واشنطن: تباهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما زار مصنع "ويرلبول" في أوهايو في آب/اغسطس بأن سياساته التجارية أدت إلى خلق نحو مئتي وظيفة في معمل الشركة المصنعة للمعدات المنزلية.

لكن عبر فرضه رسوما جمركية على المعدات المنزلية ومكوّناتها المستوردة من الصين استجابة لمناشدات "ويرلبول"، أضر الرئيس في نهاية المطاف بالمستهلكين الأميركيين إذ ارتفعت أسعار الغسالات والمجففات بشكل كبير.

ويسلّط هذا المثال الضوء على التداعيات ذو الحدين لسياسات الرئيس الأميركي التجارية المتشددة التي أثمرت من جهة عن اتفاقيات تاريخية على غرار الاتفاق المشترك بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا وهدنة جزئية مع الصين، لكنها تسببت من جهة أخرى بتداعيات سلبية على المواطنين الأميركيين العاديين والاقتصاد بالمجمل.

وقال المتخصص في التجارة لدى مجلس العلاقات الخارجية للأبحاث إدوارد ألدن إنه "كانت هناك بعض النجاحات، لكن إذا تم تقييم الوضع بالمجمل، فإن الولايات المتحدة في وضع أسوأ تجاريا مما كانت عليه عندما وصل دونالد ترامب إلى السلطة".

ويتفق جيفري غيرتز من معهد "بروكينغز" مع هذا الرأي، مشيرا إلى أنه لا يرى أي مكاسب بالمجمل بالنسبة للعمال الأميركيين من سياسة ترامب التجارية.

وأشار إلى التحسينات التي طرأت "في مجالات صغيرة وضيقة معدودة" على غرار صناعات الصلب والألمنيوم. لكنه نوّه إلى ردود الفعل المعادية التي أثارتها سياسات ترامب من الخارج.

وقال غيرتز "تفرض العديد من الدول الأخرى رسوما انتقامية على الولايات المتحدة وعلى الكثير من صادرات الولايات المتحدة الزراعية".

وجعل ترامب من إعادة إحياء قطاع الصناعة بين أهم محاور حملته الانتخابية قبيل اقتراع الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر الذي سيتنافس خلاله مع الديموقراطي جو بايدن، لكن البيانات تظهر أن لدى إدارته سجّل متناقض في هذا الصدد.

وخلق ترامب في أول ثلاث سنوات من عهده فرص عمل في قطاع الصناعة تتجاوز تلك التي توافرت في آخر ثلاث سنوات من حكم سلفه الديموقراطي باراك أوباما، وفق وزارة العمل.

كما أنه أبرم الاتفاق التجاري مع كندا والمكسيك الذي تضمن بنودا تعزز التوظيف في الولايات المتحدة عبر اشتراط أن يكون نحو نصف إنتاج أميركا الشمالية من السيارات من قبل عاملين أجورهم مرتفعة إضافة إلى تشديد أحكام العمالة التي تجبر المكسيك على إصلاح قوانينها.

وبينما بإمكان هذه الإجراءات أن تعيد مصانع السيارات في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة، إلا أن ذلك لم يتحقق تماما حتى الآن.

وبات قطاع الصناعة يساهم اليوم في أقل من 10 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي الأميركي بينما يقدّر كبير خبراء الاقتصاد لدى "أكسفورد إيكونوميكس" غريغوري داكو بأن سياسات الرئيس الحمائية كلّفت الاقتصاد الأميركي حوالى نصف نقطة مئوية في النمو خلال عامين.

وقال داكو "هذه نسبة كبيرة"، نظرا إلى أن معدّل النمو في الولايات المتحدة يبلغ 2%.

وبينما تراجع العجز التجاري مع الاقتصاد الخصم -- الصين -- في عهد ترامب، إلا أن العجز الإجمالي ارتفع بنسبة 22,8 في المئة بين العامين 2016 و2019، في مؤشر على أن الشركات متعددة الجنسيات باتت تفضّل دولا مصدّرة أخرى.

وأفاد داكو أن الصعوبات في إعادة إحياء التصنيع الداخلي ناجمة عن تحوّل اقتصاد الولايات المتحدة إلى اقتصاد الخدمات وعولمة سلاسل الإمداد.

وقال إنه "على الرغم من رسالة الرئيس الهادفة لدفع الناس للتصديق بأن الصين تدفع الرسوم على الواردات الأميركية، من الواضح أن المستهلكين والشركات هي الجهات التي تتحمّل العبء".

وأدت رسوم ترامب الجمركية إلى ثورات في بعض الصناعات بما في ذلك الفولاذ، إذ رفعت المؤسسة الأميركية للصلب الدولي دعوى ضد الرسوم قبل عامين في قضية تنظر فيها المحكمة العليا.

وقال رئيس تنفيذي لإحدى شركات إنتاج الصلب في الولايات المتحدة تحدّث لفرانس برس شرط عدم الكشف عن هويته إن العديد من مصانع الصلب التي حاولت إعادة فتح أبوابها كانت متقادمة أكثر مما يسمح لها بالاستمرار، فسرعان ما أغلقت مجددا.

وأفاد "لا تساعد الحروب التجارية أي جهة إذ يتمسك الطرفان بمواقفهما".

وأشار غيرتز بدوره إلى الزراعة كمثال آخر على ما يمكن أن يحدث عندما تخفق الرسوم في تحقيق الهدف المرجو مها.

وبعدما انهارت أسعار المواد الزراعية الأولية في 2018، أنفقت الحكومة عشرات مليارات الدولارات لدعم المزارعين لكن معدلات الإفلاس ارتفعت مع ذلك بنسبة 20 في المئة.

وقال غيرتز "يضر ذلك حقا بقطاع الزراعة الأميركي. تستجيب الولايات المتحدة عبر دعم قطاع الزراعة لموازنة الأمور، وينتهي الأمر بالمجمل دون نتيجة".

ونصّ اتفاق "المرحلة الأولى" التجاري الذي وقعته واشنطن مع بكين في كانون الثاني/يناير من العام الجاري على زيادة الصين لمشترياتها من المنتجات الزراعية الأميركية.

وأفاد غيرتز أن التأثير الأكبر لسياسات ترامب كان إضفاء الكثير من الضبابية على عالم المال والأعمال والتسبب بتراجع نسبته 98 في المئة في الاستثمارات الخارجية المباشرة بين العامين 2016 و2019، بحسب وزارة التجارة.

وأضاف "لم يكن لأحد أن يعرف ماذا سيكون إعلان ترامب التالي".

وأوضح "هذا النوع من الضبابية مضر كثيرا بالنسبة للأعمال التجارية. الشركات مترددة للغاية في القيام باستثمارات في ظل هذه الضبابية حيال السياسة" المتبعة من قبل الإدارة.