بيروت: تغلب الدموع الإثيوبية تيرسيت بعد إنهائها توضيب حصص غذائية مخصصة لعاملات في الخدمة المنزلية وجدن أنفسهن بلا عمل بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان، وتنتقد بشدة نظام الكفالة الذي يجعلها وبنات بلدها تحت رحمة أرباب عملهن.

وتقول الشابة (30 عاما) بانفعال "هذه المكاتب تبيعنا"، موضحة "إذا جئت للعمل لدى سيدة ولم يعجبني، قد تضربني أو تمنع عني الطعام. وإذا أردت تغيير المنزل أو المغادرة إلى بلدي فلا أستطيع".

وتضيف "تقول لي المدام +أنا اشتريتك، إدفعي لي ألفي دولار وغادري الى حيث تشائين+".

ويعيش في لبنان نحو 250 ألفاً من عمال الخدمة المنزلية، غالبيتهم العظمى من النساء اللواتي يحملن تصاريح عمل ويتحدر القسم الأكبر منهنّ من إثيوبيا. ولا يشمل قانون العمل عاملات المنازل المهاجرات اللواتي يخضعن لنظام كفالة يربط إقامتهن القانونية بعلاقة تعاقدية مع أرباب العمل.

ويمنح هذا النظام أصحاب العمل "سيطرة شبه كاملة" على حياة العاملات الأجنبيات، ويجعلهن عرضة لكل أشكال الاستغلال وسوء المعاملة مقابل رواتب ضئيلة تتراوح بين 150 و400 دولار.

ولا يمكن للعاملة بموجب النظام الذي تندّد به منظمات حقوقية وإنسانية، فسخ العقد من دون موافقة المشغل الذي يصبح كفيلها، بعد دفعه مبلغاً يتراوح بين ألفين وخمسة آلاف دولار لمكاتب الاستقدام. ولا يمنع القانون رب العمل من مصادرة جواز سفرها. وفي حال فرارها، تصبح إقامتها غير قانونية.

وتقول تيرست بحدّة "يجب أن يتغير شيء"، هي التي عانت على مدى 12 عاماً.

ومع تدفق العشرات من العاملات إلى مقر القنصلية الإثيوبية قرب بيروت، بعد طردهن من منازل مخدوميهن ومصادرة رواتبهن وحتى جوازات سفرهن على وقع الانهيار الاقتصادي المتسارع والعجز عن دفع رواتبهن بالدولار، تجددت المطالبة بإلغاء نظام الكفالة.

ويتزامن هذا المطلب مع حملة مناهضة للعنصرية اكتسبت صدى حول العالم أجمع بعد مقتل المواطن الأميركي الأسود جورج فلويد في 25 مايو اختناقاً على يد شرطي أبيض في مينيابوليس.

عبودية حديثة

أعاد الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ العام الماضي وهو الأسوأ منذ عقود، تسليط الضوء مجدداً على مساوىء نظام الكفالة. فمع شحّ الدولار والقيود المصرفية المشددة، باتت شريحة واسعة من اللبنانيين عاجزة عن دفع الرواتب بالدولار للعمال الأجانب في منازلها أو مؤسساتها.

وبات بعضهم يدفع بالليرة اللبنانية التي تدهورت قيمتها وأصبح تحويلها الى الدولار عملية خاسرة للعمال الذين يرسلون الأموال إلى عائلاتهم. وانتشرت ظاهرة تسريح العاملات أو إعادتهن الى المكاتب التي استقدمن عبرها أو حتى رميهن أمام قنصلية بلادهن.

ووصلت أكثر من مئة إمرأة، وفق ناشطين، إلى أمام القنصلية، غالبيتهن بعد طردهن من قبل مشغليهن من دون أن ينلن مستحقاتهن وسط أزمة كورونا المستجد التي أغلقت المطار منذ منتصف مارس.

