الحوالات النقدية شريان حياة لعشرات الملايين من الأسر في أنحاء العالم. ولكن مع انتشار وباء فيروس كورونا لم يعد المهاجرون قادرين على العمل وإرسال بعض أجورهم إلى بلادهم، وبدأ شريان حياة الأسر يجف.

واحدة من تلك الأسر، سميثا غيريش، التي تعيش في كيرالا في جنوب غربي الهند مع ولدها إيشان.

ويوجد زوجها حاليا في دبي بدولة الإمارات. وكان يعمل حتى وقت قريب مهندس مبيعات، ولكن انتشار كوفيد-19 جعله حبيس المسكن، وبلا وظيفة.

وتقول سميثا: "إنه يقعد في البيت منذ الشهر الماضي. ولا يستطيع الالتحاق بعمله الجديد، ولا يستطيع سحب نقوده من البنك. الأمر صعب جدا، لأنه يجب أن يدفع مبلغا كبيرا من المال لشقتنا".

وتقول سميثا إن النقود التي كان يرسلها لها زوجها هي مصدر دخلها الوحيد.

كورونا
BBC

وعلى الرغم من أنها تعمل محامية جنائية، فإنها أجبرت على البقاء في البيت لرعاية ابنها، الذي يعاني من التوحد. وعليها الآن أن تعيش، مثل غيرها في كيرالا، على دخل أقل.

وتقول: "كلنا محبطون، الوضع صعب جدا".

ووضع سميثا ليس فريدا. فطبقا لتقديرات الأمم المتحدة هناك حوالي 800 مليون شخص يستفيدون من الأموال التي يرسلها أقاربهم من الخارج.

وقد زادت نسبة الأموال التي ترسل من الدول المتقدمة إلى الدول النامية بشكل كبير في العقود الأخيرة، فوصلت إلى 554 مليار دولار في 2019، أي ما يعادل ثلاث مرات ميزانيات المساعدات الأجنبية الدولية مجتمعة.

وعلى عكس المساعدات الأجنبية، تصل الحوالات النقدية مباشرة إلى جيوب الأسر الفقيرة، بحسب ما يقوله مايكل كليمينس، الذي يعمل في مركز التنمية الدولية في واشنطن دي سي.

ويقول إن الحوالات "شريان حياة" للأسر في أرجاء العالم، وهي مهمة في الحد من الفقر.

ولا يقتصر الأمر على إعاشة الأسر فقط. إذ إن الناس، كما يقول كليمينس، يستخدمون الحوالات في أنواع من الاستثمار الطويل الأمد، مثل الصرف الصحي، والتعليم، والرعاية الصحية التي تجعلهم "أصح، وأسعد، وأكثر إنتاجية اقتصاديا".

ولن تستطيع أسر كثيرة هذا العام مواصلة مثل هذا الاستثمار. ويتنبأ البنك الدولي بأن قيمة الحوالات النقدية ستنخفض بنسبة 20 في المئة بسبب تأثير فيروس كورونا، لتصل إلى 445 مليار دولار في 2020.

ويقول ديليب راثا، الاقتصادي في البنك الدولي، إن هذا الانخفاض "غير مسبوق في التاريخ". ويضيف أن البنك لم يلحظ انخفاضا مشابها من قبل إلا مرتين: إذ انخفضت نسبة الحوالات حوالي 5 في المئة في عام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية، كما حدث انخفاض آخر أصغر في عام 2016.

ويؤثر فيروس كورونا في الحوالات النقدية بعدة طرق. ففي كثير من الحالات، كما حدث مع سميثا وزوجها، لا يستطيع العامل المهاجر العمل، ولذلك لا يرسل نقودا إلى أهله. وفي حالات أخرى تكمن المشكلة في جانب المتلقي للمال، بسبب القيود التي تفرضها حالة الإغلاق العام على الناس، فلا يستطيعون الوصول إلى مكاتب تحويل النقود.

ويقول آرثر بييري، الذي يعيش في مونروفيا في ليبريا، في غرب إفريقيا، إنه منذ 27 مارس/آذار أصبح من المستحيل بالنسبة إليه سحب أي نقود من البنك، أو مكاتب تحويل النقود.

ويقول: "إن لم تذهب مبكرا، يطلب منك المغادرة. وحتى إن أتيحت لك أخيرا فرصة دخول البنك فعليك الانتظار ساعات. فإذا وصلت البنك ونجحت في الدخول في الساعة 10 صباحا، فلن تتمكن من الوصول إلى نقودك إلا في الساعة 2 أو 3 بعد الظهر".

ويضيف أنه مع وجود البلد في حالة طوارئ، أصبحت الحوالات النقدية أكثر أهمية من السابق، ليس لسد الرمق، ولكن أيضا للإبقاء على الناس في الحجر المنزلي.

ويقول: "لديك أسرة باقية في البيت، وإخوة وأخوات لا يذهبون إلى المدارس، وهم يعتمدون عليك في مساعدتهم. وحينما يكون الناس جوعى، فسوف يحاولون الخروج وقد يصابون بالعدوى. وهذا هو الخطير في الوضع الحالي".

وفي بريطانيا يعاني تشاندرا سيكا من مشكلات تتعلق بعدم قدرته الحصول على أموال لأسرته.

ويعيش تشاندرا في بريطانيا منذ 18 عاما، وهو مستشار تكنولوجيا معلومات من حيدر أباد، في ولاية تيلانغانا جنوبي الهند، واعتاد على إرسال أموال إلى أسرته في الهند بانتظام.

وعلى الرغم من وجود خدمة حوالات نقدية رقمية، فإنه يقول إنه بدون علاقاته، هو وأمثاله، مع العاملين في مكاتب تحويل النقود، لا يستطيع الحصول على الصفقات التي يطمح إليها.

ويضيف: "إنهم يعطوننا تخفيضا في سعر تغيير العملة. ويقدمون لنا خدمة جيدة. وبسبب كوفيد-19 أضطر إلى استخدام الإنترنت، مما لا يعطينا فرصة المساومة".

لكن مايكل كنت، المدير التنفيذي لتطبيق أزيمو لدفع النقود رقميا، يقول إن الدفع عن طريق الهواتف المحمولة سيخفض تكاليف تحويل الأموال.

ويقول كليمينس من المركز الدولي للتنمية إن تأثير فيروس كورونا سوف يستمر في البلدان النامية لعدة عقود.

ويشير إلى دراسة مهمة، نشرت في دورية الاقتصاد السياسي، وتوصلت إلى أنه لوحظ من بيانات تعداد السكان في عام 1980، استمرار وجود تأثيرات وباء الأنفلونزا الذي حدث في عام 1918 في الولايات المتحدة.

فالأطفال الذين لم يكونوا قد ولدوا خلال فترة الوباء قل لديهم التحصيل العلمي، وزادت نسبة الإعاقات الجسمانية، وانخفضت دخولهم، كما هبطت مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وكانوا أكثر احتمالا لتلقي إعانات اجتماعية من الدولة.

ويتنبأ بأن هذا ربما يكون وضع الأطفال الآن، أو حتى الذين لم يولدوا بعد، في زمن فيروس كورونا.

أما سميثا في كيرالا، التي مازال زوجها مغتربا منذ 15 عاما، فترى أن التضحية لم تعد مفيدة. وتأمل في أن تعود إلى العمل العام القادم، وأن يرجع زوجها إلى بيته من دبي.

وتقول: "إنه باق هناك من أجل المال فقط، المال هو كل شيء، كما تعرف، ولا نستطيع فعل أي شيء بدونه. لكن هذا الوضع مع فيروس كورونا غير كل آمالنا".