يقف العالم مشدوهًا أمام جائحة كورونا التي فاجأته منذ بداية العام، وتنذر بالاستمرار إلى أجل غير مسمى بانتظار ابتكار لقاح وعلاج ناجعين. إلى أن يتم ذلك، تقارب الدول أزماتها الاقتصادية كل على طريقتها، توازيًا مع إجراءات صارمة لوقف انتشار العدوى التي أنهكت الاقتصادات وخلفت الضحايا بالآلاف.

إيلاف من دبي: لا تخلف جائحة كورونا ضحايا بشرية فحسب، إنما تترك هذا العالم في أزمة اقتصادية خانقة جدًا، بسبب الإغلاق العام الذي أوقف نشاط أكثر من نصف البشرية، وأرهق العديد من الاقتصادات، حتى القوية منها، ما دفع بالحكومات وصناع القرار حول العالم في حيرة من أمرهم، بين التضحية بالاقتصاد حفاظًا على الأرواح، أو المغامرة بعدوى جامعة تخلف عددًا غير محدد من الضحايا لإنقاذ الاقتصاد، وكلا الخيارين مرّ.

حتى بلوغ القرار المرير، تقارب الدول أزمة كورونا الاقتصادية بحسب قدراتها، بموازاة جهود مضنية لحصر الوباء والتقليل من عدد الإصابات.

الخليج العربي: سياسة الحزمة جزيلة

ضخت حكومات الخليج حزمًا مالية بمليارات الدولارات لتجاوز تداعيات تفشي فيروس كورونا الذي طال قطاعات حيوية، وضرب أسواق المال. وتتجاوز قيمة حزم الدعم المعلنة في السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وعمان 100 مليار دولار.

في السعودية، تعادل حزم التحفيز الحكومية للأفراد والمنشآت والمستثمرين نحو 8.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة البالغ نحو 704 مليارات دولار، وفقا لصحيفة "الاقتصادية". وخصصت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) برنامجًا قيمته نحو 13.3 مليار دولار بدعم القطاع الخاص، وخصوصا قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة. كما تم تخصيص 12.53 مليار دولار لدعم القطاع الصحي، و13.3 مليار دولار لتعجيل سداد مستحقات القطاع الخاص.

شملت المبادرات السعودية خصم 30 في المئة من قيمة فاتورة الكهرباء للمستهلكين في القطاعات التجارية والصناعية والزراعية لشهري أبريل ومايو. وسمحت الحكومة للمشتركين بالقطاع الصناعي والتجاري سداد نصف قيمة فاتورة الكهرباء الشهرية لفواتير أبريل ومايو ويونيو، على أن يتم تحصيل المستحقات المتبقية على دفعات.

قدمت الإمارات حزمةً تحفيزية قدرها 77 مليار دولار، وخفضت وزارة الاقتصاد الإماراتية رسوم 94 خدمة للمتعاملين الأفراد والشركات وقطاع الأعمال، ووصل التخفيض في بعض الخدمات إلى 98 في المئة.

تشمل الحزمة قروضًا مضمونة بفائدة صفرية والسماح باستخدام احتياطيات رأس المال الزائدة للمصارف وتخفيض مخصصات قروض المشاريع الصغيرة والمتوسطة وزيادة نسبة القروض إلى القيمة لمشتري العقارات السكنية لأول مرة والإعفاء من الرسوم المصرفية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والإعفاء من جميع رسوم خدمة الدفع التي يتقاضاها البنك المركزي الإماراتي لستة أشهر، ورفع الحد الأقصى لتعرض المصارف للقطاع العقاري، وتخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي من الودائع تحت الطلب بمقدار النصف.

كما خفض مصرف الإمارات المركزي سعر الفائدة على سياسته مرتين بمقدار 125 نقطة أساس خلال شهر مارس الماضي.

قروض وإعفاءات

اعتمدت قطر تقديم عدة محفزات مالية واقتصادية بمبلغ 20 مليار دولار لدعم القطاع الخاص، تشمل تأجيل أقساط القروض والتزامات القطاع الخاص، مع فترة سماح مدة 6 أشهر من السداد، وإعفاء السلع الغذائية والطبية من الرسوم الجمركية مدة 6 أشهر، وإعفاء قطاع الضيافة والسياحة، وقطاع التجزئة، وقطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة والمجمعات من رسوم الكهرباء والماء.

في الكويت، اعتمد مجلس الوزراء الكويتي حزمة اقتصادية تصل تكلفتها إلى نحو 5 مليارات دولار كمرحلة أولى، وتقرر ضخ 1.6 مليار دولار في ميزانيات الوزارات والإدارات الحكومية الكويتية لمواجهة تفشي الوباء.

