إيلاف من بيروت: سجل الناشطون البيئيون والثوار في لبنان نصراً بيئياً بامتياز مساء أمس بعدما أجبروا البنك الدولي على إلغاء قرض لتمويل بناء سدّ في لبنان، يقولون إنه قد يدمر منطقة غنية بتنوعها البيولوجي والتاريخي والأثري.

وقاد الثوار حملة طويلة الأمد ضد المشروع الممول من البنك الدولي، والذي من شأنه أن يلحق أضرارا جمة بوادي بسري والغابات الكثيفة والأراضي الزراعية، فضلاً عن عدد كبير من المواقع التراثية. وقد منعوا المتعهد من مباشرة الأشغال في المنطقة أو استقدام آلياته إليها بعدما نصبوا خياماً في الموقع ولم يبرحوها منذ أشهر.

ويعرف مرج بسري بأنه موقع إحدى أقدم مدن لبنان التاريخية، وما زالت آثار هذه المدينة ظاهرة للعيان، تنتظر خبراء الآثار ليكشفوا عن شواهدها التاريخية.

والموقع نفسه سار فيه السيد المسيح بحسب خبراء عندما جال بين المدن العشر كما تخبر أناجيل العهد الجديد، وهو يحتوي على مئات المواقع التاريخية والتراثية، كما يعتبر محطة رئيسية لهجرة الطيور عبر العالم، وموئلاً طبيعياً للكثير من الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض.

وأعلن البنك الدولي في بيان الجمعة إنه كان حذر الحكومة اللبنانية من سحب اتفاقه "بسبب شروط أولية لم تتحقق لبدء البناء".

وأُقرّ قرض تمويل هذا المشروع في العام 2014، وكان من المقرر بناء السد في منطقة وادي بسري، على بعد ثلاثين كيلومتراً جنوب العاصمة لتأمين مياه الشفة لـ1,6 مليون نسمة في منطقة بيروت الكبرى.

وأعلن البنك الدولي في بيان صباح السبت أنه أبلغ الحكومة اللبنانية "قراره بإلغاء المبالغ غير المصروفة من مشروع زيادة إمدادات المياه (مشروع سد بسري) نتيجة لعدم إنجاز البنود التي تشكّل شروطاً مسبقة للبدء بأعمال بناء السد".

وأوضح أن "قيمة الجزء المُلغى من القرض تبلغ 244 مليون دولار أميركي، ويدخل الإلغاء حيّز النفاذ فوراً".

وكان إنشاء السد يحظى بدعم من ميليشيا حزب الله ورئيس الجمهورية ميشال عون، في حين أن متعهد الأشغال هو أحد المقربين من رئيس التيار الوطني الحر النائب حبران باسيل.

وتبلغ كلفة مشروع السد 617 مليون دولار، بينها 474 مليوناً من البنك الدولي. وكان من المفترض ان يصبح ثاني أكبر سدود لبنان على أن تصل قدرة استيعابه الى 125 مليون متر مكعب ستتجمع في بحيرة تقارب مساحتها 450 هكتاراً.

وفي يونيو الماضي، علّق البنك الدولي المشروع جزئياً، الأمر الذي اعتبره ناشطون انتصاراً لهم.

واحتشد الثوار في 26 تموز أمام مكاتب البنك الدولي وسط بيروت للتعبير عن رفضهم للمفاوضات الجارية مع صندوق النقدالدولي بشأن موقع بناء سد بسري. وحملوا لافتات تتضمن رسائل مثل: "أوقفوا تدمير مواقع التراث"، و"البنك الدولي يدمر أرضنا، أنقذوا بسري".

وكان من المقرر بناء هذا السدّ في منطقة وادي بسري، على بعد ثلاثين كيلومتراً جنوب العاصمة اللبنانية. ويُتوقع أن يؤمن المشروع مياه الشفة لـ1,6 مليون نسمة في منطقة بيروت الكبرى.

وكان البنك الدولي بانتظار رد من الحكومة اللبنانية حول مسائل أثارت "قلقه" واعتبرها شروطاً مسبقة تتضمن الانتهاء "من وضع خطة التعويض الإيكولوجي" كجزء من التقييم البيئي والاجتماعي للمشروع. وهي تتضمن إعادة التشجير والحد من مخاطر الحرائق، ومن الانتهاء "من وضع ترتيبات التشغيل والصيانة" و"تواجد المقاول في موقع العمل" في الرابع من أيلول/سبتمبر.

وأوضح بيان المؤسسة الدولية أن الحكومة اللبنانية لم تعالج تلك المسائل على النحو المطلوب، و"اعتبارا من الموعد النهائي المتفق عليه في الرابع من سبتمبر 2020، لم يتلق البنك الدولي أدلة مرضية على أن البنود الثلاثة المطلوبة قد تحقّقت"، لذلك قررت المؤسسة إلغاء المشروع.

ورغم تطمينات سابقة من الحكومة اللبنانية والبنك الدولي إلا أن ناشطين بيئيين ومزارعين يعربون عن خشيتهم من تداعيات بناء السدّ، لما سيترتب عنه من مصادرة عدد كبير من الأراضي الزراعية وقطع آلاف الاشجار والقضاء على تنوع بيولوجي لافت يميز تلك المنطقة.

وبعد سنوات من التحركات ضد المشروع، أعاد الحراك الشعبي الذي شهده لبنان لأشهر عدة منذ 17 نوفمبر، الروح في الحملة المعارضة لبناء سد بسري. وجرى تنظيم تحركات عدة من اعتصامات وتظاهرات وحتى اقتحام لموقع المشروع.

ويأتي قرار إلغاء المشروع في وقت يشهد لبنان أزمات متتالية من إنهيار اقتصادي متسارع ووضع معيشي صعب إلى انفجار مرفأ بيروت المدمر والذي تسبب بخسائر اقتصادية تتراوح بين 6,7 و8,1 مليارات دولار، وفق تقديرات البنك الدولي.

وفي ظل الوضع الحالي، أكد البنك الدولي استعداده للعمل مع الحكومة اللبنانية لتحديد كيفية استخدام مبالغ مشروع سد بسري المبلغى "بأكبر قدر من الفعالية لتلبية احتياجات الشعب اللبناني المستجدة".