية في السعودية في عام 2019، فكان بحسبه اكتتاب أرامكو الحدث الأهم، إضافة إلى تسليط الضوء على رؤية السعودية 2030، وجذب الاستثمارات إلى قطاعات عدة، في مقدمها قطاع تقانة المعلومات والاتصالات.

منذ إنشاء المملكة العربية السعودية في سبتمبر 1932، رصدت مواردها المالية الكبيرة لتمويل مروحة واسعة من مبادرات التنمية الاقتصادية والتنويع والتحديث. وقد جذبت السعودية الاهتمام الدولي إلى زخم التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي يتم اليوم في ظل "رؤية السعودية 2030"، كما نتج عن ارتفاع أسعار النفط وتوسع الميزانية السعودية توقعات اقتصادية إيجابية للسعودية لعام 2019؛ إذ رفع صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2018 توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في المملكة لعام 2019 بنسبة 0.5 في المئة، إلى 2.4 في المئة.

أصدرت مجموعة أكسفورد للأعمال (Oxford Business Group) تقريرًا ضمنته مراجعة لأبرز المحطات الاقتصادية في المملكة العربية السعودية في عام 2019، بعنوان "Saudi Arabia: Year in Review 2019". وبحسب هذا التقرير، أصدرت الحكومة السعودية ميزانيتين قياسيتين، توقع المراقبون أن يستفيد القطاع الخاص منها؛ إذ بدأت المشروعات المحددة في استراتيجية التنمية بعيدة المدى، أو رؤية السعودية 2030، تبلور هذه الرؤية، التي ترفدها إصلاحات تنظيمية واجتماعية شاملة، ستُنفذ في خلال العقد المقبل، بتراجع السعودية عن اعتمادها الكلي على واردات الخزينة من الصادرات النفطية، والتي مثلت نحو 43.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018.

اكتتاب أرامكو: الحدث الأهم

يقول التقرير إن الحدث الأهم سعوديًا في عام 2019 كان الاكتتاب العام الأولي لشركة أرامكو السعودية، وهو الاكتتاب الأكبر في التاريخ. فقد تم إدراج أسهم أرامكو في السوق المالية السعودية (تداول) في ديسمبر 2019. رفع اليوم الأول للتداول تقييم الشركة من 1.7 إلى 1.9 تريليون دولار، ما جعلها أكبر حجمًا اقتصاديًا كثيرًا من شركة "أبل" الأميركية التي تصل قيمتها السوقية إلى نحو 1.1 تريليون دولار. منذ ذلك الحين، تم تقييم أرامكو كقيمة سوقية بما يزيد على تريليوني دولار. وهذه القيمة كانت الهدف الأولي لهذا الاكتتاب.

على الرغم من نجاح اكتتاب أرامكو، أعرب بعض المراقبون عن مخاوف نتجت من أن أغلبية الاستثمارات في هذا الاكتتاب جاءت من داخل السعودية ومن دول الخليج الأخرى، فقد يكون لهذا الأمير تأثيره في استدامة الشركة على المدى الطويل.

في هذه الأثناء، تزايد تأثير التوتر الإقليمي على المملكة في عام 2019، خصوصًا مع تعرض منشآت أرامكو في بقيق وخريص لهجمات صاروخية. تم إصلاح الأضرار بسرعة، لكن الحادث دفع بوكالة التصنيف الائتماني "فيتش" إلى خفض درجة الائتمان في السعودية من "A+" إلى "A".

من ناحية أخرى، قدر البنك الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي للسعودية بنسبة 1.7 في المئة، مع توقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 3.1 في المئة في عام 2020.

هيمنة هيدروكربونية

بعد الولايات المتحدة الأميركية، السعودية هي ثاني أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم. في عام 2019، كانت إيرادات النفط والغاز تمثل نصف الناتج المحلي الإجمالي في السعودية، ونحو 70 في المئة من إجمالي عائدات التصدير.

جاء في تقرير مجموعة أكسفورد للأعمال أن هيمنة المنتوجات الهيدروكربونية على الصادرات السعودية مثلت دافعًا أساس لإطلاق "رؤية السعودية 2030"، الخطة الإصلاحية الاجتماعية والاقتصادية التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في عام 2016، هدفها تنويع مصادر اقتصاد المملكة بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الصادرات النفطية، والاتكال على قطاعات أخرى، مثل: الصناعة، الترفيه، السياحة، تقنية المعلومات، الاتصالات .

