تراجع الاقتصاد البريطاني في الربع الأول من العام بأسرع وتيرة منذ أزمة العام 2008 المالية بينما فرضت البلاد إغلاقا لاحتواء فيروس كورونا المستجد، وفق ما أظهرت بيانات رسمية الأربعاء، ما ترك البلاد على حافة الركود في حين يبدو أن القادم أسوأ.

وأفاد مكتب الإحصاءات الوطنية في بيان أن إجمالي الناتج الداخلي (أي مجموع قيمة المنتجات والخدمات في الاقتصاد البريطاني) انكمش بنسبة 2% في الفترة ما بين يناير ومارس بعد نمو قدره صفر في الأشهر الثلاثة حتى كانون الأول/ديسمبر.

وتأثّر النشاط في الربع الأول من العام كذلك ببريكست، انسحاب بريطانيا الذي طال انتظاره من الاتحاد الأوروبي والذي دخل حيّز التنفيذ في 31 يناير.

ورغم البيانات، تمكّن الجنيه الإسترليني من التفوّق على الدولار واليورو إذ أشار المحللون إلى أن الأسواق كانت تتوقّع انكماشا أكبر.

وبحلول منتصف النهار، سجّل مؤشر "إف تي أس إي 100" في لندن، الذي يعكس صحة الاقتصاد البريطاني نظرا لوجود العديد من الشركات متعددة الجنسية فيه، تراجعا نسبته 0,9 بالمئة.

ويتوقع أن يكون الانكماش في بريطانيا في الربع الثاني من العام أكبر بكثير من الفصل الأول، ما من شأنه أن يزجّ بالبلاد في مرحلة ركود، أي تسجيل انكماش على ربعين متتاليين.

وتراجع الناتج في المملكة المتحدة بنسبة قياسية بلغت 5,8 بالمئة في مارس وحده، عندما طبّقت تدابير الإغلاق، بحسب مكتب الإحصاءات.

"الاقتصاد يتهاوى"

وأفادت المحللة لدى "كابيتال إيكونوميكس" روث غريغوري أن "أرقام إجمالي الناتج الداخلي لشهر مارس أظهرت أن الاقتصاد البريطاني كان يتهاوى خلال أسبوعين من دخول الإغلاق الناجم عن (فيروس كورونا المستجد) حيّز التنفيذ".

وأضافت أنه مع بقاء القيود مفروضة حتى منتصف مايو ليتم رفعها بشكل ضئيل جدا بعد ذلك، فسيكون نيسان:أبريل أسوأ بكثير". وتابعت أنه "خلال ركود العامين 2008 و2009 بأكمله، تراجع الناتج بنسبة 6,0 بالمئة".

والأسبوع الماضي، حذّر مصرف إنكلترا من أن الشلل الاقتصادي قد يتسبب بأسوأ ركود تواجهه بريطانيا منذ قرون، إذ يتوقع أن يتراجع الناتج بنسبة 14 في المئة هذا العام.

لكن بريطانيا ليست وحدها في هذه المحنة، إذ أن الاقتصادين الفرنسي والإيطالي تقلّصا بنسبة 5,8 بالمئة و4,7 بالمئة على التوالي في الربع الأول من السنة.

وفرضت بريطانيا الإغلاق جرّاء كوفيد-19، والذي يبدأ تخفيفه حاليا، في 23 مارس.

وقال نائب خبير البيانات الوطني في قسم الإحصاءات الاقتصادية لدى مكتب الإحصاءات جوناثان آثاو إنه "مع تفشي الوباء، تأثّر كل جانب من جوانب الاقتصاد في مارس، ما تسبب بانخفاض النمو إلى مستوي شهري قياسي".

وأضاف أن "الوباء ضرب التجارة عالميا مع تراجع الواردات والصادرات البريطانية على مدى الشهور الأخيرة، بما في ذلك الانخفاض الكبير في الواردات من الصين".

وسجّلت بريطانيا أكثر من 32 ألف وفاة بالفيروس، في حصيلة تعد الأسوأ في أوروبا والثانية بعد الولايات المتحدة بحسب الأرقام المطلقة. وتدل مؤشرات على أن الحصيلة الفعلية أعلى من ذلك.

وعلى وقع الأزمة، أعلن وزير المالية ريشي سوناك دعم الموظفين من خلال خطة تساهم الحكومة بموجبها في دفع الرواتب بينما أعفى الأعمال التجارية من الضرائب وزاد المساعدات الاجتماعية.

وأعلن سوناك أن خطة الحكومة المرتبطة بدفع الرواتب ستمدد حتى نهاية أكتوبر.

وتدعم الخطة الحكومية 7,5 مليون وظيفة ما يضمن حصول الموظفين على 80 بالمئة من رواتبهم الشهرية حتى 2500 جنيه استرليني (3100 دولار أو 2800 يورو).

وخفض بنك انكلترا بدوره كذلك معدل الفائدة الرئيسي إلى 0,1 بالمئة وضخّ 200 جنيه استرليني في الاقتصاد البريطاني لتشجيع المصارف على إقراض الأعمال التجارية المتضررة.

في الأثناء، بدأ رئيس الوزراء بوريس جونسون هذا الأسبوع تخفيف بعض إجراءات الإغلاق.

وتسمح التغييرات التي دخلت حيّز التنفيذ الأربعاء للسكان في بريطانيا بقضاء مزيد من الوقت في الخارج ولقاء أصدقائهم في حديقة والبحث عن عقار للبيع.

لكن لا يزال يحظر على البريطانيين زيارة أقارب أو أصدقاء في منازلهم.