دبي: قد تكون الروبوتات التي تتجوّل في موقع معرض إكسبو العالمي في دبي دليلاً على تطور كبير آتٍ إلى منطقة الخليج الثرية حيث يتم بناء مدن جديدة من الصفر محورها الرئيسي الذكاء الاصطناعي.

وتمتد مدينة إكسبو على مساحة تبلغ ضعف مساحة إمارة موناكو، ضمن مشروع ضخم بلغت تكلفته نحو سبعة مليارات دولار ويعتمد على أحدث التقنيات ومن بينها شبكة الجيل الخامس.

وكانت وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي التي تتولّى الإدارة العامة لمكتب "إكسبو 2020 دبي" أكّدت لوكالة فرانس برس قبيل افتتاح المعرض العالمي الشهر الماضي أنّ الموقع سيتحوّل إلى "مدينة جديدة" دائمة ومركز لصناعة التكنولوجيا.

وليست هذه المدينة الذكية التي تضمّ روبوتات ترحّب بالزوار ويمكن استخدامها لطلب الطعام، الوحيدة في منطقة الخليج حيث يتم استثمار إيرادات النفط بكثافة لضمان مستقبل ما بعد الخام.

معيشة ذكية

فالسعودية المجاورة تسعى لتحصيل استثمارات بقيمة 500 مليار دولار في نيوم، المدينة الحديثة التي تبنيها في البحر الأحمر لتوفير معيشة ذكية لسكانها الذين سيبلغ عددهم مليون نسمة، قد تشمل مستقبلاً سيارات أجرة طائرة.

ويشكّل الذكاء الاصطناعي محور المشاريع السعودية الأخرى بما في ذلك مشروع البحر الأحمر، المنطقة السياحية الجديدة التي ستستخدم أنظمة ذكية لرصد الآثار البيئية وتحرّكات الزوار.

ويرى خبراء أنّ دول الخليج مستعدّة للمراهنة بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، مع ابتعادها مستقبلاً عن صناعات الوقود الأحفوري وانخراطها في قطاعات التكنولوجيا والسياحة والخدمات وغيرها.

رؤية مستقبلية

ويقول كافيه فيسالي من شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" الشرق الأوسط للخدمات المهنية لوكالة فرانس برس "تملك الحكومات (في الخليج) القدرة على أن تكون أكثر استراتيجية"، مشيرًا إلى خطط التطوير على مدى عشرين وحتى خمسين عاماً تعتبر إحدى سمات حكومات منطقة الخليج.

ويضيف أنّ هذه الاستراتيجية "ليست اعتيادية في القطاع الخاص ولا في الغرب".

ويرى أنّ القيادات اليوم في الخليج "تتمتّع برؤية مستقبلية، تحب المخاطرة وتدرك الحاجة إلى التحوّل".

ويشير إلى أنّ معظم شركات الذكاء الاصطناعي في دول الخليج حكومية بالكامل، أو على الأقل شبه حكومية، ولذا فإنّها لا تتعرّض لضغوط كبرى لتوليد إيرادات قصيرة الأجل.

أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا من منهاج التعليم في مدارس البحرين الابتدائية، وتخطّط الإمارات لاستخدام طائرات بدون طيار للتوصيل الآلي، وتطمح دبي لأن تصبح 25 بالمئة من جميع وسائل النقل فيها ذاتية القيادة بحلول عام 2030. وهذه جميعها مؤشّرات إضافية على تطلّعات الخليج التكنولوجية.

ومن المتوقّع أن تبلغ حصة الشرق الأوسط من الاقتصاد العالمي للذكاء الاصطناعي الذي يقدّر بـ15,7 مليار دولار بحلول عام 2030، نحو 2 بالمئة فقط، وفقًا لشركة "برايس ووترهاوس كوبرز".

خطط طويلة الأمد

لكنّ محللين يقولون إنّ دول الخليج، البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات، تضع خططًا طويلة الأمد لتتجاوز اللاعبين العالميين الرئيسيين في هذا المجال في المستقبل.

وقالت "برايس ووترهاوس كوبرز" في تقرير مؤخّرًا إنّ معدّل النمو السنوي لسوق الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط يتراوح بين 20 و 34 بالمئة، تقوده الإمارات ثم السعودية، متوقّعة أن يسهم الذكاء الاصطناعي بأكثر من 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لكل من البلدين من بحلول 2030.

قد تكون المنطقة محافظة ثقافيًّا إلى حد ما، إلّا أنّ استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها تتميّز بأنها أكثر "ليبرالية وجريئة"، وفقًا لخبراء.

في عام 2017، عيّنت الإمارات أول وزير دولة للذكاء الاصطناعي لقيادة استراتيجية الذكاء الاصطناعي في البلاد التي تم إطلاقها في العام نفسه.

وتقول الإمارات إنها تطمح إلى أن تصبح واحدة من الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031، ما يخلق فرصًا اقتصادية وتجارية جديدة ويحقّق نموًا إضافيًا يصل إلى 335 مليار درهم (91 مليار دولار).

حلول الذكاء الاصطناعي

ويقول الرئيس التنفيذي لشركة "داتوكوم" لخدمات حلول الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات سيزار لوبيز "يبدو أنّ المنطقة تعتبر التخلّف عن الركب في مجال التقنيات الجديدة، خطرًا أكبر من أي شيء آخر".

ويضيف "المخاطرة للقيام بما لم يُقدم عليه الآخرون يؤدّي إلى تأسيس أعمال" مربحة.

وتستخدم شركته التي تتّخذ من الإمارات والسعودية مقرّاً، برنامجًا لمسح الحاويات التالفة والتعرّف عليها في ميناء جبل علي في دبي، أحد أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم.

ويقول لوبيز "قد يكون هذا أكثر أنظمة مساعدة الموانئ تقدّمًا على الإطلاق".

قاعدة البيانات الموثوقة

لكن رغم استثمارات الذكاء الاصطناعي في الخليج، فإنّ الإفتقار إلى قاعدة البيانات الموثوقة والتي يمكن الوصول إليها بسهولة، والتي تعد في صميم الأنظمة التكنولوجية، لا يزال يمثّل عقبة.

ويرى ستيفان روسون من شركة الإستشارات الأميركية "أوليفر وايمان" أنّ "الأمر سيستغرق بضع سنوات للوصول إلى ذلك لأنّ (طرق الوصول إلى) البيانات ليست متاحة بالشكل الكافي بعد" في منطقة الخليج.

وبينما بدت دول الخليج أكثر كفاءة في نشر البيانات بطريقة مركزية عبر منصات حكومية مختلفة، تمكّنت دول رائدة أخرى من إدارة مجموعات البيانات بطرق أفضل ولفترة أطول.

لكن روسون يرى أنّ واقع جمع دولة ما لقاعدة البيانات، أمر له مميزاته، إذ إنّ الشركات الخاصة في الغرب لا تنخرط في أي عمل "ما لم يكن فيه ربح أساسي لها".