تم تكليف صندوق الاستثمارات العامة في السعودية بتنفيذ العديد من الإصلاحات والمشروعات المرتبطة برؤية السعودية 2030، التي تشجع على خصخصة الخدمات العامة والأصول المملوكة للحكومة في قطاعات عدة، مثل: النقل، المرافق العامة، التعليم، وذلك من أجل تأمين تدفق المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر.

قال التقرير إن أحد المبادئ الأساسية لرؤية السعودية 2030 هو جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة. في أكتوبر الماضي، تم توقيع حزمة من الاتفاقات في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" في العاصمة السعودية الرياض قيمتها نحو 15 مليار دولار، تناولت الطاقة والنقل والتصنيع. ومن المقرر أن تزيد تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل ملحوظ.

استثمارات داخلية وخارجية

في الشهر نفسه، أعلنت ‏شركة البحر الأحمر للاستثمار و التنمية السياحية عن سعيها إلى الحصول على قرض قيمته 2.7 مليار دولار من المصارف المحلية لتمويل مشروعات سياحية جديدة، إضافة إلى الأسهم المقدمة من صندوق الاستثمار الفلسطيني. تشمل هذه المشروعات إنشاء منطقة اقتصادية خاصة على ساحل البحر الأحمر لها إطارها التنظيمي الخاص وتأشيرات دخول خاصة، مصممة لتحفيز المستثمرين الأجانب على الاستثمار في السعودية.

شهد أكتوبر أيضًا زيارة من الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو الرياض، وأعلنت المملكة أنها ستستثمر ما يصل إلى 10 مليارات دولار في مشروعات في هذا البلد الأميركي الجنوبي. وأمل بولسونارو في رؤية الأموال السعودية موجهة إلى استثمارات في قطاعات النفط والغاز والبنية التحتية والصرف الصحي والسياحة.

استطرد التقرير قائلًا إن جهود التنويع تستمر في دعم خطط التنمية الاقتصادية للمملكة، مدفوعة بالتركيز على الاستثمار الأجنبي المباشر والاستثمار في الخارج. وترفد الإيرادات الهيدروكربونية هذا الجهد الاستثماري، فتبقى إذًا صادرات النفط هي العمود الفقري للاقتصاد السعودي.

قطاعات مستهدفة عدة

بحسب تقرير مجموعة أكسفورد لأعمال، على الرغم من أن الهيدروكربونات لا تزال تهيمن على الاقتصادي السعودي، حقق العديد من القطاعات غير النفطية نموًا في عام 2019، ويتوقع التقرير أن يستمر هذا النمو في عام 2020. ومع اعتماد السعودية على السياحة والترفيه بصفتهما نقطتين محوريتين في سياسة التنويع الاقتصادي، تعمل السعودية الآن على تعزيز مكانتها وجهة رياضية؛ إذ استضافت سلسلة من المناسبات الرياضية رفيعة المستوى في عام 2019، بما فيها مباراة Clash on the Dunes للملاكمة في ديسمبر، وكأس السوبر الإسبانية التي جرت في الرياض في يناير.

إلى ذلك، عقدت قمة قادة مجموعة العشرين في الرياض في نوفمبر، كما تم تسليط الضوء على تقانة المعلومات والاتصالات باعتبارها مجالًا يمكن أن يدفع التنويع الاقتصادي قدمًا بوصفها صناعة نمو بذاتها، وعلى تعزيز الإنتاجية في القطاعات الأخرى. وأُطلقت استراتيجية تقانة المعلومات والاتصالات 2019 في أغسطس، شاملة خططًا لتوسيع القطاع بنسبة 50 في المئة، إضافة إلى زيادة المشاركة الحكومية في الصناعة بنسبة 50 في المئة.

إلى ذلك، رُسمت استراتيجية لدفع الابتكار التقني واجتذاب الشركات الدولية وأُطلق نظام بيئي قوي لتقانة المعلومات والاتصالات، ويأمل التقرير أن تسهم بأكثر من 13 مليار دولار في الاقتصاد السعودي خلال خمسة أعوام مقبلة.

علاوة على ذلك، يتم الترويج للبحث والتطوير في قطاع الشركات الناشئة في المملكة، كما ستستفيد التجارة الإلكترونية والتعليم الرقمي والرعاية الصحية الرقمية والصناعة والمدن الذكية وخدمات الحكومة الإلكترونية من زيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية.

تقرير "مجموعة أكسفورد للأعمال" كاملًا منشور على الرابط:

https://oxfordbusinessgroup.com/news/saudi-arabia-year-review-2019