توافقت الدول النفطية على خفض إنتاج النفط 10 ملايين برميل يوميًا خلال مايو ويونيو. لكن، هل يعيد هذا الخفض إلى السوق استقرارها؟


إيلاف من دبي: الاتفاق تاريخي، لكن المخاوف في ظل جائحة كورونا تكمن في أنه قد لا يعيد الاستقرار إلى السوق النفطية قبل رفع كل إجراءات الإغلاق.
أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأحد بالاتّفاق الذي تمّ إبرامه بين الدول الكبرى المصدّرة للنفط، لخفض الإنتاج، فغرّد على تويتر: "الاتّفاق الكبير مع أوبك بلاس تمّ إنجازه. هذا سيُنقذ مئات آلاف الوظائف في قطاع الطاقة في الولايات المتحدة. أودّ أن أشكر وأهنّئ الرئيس الروسيّ (فلاديمير) بوتين والملك السعودي سلمان. لقد تحدثت إليهما للتوّ من المكتب البيضوي. إنّه اتّفاق عظيم بالنسبة إلى الجميع".

ففي اتفاق تاريخي يوصف بأنه توافق على أكبر خفض من نوعه في تاريخ إنتاج الخام العالمي، توصل تحالف أوبك بلس، الذي يضم دولًا أعضاء في المنظمة ودولًا خارجها أبرزها روسيا، إلى اتفاق بالإجماع، بعيد اجتماع مجموعة العشرين، على خفض الإنتاج بمقدار 10 ملايين برميل يوميًا خلال مايو ويونيو المقبلين، على أن تشارك السعودية (أكبر منتج نفطي في أوبك) وروسيا معًا فى نصف إجمالي هذا الخفض.

وشدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وترمب الأحد على "الأهمّية الكبرى" لاتّفاق أوبك وشركائها بشأن الخفض التاريخي لإنتاج النفط.
كما قال الكرملين في بيان إنّ الزعيمين شدّدا مرّةً جديدة، خلال اتّصال هاتفي، على "الأهمّية الكبرى للاتّفاق بصيغة أوبك بلاس بشأن خفض إنتاج النفط"، مشيرًا إلى محادثة هاتفيّة تمّت بين بوتين وترمب والملك سلمان بن عبد العزيز.
وجاء في البيان أنّ الزعماء الثلاثة أيّدوا الاتّفاق الذي تمّ التوصّل إليه ضمن مجموعة أوبك بلاس حول الحَدّ من إنتاج النفط على مراحل وبشكل طوعيّ، "بهدف إرساء الاستقرار في الأسواق العالميّة وضمان صمود الاقتصاد العالمي".

أثر كبير... ولكن!
لا شك في أن قرار أوبك بلس بإجراء التخفيض الأكبر للإنتاج في تاريخ المنظمة "سوف يكون له أثر كبير في إعادة التوازن للسوق النفطية، في وقت يشهد فيه العالم تكاتف الجميع لمواجهة فيروس كورونا المستجد"، وفقًا لتغريدة وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي على حسابه في تويتر.
كما شكر المزروعي السعودية التي دعت إلى الاجتماع الذي أسفر عنه الاتفاق على خفض الإنتاج بما يوازي 10 في المئة من الإمدادات العالمية.
فهذا الاتفاق الذي أنهى حرب أسعار استعرت في الشهر الماضي "يمكن" أن يؤدى إلى استقرار أكبر فى السوق. وقالت تقارير اقتصادية إن أثر هذه الصفقة يكمن في مساهمتها فى "تحول التجار من الاعتقاد بأن السوق تسقط سقوطًا حرًا إلى سوق تكتسب أسسًا جديدة"، خصوصًا أن الدول الأعضاء في تحالف أوبك بلس ستواصل خفض الإنتاج إلى 6 ملايين برميل يوميًا بعد عامين من اليوم.

وقدّر ماغنوس نيسفين، الخبير في "رايستاد إينيرجي" للبحوث، أنّه "حتّى وإنْ كانت التخفيضات أقلّ مما تحتاج السوق، فقد تمّ حاليًا تجنّب الأسوأ"، إلا أن خبراء نفطيين رجحوا أن تبقى الأسعار دون مستوى 40 إلى 50 دولارًا للبرميل، وهو السعر الذي يحتاجه منتجون نفطيون من خارج أوبك لتحقيق التعادل السعري المنشود، فيرى محللو "رايستاد إينيرجي" للبحوث أن خفض الإنتاج 10 ملايين برميل يوميًا سيحول دون سقوط الأسعار في هاوية، "لكنه لن يؤدي إلى إعادة توازن السوق".
وقال ستيفن انيس، المحلل في إكسيكورب: "خفض الانتاج أقل مما كانت السوق تأمل به، نظرًا لتضرر الطلب بسبب الإغلاقات جراء فيروس كورونا المستجد في العالم، وهذه الصفقة ستعوض جزئيًا فقط أسعار النفط. لكن هذا كان الهدف المرجو منها، فالمخاطر المتعلقة بأسعار النفط لن تتبدد إلا عند رفع كل إجراءات الإغلاق في العالم".

