مع اشتداد أزمته الاقتصادية، يواجه لبنان استحقاق دفع ديونه لعام 2020، فعلى حكومته تسديد هذا العام، ما يقارب الأربعة مليارات ونصف المليار دولار، ويجب دفع الجزء الأكبر من المبلغ في شهر مارس/ آذار المقبل.

وتنقسم الآراء بين من يدعو إلى وجوب دفع لبنان ديونه ولو على حساب ما تبقى من احتياطي مصرف لبنان المركزي، وبين من يدعو إلى التوقف عن تسديد الديون، أي إلى المواجهة مع الدائنين.

ويشهد لبنان احتجاجات شعبية بدأت في 17 أكتوبر/ تشرين الأول احتجاجاً على فرض ضرائب جديدة، لكنها استمرت رغم قرار سحب الضرائب، اعتراضاً على سياسات النخبة الحاكمة وخاصة السياسات المالية والاقتصادية المعتمدة منذ بداية التسعينيات.

ما هي الخيارات؟

ويضع استحقاق تسديد الدين العام لبنان أمام عدّة خيارات:

  • تسديد مستحقات شهر مارس / آذار من المتبقي في احتياطي مصرف لبنان المركزي: ما سيؤدي إلى تفاقم أزمة سيولة الدولار في ظلّ نقص مخزون مصرف لبنان بالعملة الأجنبية. ويستخدم المصرف المركزي هذا المخزون عادة لدعم أسعار الواردات الأساسية كالقمح والأدوية والمحروقات.
  • إعادة الجدولة: أي الدخول في مفاوضات مع الدائنين لطلب تأجيل تسديد الدفعات الواجبة السداد.
  • إعادة هيكلة الدين العام: وهو ما يفرض تلقائياً تأجيل الدفع والاستعانة بصندوق النقد الدولي. ويشمل أيضاً مفاوضات مع الدائنين حول اعتماد لبنان اجراءات جذرية كالتقشف والزيادة في الضرائب وخصخصة بعض من قطاعات الدولة.
  • عدم تسديد الديون: ما يعني استحقاق جميع الدفعات المتبقية من ديون لبنان عند تخلّف الحكومة عن تسديد المبلغ المستحق في شهر مارس/ آذار المقبل.

وقال المتحدث باسم صندوق النقد الدولي، جيري رايس إن الحكومة اللبنانية طلبت رسمياً المساعدة الفنية في وضع خطة لتخطي الأزمة الاقتصادية، حسبما نقلت وكالة رويترز عن مصدر رسمي حكومي، ما يعتبر توجها حكوميا للدخول في مفاوضات مع الدائنين لإعادة الجدولة أو إعادة الهيكلة.

وأصدرت جمعية المصارف اللبنانية أيضاً البارحة بياناً تطالب فيه الحكومة بوجوب سداد ديون لبنان المستحقة والمقومة بالدولار في مواعيدها "حماية لمصالح المودعين ومحافظة على بقاء لبنان ضمن إطار الأسواق المالية العالمية"، بحسب ما جاء في البيان.

وقال الخبير الاقتصادي مروان مخايل لقناة بي بي سي إن مسألة هيكلة الدين لم تعد خياراً. واعتبر أنه من الأفضل الذهاب إلى إعادة الهيكلة بدلاً من تسديد الجزء الأول من المبلغ من احتياطي مصرف لبنان، وهو ما يشكل نوعاً من مقومات الصمود الأساسية للبنان.

وأضاف مخايل "الأفضل الذهاب إلى إعادة الهيكلة مع القليل من هذه المقومات" مؤكدا "أن لبنان ملزم بفترة المساعدة التقنية التي ستتضمن وضع دراسة عن استدامة الدين وعن كيفية الهيكلة وكيفية تسديد لبنان لديونه مستقبلاً".

وتوقّع مروان مخايل وصول العجز في ميزان المدفوعات في لبنان هذا العام إلى ثمانية مليارات دولار.

مبنى جمعية المصارف في بيروت خلال الاحتجاجات
Getty Images
دعت جمعية المصارف اللبنانية الحكومة إلى تسديد الديون في مواعيدها

كيف بدأ لبنان الاستدانة بالدولار؟

في عام 1998، قدمت حكومة رفيق الحريري اقتراحاً بإعادة هيكلة الدين العام، مضمونه المباشرة بالاستدانة بعملة الدولار.

ووسط معارضة عدد من النواب واصفين الاقتراح بنوع من سياسة اقتراض جديدة، صدّق مجلس النواب على القرار وبدأ عندها لبنان بالاستدانة بالدولار من الداخل والخارج.

ما هي سندات اليوروباوندز؟

هو سند خزينة تشتريه الدولة بالعملة الأجنبية، أي بالدولار في الحالة اللبنانية. والدائنون هم جهات خارجية و داخلية.

وعلى لبنان تسديد ما يقارب 1.2 مليار دولار منها ما يقارب ال800 مليون دولار كدين للخارج. والسؤال الأهم المطروح اليوم هو إن كان لبنان سيسدد سندات اليوروباوندز الشهر القادم. وهو ما لم تجب عليه الحكومة الجديدة بعد.

وصدر اليوم قرار جديد عن حاكم مصرف لبنان يقضي بتخفيض الفوائد على الودائع بالعملتين اللبنانية والأميركية.

الاعتداء على صحافي معارض لسياسات المصرف المركزي

في سياق متصّل بالأزمة اللبنانية وبالاحتجاجات المتواصلة، تمّ الإعتداء مساء أمس على الصحافي والخبير الاقتصادي محمد زبيب.

كان زبيب قد انتهى من ندوة عن الأزمة والسياسات المالية الحكومية، فتعرّض لاعتداء بالضرب من قبل مجهولين. ودخل إلى المستشفى لتلقي العلاج، لكنه خرج بعد ساعات.

ومنذ ما قبل بداية الأزمة اللبنانية، يوجّه محمد زبيب الانتقاد لأصحاب المصارف الخاصة ولحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، محملاً إياهم جزءاً كبيراً من المسؤولية عن السياسات المالية الخاطئة وينشر أرقاماً ومستندات تدعم أقواله.

ومع بدء الاحتجاجات استمر زبيب بتوجيه انتقادات لحاكم مصرف لبنان ومالكي المصارف الخاصة واتهمهم ب"مصادرة أموال المودعين الصغار" وتغطية تهريب مبالغ ضخمة إلى خارج لبنان خلال الأزمة الاقتصادية.

وزاد عدد متابعي زبيب خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، وترددت شعاراته والأرقام التي أظهرها على ألسنة المتظاهرين خلال الاحتجاج أمام المصارف وداخلها وأمام مصرف لبنان المركزي.