في البحرين، جرى اعتماد قرارات وإجراءات مالية بقيمة 11.4 مليار دولار، شملت مشروع قانون لدعم رواتب المواطنين العاملين في القطاع الخاص مدة ثلاثة أشهر من خلال صندوق التعطل.

وأعلن البنك المركزي العُماني قرارات عدة لدعم البنوك العاملة بسلطنة عمان وشركات الصرافة والتمويل، تستهدف توفير سيولة إضافية متاحة في حدود 20.8 مليار دولار.

أميركا: نحو فائدة سالبة

في الولايات المتحدة، وهي من الدول الأكثر تضررًا من جائحة كورونا بشريًا واقتصاديًا، يتوقع المراقبون أن تقترب نسبة البطالة من 20 في المئة، أي ضعف ما شهدته خلال أزمة 2009 المالية. وقد أشارت وزارة العمل في الولايات المتحدة في 7 مايو الجاري إلى أن أكثر من 3 ملايين شخص انضموا الأسبوع الماضي للمرة الأولى إلى لوائح المطالبين بتعويضات البطالة. ومنذ منتصف مارس، ناهز عدد هؤلاء 33,5 مليون أميركي.

يقدّر بعض الاقتصاديين خسارة 28 مليون وظيفة في الولايات المتحدة في أبريل الماضي. وللمقارنة، فإن الأزمة المالية العالمية التي استمرت عامين أسفرت عن خسارة 8,6 ملايين وظيفة. واستناداً إلى هذه الأرقام، لم تعد الأزمة المالية تشكل مرجعاً للمقارنة، إذ تخطتها أرقام 2020 بشكل كبير، ويتوجب بدلاً من ذلك العودة إلى أرقام كساد الثلاثينيات.

شهد الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، ذات الاقتصاد الأول في العالم، تراجعًا بنسبة 4,8 في المئة في الفصل الأول من العام الحالي، وهو أقسى انخفاض منذ الفصل الرابع من عام 2008، وبلغ حينها 8,4 في المئة.

الاقتصاد أولًا

لذا، كانت المقاربة الأميركية اقتصادية، مع إصرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب فتح الاقتصاد الأميركي، ولو كلف ذلك المزيد من الضحايا بسبب كورونا. فقد اتخذ البنك المركزي الأميركي سلسلة تدابير لدعم الاقتصاد والأسر والمؤسسات، منها خفض معدل الفائدة إلى الصفر تقريبًا وتخفيف استثنائي للقواعد للسماح للمصارف بالإقراض وضخ السيولة في النظام المالي، مع توجه قريب نحو خفض سعر الفائدة إلى أقل من الصفر، أي إلى فائدة سالبة.

حتى اليوم، ضخّ البنك الفيدرالي تريليونات عدة من الدولارات في سوق الأسهم والسندات، وخفض الفائدة إلى صفر، لكن الاقتصاد الأميركي يتأرجح على حافة الهاوية مع تزايد البطالة وإفلاس الشركات، ما دعا ترمب إلى تبني فائدة سلبية على الدولار، متبنيًا دعوات رفعها خبراء في سياسات النقد والمال في أميركا، أشهرهم رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي الأسبق الآن غرينسبان ونظيره بين بيرنانكي الذي يرى أن الفائدة السالبة ربما تكون مفيدة للاقتصاد الأميركي، ومفادها أن تأخذ البنوك المركزية فائدة على إيداعات المصارف التجارية لديها بدلاً من منحها عوائد وأرباحاً، كما أن المودع ربما سيطالب البنك بسداد رسوم على إيداع أمواله بحسابه في البنك كما يحدث حالياً في بعض البنوك الأوروبية.

أوروبا: عام كورونا المؤلم

في أوروبا، يتكلم الاقتصاديون عن "عام كورونا" في الدلالة على حصيلة مؤلمة من العجز والديون، مع وقوف أسواق المال الأوروبية على شفير انهيارات محتملة، ربما تتداعى بتأثير الدومينو الذي سيهوي باليورو. وقد أجمعت الدول الأوروبية على مقاربات شبه جذرية، تقوم على خفض البنوك المركزية نسبة الفائدة، وتقديم الدول الدعم للأفراد وللشركات على حد سواء، لأن استهلاك الأفراد هو الذي سيعافي الشركات والمصانع وينهض بالاقتصاد. كما تقوم هذه المقاربة على منح الأفراد والمؤسسات والشركات قروضًا متوسطة وطويلة الأجل من دون فائدة، وتأجيل سداد الديون أو الأقساط المستحقة للدولة والمصارف إلى ما بعد انتهاء أزمة كورونا.