إرضاء المكسيك
كذلك، دعا تحالف أوبك بلس الدول الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وكندا، إلى المساهمة في الجهود الهادفة إلى استقرار السوق النفطية، في وقت يقع العالم أجمع ضحية جائحة كورونا.

واجتمعت الجهود الدولية لإنجاز هذا الاتفاق، حتى أن ترمب أعلن نية بلاده مساعدة المكسيك التي لم تكن راغبة في خفض الإنتاج بشكل كبير كباقي أعضاء التحالف، علمًا أنه سبق أن عطلت المكسيك اتفاقًا سابقًا. إلا أن مصادر وكالة رويترز أكدت أن المكسيك ستخفض إنتاجها 100 ألف برميل وليس 400 ألف، كما قضى الاتفاق السابق.
وقالت وزيرة الطاقة المكسيكي روسيو نالي إن منتجي النفط اتفقوا بالإجماع على خفض الإنتاج 9.7 ملايين برميل يوميًا، شاكرًا أعضاء أوبك على مساعيهم للتوصل للاتفاق.

إلى ذلك، متوقع أن تعلن "أرامكو السعودية" عن سعر الخام لشهر مايو اليوم الاثنين، بعد أن كان مفترضًا أن يتم إصدار أسعار البيع الرسمية في الخامس من أبريل الجاري.

تأكيدات العشرين
الجدير بالذكر أن مجموعة العشرين برئاسة المملكة العربية السعودية قدمت دفعة نوعية للجهد العالمي لمواجهة تداعيات جائحة كورونا. فقد أكد بيان وزراء الطاقة بدول العشرين عقب اجتماعهم الافتراضي الذي ترأسه وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان تقديم مساهمةٍ كاملة وفعّالة للتغلّب على الوباء، ومواصلة العمل عن كثب مع عناصر قطاع النفط لجعل أنظمة الطاقة أكثر مرونة في الرد على الأوضاع الطارئة في المستقبل، واتّخاذ الإجراءات الضرورية والفورية لضمان استقرار سوق الطاقة، وضمان توازن المصالح بين منتجي النفط ومستهلكيه، وتعزيز الانتعاش العالميّ اللاحق.

وأقر الوزراء المجتمعون افتراضيًا بأن الآثار المترتبة على أسواق الطاقة تؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، وتعيق التنمية المستدامة، مؤكدين الاتفاق على أن ضمان استقرار أسواق الطاقة، وتوفير طاقة آمنة ميسورة التكلفة، هما عاملان رئيسيان لضمان صحة جميع الدول وسلامتها، وقدرتها على التكيّف خلال مراحل الاستجابة لهذه الأزمة والتعافي منها.

عدم تيقّن
وقال بيان وزراء طاقة دول مجموعة العشرين: "ندرك الدور المحوري لأسواق الطاقة التي تتّسم بالفعالية والاستقرار والانفتاح والشفافية والتنافسية في تعزيز النمو والنشاط الاقتصادي"، لافتين إلى أن الانكماش الاقتصادي الكبير، والنظرة المستقبلية التي تشوبها حالة من عدم التيقّن نتيجة الجائحة، أديا إلى تفاقم اختلال التوازن بين العرض والطلب على الطاقة، وزيادة عدم استقرار أسواق الطاقة، ما أثر بشكل مباشر على قطاع النفط والغاز، وتوسع ليشمل قطاعات أخرى، فتسبب في إعاقة الانتعاش الاقتصادي العالمي.

أضاف الوزراء أن انعدام الاستقرار حاليًا في أسواق الطاقة "يضيف إلى الخسائر الفادحة التي نتكبدها في الوظائف والأعمال والأرواح، وعليه لا بد من التحرك الفعلي على أرض الواقع".
وجاء في البيان الختامي للاجتماع: "إننا ندرك أن أمن الطاقة هو عامل رئيسي في تمكين النشاط الاقتصادي، كما أنّه عنصرٌ أساسي للوصول إلى الطاقة، وحجر الأساس لتحقيق الاستقرار في أسواقها"، موضحًا أن جائحة كورونا أفرزت تحديات غير مسبوقة تدعو إلى أهمية إمدادات الطاقة المستقرة المستدامة ميسورة التكلفة غير المنقطعة لتلبية الطلب، لا سيّما في ما يتعلق بالخدمات الأساسية؛ كالرعاية الصحية التي تمثّل عاملًا محوريًا لضمان قدرة المجتمع العالمي على تجاوز الأزمة، خصوصًا في البلدان النامية والأقل نموًا.