ولم تجد العديدات منهن آذاناً صاغية لدى القنصلية، ما اضطرهن للنوم على الرصيف في العراء بانتظار تأمين مأوى لهن.

وبحسب منظمة "أطباء بلا حدود" فقد تم نقل ست عاملات إلى المستشفى لمعاناتهنّ من كآبة شديدة، بينهن من تعرضن لعنف جسدي وجنسي.

خارج القنصلية، رُفعت لافتة "أنهوا (نظام) الكفالة، رحّلوهن"، كما جمعت عريضة على الانترنت تصف نظام الكفالة بـ"عبودية حديثة" ثلاثين ألف توقيع منذ مطلع الشهر الحالي.

وبحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش أصدرته العام 2008، تموت عاملة في الخدمة المنزلية كل اسبوع في لبنان، غالبيتهن جراء الانتحار أو الاقدام على رمي أنفسهن من طوابق مرتفعة غالباً خلال محاولتهن الفرار. ويُرجح ناشطون أن يكون العدد تضاعف.

وعثر الخميس على عاملة إثيوبية مشنوقة داخل منزل مخدوميها في شرق لبنان، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية للاعلام.

ليست قمامة

تطالب المنظمات الدولية لبنان بإلغاء نظام الكفالة وليس اصلاحه. وتقول الباحثة لدى منظمة العفو الدولية ديالا حيدر لفرانس برس إنه على السلطات إلغاء هذا النظام وجعل العاملات يخضعن لأحكام قانون العمل ومنحهن الحق في تكوين نقابات.

وتعمل وزارة العمل مع منظمة العمل الدولية من أجل تحسين شروط عقد العمل الموحد.

وتضمنت المسودة الأخيرة التي نوقشت الجمعة، وفق حيدر، "حق العاملات (...) في إنهاء العمل عند الرغبة وفي تغيير العمل من دون الحصول على موافقة رب العمل الحالي".

إلا أنه لم يصار إلى اقراره بعد، وفي حال تمّ ذلك، "فلا يُعد تبني عقد جديد كافياً ما لم يتضمّن آليات تفتيش وتطبيق" لئلا تتكرر حالات الطرد التي جرت خلال الأسابيع الماضية.

وتوضح حيدر أن "عقد العمل الموحّد الحالي ينصّ على دفع الرواتب في الوقت المحدد وتوفير السكن وتغطية نفقات بطاقات عودتهن، إلا أنّه في غياب آلية تطبيق، يشعر أرباب العمل أنه بإمكانهم خرق العقد والنفاد من العقاب".

والعديد من العاملات اللواتي توافدنّ إلى أمام مقر قنصلية بلادهن، لا يحملن جوازات سفرهن، ما يجعل تعقب أرباب عملهن مهمة صعبة.

ويتحدث مصدر أمني لبناني لفرانس برس عن "ظاهرة جديدة يلجأ لها بعض الكفلاء اللبنانيين"، مشيرا إلى أنهم "صاروا يرمون الفتيات الأثيوبيات في الشارع ثم يعمدون إلى الادعاء عليهن بجرم سرقة المنزل".

ويقول إن "الهدف التخلّص من الدفعة الشهرية لعاملة المنزل الأثيوبية ومحاولة للتهرّب من باقي الدفعات المترتّبة عليهم".

وتقول الناشطة الإثيوبية تسيجيريدا بريهانو (25 عاماً) إنها تحلم بإلغاء نظام الكفالة يوماً ما، لكن حتى ذاك الحين، تحثّ أرباب العمل على إبداء التعاطف.

وتضيف المتطوعة في مؤسسة "إنيا لينيا" غير الحكومية، التي أسّستها عاملات مهاجرات في لبنان وتُعنى بالدفاع عن حقوقهن، "حتى لو لم يكن لديك المال، لا ترميها في الشارع".

وتشدد على أن العاملة "ليست قمامة. هي إنسان مثلك".