في أبريل الماضي، قال كلاوس ريجلينج، مدير صندوق إنقاذ منطقة اليورو، إن أوروبا ستحتاج إلى 500 مليار يورو أخرى من مؤسسات الاتحاد الأوروبي لتمويل تعافيها اقتصادها من تداعيات كورونا. واتفق وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في 9 أبريل على شبكات أمان للدول والشركات والأفراد تساوي في مجملها 540 مليار يورو. وسمح البرلمان الأوروبي بإعادة توجيه غير مسبوقة لأموال سياسة التماسك الأوروبي لمعالجة آثار أزمة الصحة العامة وتخصيص مليارات من أموال الاتحاد الأوروبي للرعاية الصحية تحت اسم "أداة دعم الطوارئ"، وأيضاً لتعزيز القدرة الطبية الطارئة، كما سمح بتمويل إضافي للمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، إلى جانب تدابير أخرى.

سياسات احتواء

في ألمانيا، قال وزير المالية الألماني أولاف شولتس إن ألمانيا ربما تتمكن من احتواء التأثير المالي لأزمة كورونا من دون تجاوز مستويات الدين التي تمت الموافقة عليها، "إذا تعافي الاقتصاد في النصف الثاني من العام".

وعلق البرلمان الألماني كبح الديون لمكافحة الأزمة في 25 مارس مع ميزانية تكميلية يبلغ حجمها 156 مليار يورو، و100 مليار يورو لصندوق للاستقرار الاقتصادي، و100 مليار يورو في شكل ائتمانات لبنك تنمية القطاع العام. واستهدفت هذه الإجراءات في المقام الأول تمويل الرعاية الصحية ومساعدة الشركات.

في فرنسا، توقع وزير المالية برونو لو مير في منتصف أبريل الماضي أن ينكمش اقتصاد بلاده 8 في المئة في هذا العام بدلًا من 6 في المئة. وصرح وزير الميزانية جيرالد دارمانين لموقع "فرانس إنفو" أن تمديد الحجر الصحي في البلاد "يفرض ضغطًا إضافيًا على المالية العامة ليصل العجز في ميزانية القطاع العام إلى مستوى قياسي لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عند 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي"، علمًا أن الحكومة الفرنسية رفعت قيمة حزمة إجراءات الدعم للاقتصاد إلى 100 مليار يورو، أي إلى أكثر من 4 في المئة من الناتج الاقتصادي.

بريطانيا والهند: دعم الشركات

في بريطانيا، قال بنك إنكلترا المركزي إن البلاد تتجه صوب أكبر تراجع اقتصادي تشهده في أكثر من 300 عام بسبب إجراءات العزل، وإن الاقتصاد البريطاني على مسار الانكماش بنسبة 25 في المئة في الأشهر الثلاثة المنتهية في يونيو، بينما ستقفز البطالة إلى أكثر من 9 في المئة.

وعلى مدى عام 2020، يواجه الإنتاج في بريطانيا خطر الانكماش بنسبة 14 في المئة، وهو تراجع سنوي لم تشهد البلاد مثله منذ أوائل القرن الثامن عشر. لكن مصرف إنكلترا تنبأ بانتعاش اقتصادي سريع في 2021، وتسجيل نمو بنسبة 15 في المئة مع تخفيف إجراءات العزل.

ونشر وزير الخزانة ريشي سوناك ميزانيته في أبريل الماضي، وتضمنت حزمة بقيمة 30 مليار جنيه إسترليني لتعزيز الاقتصاد وإخراج البلاد من الأزمة. وبحسب "بي بي سي"، تتضمّن الإجراءات الجديدة دعماً لشركات صناعة الطيران التي عطّلها حظر السفر وانهيار الطلب.

إلى ذلك، أعلنت الهند تخصيصها 266 مليار دولار لدعم اقتصادها المتعثر في ظل كورونا، وقالت وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيتارامان إن الشركات الصغيرة ستتمكن من الحصول على قروض قيمتها 40 مليار دولار من دون تقديم ضمانات حتى 31 أكتوبر المقبل. كما ستمنع الشركات الأجنبية من تقديم عطاءات لعقود تصل قيمتها إلى 26.5 مليون دولار لحماية الشركات المحلية.

تعادل حزمة التحفيز المالي الحالية نحو 10 في المئة من الإنتاج السنوي للاقتصاد الهندي، إلّا أن محللين في "سيتي بنك" يقولون إن تأثيرها الفعلي أقرب إلى 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بعد احتساب تدابير الإغاثة التي اتخذتها الهند مسبقاً، واحتمال امتداد النفقات عبر أكثر من سنة مالية واحدة.