واشنطن: قاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحزب الجمهوري لإعادة تحديد مبادئه الاقتصادية بشكل لم يكن يتوقعه كثيرون.

فقد حلت السياسات الحمائية محل التجارة الحرة، كما تضخم حجم المديونية الوطنية وتراجع الاهتمام بتحقيق توازن في الميزانية الأميركية، في ما وصفه خبراء بأنه تغيير في العقيدة الاقتصادية قد يصمد حتى في حال خسر ترامب الانتخابات الرئاسية التي تشهدها الولايات المتحدة الثلاثاء.

وقال إدوارد ألدن أحد كبار أعضاء مجلس العلاقات الخارجية إن "الحزب الجمهوري لن يعود إلى ما كان عليه قبلا"، مضيفا "ثمة ارتباك واسع على صعيد العقيدة الحزبية التي يشوبها غموض كبير حاليا".

وستخضع هذه الرؤية الاقتصادية لتصويت الناخبين خلال الاستحقاق الرئاسي الذي يسعى ترامب خلاله للفوز بولاية ثانية بمواجهة منافسه الديموقراطي جو بايدن.

كذلك، يمكن أن يشكّل فوز الديموقراطيين بعدد كبير من مقاعد مجلس الشيوخ مقدمة لانتزاعهم السيطرة على هذا المجلس في الكونغرس من الجمهوريين. لكن بصرف النظر عن الحزب الذي سيسيطر على البيت الأبيض والكونغرس بعد انتهاء المعركة، فإن السياسة الاقتصادية التي أرساها ترامب مرشحة للاستمرار وفق أستاذ السياسة التجارية في جامعة كورنيل إسوار براساد.

وقال براساد "يبدو أن الحزب الجمهوري أبرم مع ترامب ما يشبه عقدا مع الشيطان، إذ تخلى عن بعض مبادئه الاقتصادية الأساسية من أجل دفع أجندته الاجتماعية قدما إلى جانب خفض الضرائب ورفع القيود وإمالة النظام القضائي يمينا".

وأضاف "مهما كانت نتيجة الانتخابات المقبلة، فقد غيّر ترامب جوهر الحزب الجمهوري ونبرته بطرق سيستغرق تغييرها وقتا طويلا".

قبل انتخاب ترامب سنة 2016، كان الحزب الجمهوري يولي أهمية خاصة إلى التجارة الحرة، لكن إدارة ترامب فرضت رسوما على استيراد بضائع بمئات مليارات الدولارات إلى الولايات المتحدة، خصوصا من الصين وأوروبا.

وكان تحقيق توازن في الميزانية الأميركية الضخمة المثقلة بالديون نقطة خلافية أخرى داخل الحزب الجمهوري، لكن ترامب أرجأ المهلة المحددة لبلوغ هذا المسار خمس سنوات إضافية حتى 2035 ووافق على تخصيص ثلاثة آلاف مليار دولار كمساعدة لدعم الاقتصاد لمواجهة تبعات جائحة كوفيد-19.

وبعدما استخدم الجمهوريون المخاوف بشأن حجم المديونية الأميركية لإحباط طموحات سلفه الديموقراطي باراك أوباما، أوضح ترامب في العام 2019 أن لجم الديون لم يعد أولوية، متحدثا عن تحسين في النفقات العسكرية.

وقال ترامب في البيت الأبيض "إذا لم يكن لدينا جيش قوي، فلا داعي للقلق بشأن الديون إذ ستكون لدينا مشكلات أكبر".

لكن ترامب لم يفكر دوماً بهذه الطريقة. فهو كتب عبر تويتر سنة 2013 "لا أصدق أن الجمهوريين يوسّعون سقف الديون، أنا جمهوري وأشعر بالحرج!"، وذلك في خضم معركة بين الجمهوريين في الكونغرس وباراك أوباما حيال رفع سقف المبلغ الذي يمكن للولايات المتحدة، أكبر اقتصاد عالمي، أن تقترضه.

في السنة المالية المنتهية في 30 سبتمبر من العام الجاري، بلغ عجز الميزانية الأميركية 3,1 تريليون دولار، أي أكثر من ضعف ذروته السابقة.

لكن في سنة 2012، غرّد ترامب عبر تويتر قائلا "العجز خلال عهد باراك أوباما هو الأعلى في تاريخ أميركا. لماذا يعمل على إفلاس بلدنا؟"

نجح ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض بدعم خصوصا من الناخبين البيض من الطبقة العاملة المحبطين من سياسات واشنطن، وغيّر عناصر من السياسة الأميركية لاعتماد نهج أكثر شعبويّة.

وقال جيفري غيرتز الخبير في معهد "بروكينغز" إن ترامب، وعلى عكس الجمهوريين من قبله، لم يهاجم شبكة الأمان الاجتماعي في الولايات المتحدة، كما أن الكثير من تعليقاته الأكثر تشددا لم تتحول في نهاية المطاف إلى سياسات رسمية.

ومع ذلك، فقد حاول ترامب التأثير على التعاملات التجارية الخاصة بدرجة كبيرة. وقال غيرتز إن رفضه للتجارة الحرة "هو في الحقيقة التجلي الأوضح للتباعد بين ترامب وسياسات الجمهوريين".

وقد تطرق ترامب إلى هذا التباعد، وكتب عبر تويتر هذا الشهر "أنا لا أبدو كسياسي عادي في واشنطن لأني لست سياسيا".

لكن وراء هذه السياسات الشعبوية، استنفد "الحزب الجمهوري أفكاره"، وفق ألدن الذي قال "إلى أن يتمكنوا من صياغة أفكار جديدة، أظن أن الجمهوريين سيبقون في موقع رد الفعل دائما. إذا كان الديموقراطيون في السلطة، فإن الجمهوريين سيكونون دائما في المرصاد ضد كل ما يفعله الديموقراطيون".