طرابلس: معارك على مشارف العاصمة الليبية طرابلس، ويعتقد رغم الدمار، بان انطلاقة جديدة ممكنة بعد هذه الحرب، تماماً كما في أعقاب كل الحروب التي عرفتها بلاده في السنوات الماضية.

ويقول محمود متفحصاً المباني المدمرة التي كانت مخزناً لبضائع مصنعه للمطابخ في عين زارة بضواحي طرابلس "هذا الموقع هنا كان قلب مشروعي(...)، من هذا المكان تخرج المنتجات إلى صالات(العرض)الموزعة على طرابلس".

في المناطق الصناعية المحيطة بالعاصمة، تعرضت المصانع والمتاجر الصغيرة لأضرار هائلة بعد 14 شهراً من المعارك بين حكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها الأمم المتحدة والمشير خليفة حفتر الذي يسيطر على شرق البلاد وجزء من جنوبها.

وأطلق حفتر في نيسان/ابريل 2019 عملية عسكرية للسيطرة على طرابلس مقر حكومة الوفاق، لكنه لم ينجح في محاولته.

يؤكد الشركسي البالغ من العمر نحو 40 عاماً وهو يقف وسط الحطام بنبرة التفاؤل "رغم الدمار، سنستأنف العمل سريعاً".

وفسّر الصعوبات التي واجهته طيلة الأعوام الماضية،"فكرة المشروع جاءت بعد حرب 2014 فكرنا بالمشاركة في مرحلة الإعمار في ليبيا، لحاجة البلد إلى مشاريع صغرى في التصنيع (المحلي)، فبدأنا وسار المشروع جيدا بالرغم من الظروف الصعبة(...)، كان دائما لدينا الأمل بأن البلد سيستقر".

وتابع والحسرة تعلو وجهه "كبر المشروع إلى أن جاءت حرب 2019 فأنهت كل شيء تقريبا(...)،يحتاج المشروع إلى إعمار من الصفر".

وتسببت الحرب التي اندلعت عام 2014 بانقسام سياسي حاد في ليبيا، وأفرزت حكومتين في غرب وشرق البلاد، وادت الى دمار وتوقف طال المئات من المصانع، إلى جانب هجرة العديد من رجال الأعمال إلى الخارج.

وواجه العديد من أصحاب الأعمال، على غرار الشركسي، ضربات مماثلة كلما اندلعت مواجهات فاقمت تشرذم بلد مثقل أصلاً ب42 عاماً من ديكتاتورية معمر القذافي الذي أسقط وقتل عام 2011.

عند وصوله إلى الحكم عام 1969، ألغى القذافي بشكل شبه كامل وجود القطاع الخاص في البلاد، فقد استبدل كل المدارس والمصانع والشركات والمكتبات والمتاجر والفنادق الخاصة بمؤسسات حكومية.

ونتيجة لذلك، تضم ليبيا اليوم مليوني موظف حكومي من أصل 6,6 ملايين نسمة، تشكل رواتبهم نسبة 59% من ميزانية الدولة، وفق البنك المركزي الليبي.

ترغب فئة أصحاب الأعمال حالياً، الشابة والدينامية، بالخروج من هذه الحلقة المفرغة والانطلاق بشكل مستقل.

يشير الشركسي إلى أنه "لا يوجد نقص في الفرص". ويمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة ان تشكل محركاً للنمو في البلاد، لكن لتحقيق ذلك، يجب على الحكومة التي تعتمد حصرياً على عائدات النفط أن "تقرر التخلي عن الاقتصاد الريعي لصالح الخصخصة"، بحسب الشركسي.

- "عقبات عديدة" -

توضح نسرين قدح من وكالة "إكسبرتيز فرانس" للتعاون التقني والدولي لفرانس برس أن "عقبات عديدة أضعفت غالبية الشركات المتوسطة والصغيرة الليبية (...) لأن المصارف ترفض منح تمويلات للشركات المتوسطة والصغيرة والشركات الناشئة".

لكن، تضيف قدح، "عقلية الشباب تبدلت. أدرك كثر منهم أن المستقبل هو للقطاع الخاص، وليس للقطاع العام".

وترى الخبيرة أن "الطريق لا يزال طويلاً" ضمن نظام مساراته معقدة، فتسجيل شركة خاصة يتطلب "عملية طويلة ومؤلمة...ومكلفة".

يوافق مروان البوعيشي على هذا الرأي، لكن هذا الحداد البالغ من العمر 47 عاماً يرى أن مكافحة الفساد والاستقرار الاقتصادي هما الأولوية، من أجل طمأنة المستثمرين.

ويقول ساخراً "بات الفساد مبتذلاً بشكل يثير القلق. ما لم تكن فاسداً، لا تعدّ ذكياً بما فيه الكافية لعالم الأعمال"، وذلك فيما يحصي أضرار مشغله المدمر جزئياً.

وأعرب أيضاً عن استعداده لإطلاق عجلة عمله من جديد.

- استطلاع الفرص -

لم يتحمل وليد فتحي من جهته الضربة، فأغلق "متجره وسرح عماله وغادر ليبيا" عام 2015، بسبب النزاع الذي دار لعدة أشهر بين مجموعات مسلحة متناحرة في طرابلس ومحيطها.

ولكن عمل شركته الإعلانية التي تأسست عام 2006 يسير بشكل جيد.

يقول فتحي البالغ 45 عاماً "أردنا...أن نخلق شيئاً في البلاد ومن أجلها"، لكن شركته الصغيرة التي تضم عشرات الموظفين "لم تتحمل الضربة"، بسبب انعدام الأمن المتزايد.

ويكمل "نهبت مستودعاتنا...وسرقت طابعاتنا المستوردة من ألمانيا كما الورق والحبر"، وهي بضائع تقدر قيمتها بنحو 170 ألف دولار.

عاد وليد لزيارة ليبيا لبضعة أيام، لكنه علق بسبب الإغلاق الناجم عن تفشي فيروس كورونا المستجد.

وحتى لا يجلس "عاطلاً من العمل"، وجد نفسه من جديد وكما في بداياته يوزع بطاقاته على تجار وسط المدينة، من أجل استطلاع الفرص لأن الحياة، بالنسبة له أيضاً، ليست سوى "بدايات جديدة على الدوام".