الرياض: بحث السعودي ابراهيم أحمد لأربع سنوات من دون جدوى عن وظيفة ثانية لمساعدته على تسديد أقساط قرضه المصرفي، قبل أن يقرر العمل أيضا كسائق "أوبر"، ما مكّنه من تحسين دخله، مثله مثل سعوديين آخرين اختاروا العمل في وظائف كانت تقتصر في السابق على العمالة الأجنبية.

وتشهد المملكة الغنية بالنفط تغييرات كبيرة على خلفية سياسة انفتاح اجتماعي بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وإصلاح اقتصادي يهدف الى تنويع مصادر الدخل المرتهن للنفط والحد من المساعدات التي تقدمها الدولة لمواطنيها.

يتقاضى أحمد (31 عاما) الذي يعمل كموظف في شركة سعودية خاصة في الرياض، راتبا يبلغ ثمانية آلاف ريال (نحو 2130 دولارا)، لكنّ القسط الشهري لقرض مصرفي أخذه لشراء شقة لأسرته والبالغ أربعة آلاف ريال (1065 دولارا) كان يلتهم نصف دخله.

ويقول أحمد الذي كان يرتدي جلبابا أبيض وهو يقود سيارته الفضية، لوكالة فرانس برس، "أنهي عملي الساعة الثانية ظهرا، وبالتالي كان صعبا أن أحظى بوظيفة ثانية. كان دخلي بعد تسديد القرض محدودا جدا، ومرّت علينا أربع سنوات عجافا".

وبعدما باع الأب لثلاثة أطفال، سيارته ليشتري أخرى جديدة، بدأ العمل في 2017 مع "أوبر"، الشركة العملاقة لخدمات سيارات الأجرة الخاصة. وتعمل "أوبر" حاليا في 20 مدينة سعودية، حسب المتحدث باسم الشركة.

يقول أحمد وهو يستعد للانطلاق في رحلة جديدة مع زبون في وسط الرياض "الآن اعمل سبع ساعات يوميا (مع أوبر) خمسة أيام أسبوعيا، ومتوسط دخلي من هذا العمل حوالى ستة آلاف ريال".

بفضل دخله الإضافي الجديد، تمكن الشاب من تسديد أقساط شقته وسيارته الجديدة، موضحا أن العمل كسائق "أحدث فرقا في نوعية حياتي وساعدني على توفير كل ما يحتاجه أبنائي من راتبي".

يقول خالد الذي تزوج مؤخرا من جهته إن عمله في "أوبر" يساعده على أن يسدد شهريا ثلاثة أقساط من قرضي الزواج والسيارة عوضا عن قسط واحد. ويقول الشاب حليق الرأس (27 عاما) وهو يقود سيارته في شمال الرياض "انتهيت من ثلث القرضين بفضل أوبر".

فرصة اقتصادية مرنة
يشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاما نحو 40 في المئة من عدد السعوديين البالغ 20,7 مليون نسمة، حسب الإحصاءات الرسمية للعام 2018. وتطمح المملكة منذ سنوات لاستبدال ملايين الوظائف التي يشغلها عمال أجانب بسعوديين في ما يطلق عليها سياسة "السعودة".

بلغت نسبة البطالة بين السعوديين 12 في المئة، بحسب الاحصاءات الرسمية للربع الثالث من عام 2019، بينما كانت في عام 2018 تبلغ 12,7 في المئة، لكن البطالة بين الشبان السعوديين خصوصا الخريجين الجدد تصل إلى نحو في المئة.

واستخدم أكثر من مليون شخص خلال الأشهر الثلاثة الماضية أوبر التي انطلقت في السعودية في العام 2014، واستحوذت على شركة "كريم" المنافسة في الشرق الأوسط العام الماضي مقابل 3,1 مليار دولار.

وقال المتحدث باسم شركة أوبر إنّ "أعدادا كبيرة من السعوديين يلتحقون بأوبر بسبب الفرصة الاقتصادية المرنة والدوام الجزئي الذي توفره".

ويقول السعودي خالد البالغ 38 عاما وهو مشرف في مطعم كبير في الرياض "العمل في أوبر وكريم لا يتطلب إلا أن أكون شاغرا".

أنا مدير نفسي
باتت مألوفة رؤية سعوديين بل حتى سعوديات يعملون في المطاعم أو في محال بيع الأحذية. وقال شباب سعوديون إنّ ذلك يجعلهم أكثر استقلالية واعتمادا على أنفسهم بمواجهة أسرهم والدولة.

في المقابل، يتردّد بعض الشباب السعوديين في إبلاغ معارفهم بأنهم يعملون كسائقين خشية تعرضهم لوصمة اجتماعية في مجتمع اعتاد الرفاهية.

لكن الموظف تركي العنيزي الذي ارتدى جلبابا أزرق ولفّ رأسه بشماخ يغلبه اللون الأحمر، لا يكترث لأي نظرة اجتماعية سلبية، ويقول ضاحكا "في أوبر أنا مدير نفسي".

ويتابع الشاب (33 عاما) وهو يقود سيارة فارهة تعمل ضمن برنامج "أوبر راحة"، "ليس هناك حرج طالما أعمل شيئا لا يخل بالشرف والأخلاق. بالعكس هذا شيء يحسن وضعي الاجتماعي والمادي".

ويقول عضو الجمعية السعودية الاقتصادية عبد الله المغلوث لفرانس برس "ثقافة المجتمع السعودي تجاه الوظائف البسيطة تغيرت. أصبح الشاب السعودي يقبل وظائف لم يكن يقبل بها في السابق".

ويتابع "وجود شركات أجنبية مثل أوبر وكريم منح الشباب السعودي فرصة ليلتحق بهذا العمل لتحسين معيشته وزيادة دخله. في السابق لم يكن لدينا مثل هذه الفرص".

ويرى المغلوث أن هذا "سيساعد على خفض نسبة البطالة وبالتالي زيادة القدرة الشرائية والاستهلاكية للمواطنين". ويعمل ثلثا السعوديين في القطاع الحكومي. ولعقود لم تكن هناك ضرائب على الدخل قبل أن تشرع الحكومة أخيرا في فرض ضريبة القيمة المضافة البالغة 5 بالمئة.

ويقول الموظف العسكري مهند (21 عاما) الذي فضّل ذكر اسمه الأول فقط "أستخدم دخلي من أوبر لشراء الرفاهيات التي لم يكن باستطاعتي الحصول عليها من راتبي"، مشيرا إلى انه يتطلع للذهاب في رحلة إلى تايلاند.

وأطلقت شركتا أوبر وكريم خطوطا خاصة للسائقات، بعد أن سمح للسيدات بقيادة السيارات في المملكة بعد عقود من المنع.
تقول هلا الشمري، وهي مدربة قيادة سيارات للنساء وناشطة في شركة كريم، "الكثير من صديقاتي يعملن في كريم وأوضاعهن المادية تحسنت".

ويتعاون أكثر من 100 ألف سعودي مع "كريم" نسبة كبيرة منهم من النساء. وتتابع الشابة التي تدرب خمس فتيات يوميا على القيادة في برنامج تموله جامعة حكومية "لم نعد نحمل هم البنزين ومصاريف البيت".