محمد الأمين ndash; لاهاي: عن دار نشر quot;نيquot; في طهران صدر مؤخرا كتاب quot;الرسائل والبيانات السياسية والاجتماعية لعلماء الشيعةquot; من اعداد وتوثيق الباحثين محمد حسن رجبي وفاطمة رؤيا بور معتمد. ويضم الكتاب كما يدل عنوانه على مجموعة من الرسائل والفتاوي والوثائق المدونة لعلماء الشيعة منذ العهد القاجاري والى الحقبة التي سبقت قيام الثورة الدستورية. الوثيقة الاولى في هذا الكتاب خصصت لرسالة المرجع الديني ميرزا قمي وينصح فيها الملك القاجاري آقا محمد خان قاجار تجنب ظلم الناس. كما أحتوت الصفحات الاولى من هذا الكتاب على مجموعة من فتاوي علماء الدين الشيعة والتي تدعو الى الجهاد ضد الروس على خلفية الحروب التي دارت بين الروس والايرانيين. ثم تعقبها رسائل مختلفة لعلماء الشيعة في مواضيع متعددة. وفي مقدمتها رسائل تحذر فتحعليشاه من التقرب الى الطرق الصوفية التي كادت ان تنتصر على المدرسة الاصولية العقلانية الشيعية آنذاك واخرى تدعم انشاء السكك الحديد في المملكة الفارسية
وحينما نصل الى فترة حكم ناصر الدين شاه 1848-1896 سنكون ازاء فترة حرجة في التاريخ الايراني عرّضت السيادة الوطنية الى مخاطر جمة وفي مفدمتها التدخل الاجنبي في الشأن السياسي الايراني ممثلا ببريطانيا العظمى. وهذا ما يجعل مواضيع الرسائل في تلك الحقبة مركزا على التحذير من التدخل الاجنبي في الحياة الايرانية ودعوة ناصر الدين شاه للكف عن ارتكاب الظلم ضد الناس.
وتحتل الرسائل التي كتبها السيد جمال الدين الأسد آبادي (الأفغاني )حيزا كبيرا في هذا خصوصا وانه كان في طليعة رجال الدين المعادين لسياسة ناصر الدين شاه. فبعد ان تجاهل ناصر الدين شاه وصدره الأعظم أمين السلطان الرسائل التي دعاهما فيها الأسدآبادي لاصلاح امور البلاد، اضطر الأخير لتحرير جملة من الرسائل من منفاه في البصرة وجهها للميرزا الشيرازي المرجع الديني الأبرز للشيعة آنذاك وهي رسائل تحريضية تدعوه لاعلان الثورة ضد ناصر الدين شاه quot;ياحصن الدين المنيع. ماذا تنتظر الآن وقد تزلزلت أسس الشريعة؟ انت يا رجل الحق هل ارتضيت بالحياة الدنيا وهل رضيت الذل بدل الموت سيدي ان اعلنتم الثورة انتصارا للحق سيتبعكم الناس جميعا وسوف تترسخ سيادتكم عليهمquot;
ويورد الكتاب مجموعة من الرسائل التي يخاطب فيها الميرزا الشيرازي ناصر الدين شاه ويحذره من: مفاسدمداخلات خارجيquot;.
ومن ثمرات رسائل الأسدآبادي quot;الأفغانيquot;الموجهة الى الميرزا الشيرازي تلك الفتوى الشهيرة التي أصدرها الشيرازي من سامراء والتي حرم فيها تدخين التبغ نظرا لاحتكاره من قبل شركة بريطانية quot;اليوم استعمال تنباكو وتوتون بأي نحو كان در حكم محاربه با امام زمان عجّل الله فرجه استquot; وقد اضطر ناصر الدين شاه الى الغاء الامتياز الآنف الذكر والذي عرف بامتياز بعد مظاهرات واسعة في طهران واصفهان وشيراز وتبريز نظمها رجال الدين وبعد ان اثرت الفتوى حتى في داخل البلاط الملكي فقد منعت أنيس الدولة وهي أكثر زوجات الملك نفوذا من تدخين القليون امتثالا لفتوى الشيرازي.. واعتبرت تلك الحركة هي المواجهة الأولى بين رجال الدين والسلطة الحاكمة بالرغم من رسائل الشكر التي وجهها الميرزا الشيرازي لناصر الدين والتي يشكرها فيها على استجابته لفتوته ويبارك لرجال الدين في طهران موقفهم المؤازرله.
وكما يدل عنوان الكتاب فان الرسائل الواردة فيه اقتصرت على تلك التي حررها رجال الدين الشيعة وجاء خلوا من الرسائل التي وجهها ناصر الدين شاه والصدر الأعظم أمين السلطان الى علماء الدين. الأمر الذي يربك السياق الذي وردت فيه الرسائل والشروط التي دعت الى تحريرها.
ويضم الكتاب رسائل لجمع من علماء الشيعة يعلنون فيها عن دعمهم لquot;شركت اسلاميquot; للمنسوجات والتي أسسها آقا نجفي اصفهاني أحد أشهر علماء الدين في مدينة اصفهان لوضع حد لنفوذ وهيمنة الشركات الاجنبية في ايران عموما وفي اصفهان تحديدا باعتبارها المدينة التي شهدت أكبر وأضخم المشاريع الأقتصادية الحديثة في ايران.
دعوة المسلمين الى الاتحاد ومناقشة أسباب انحطاط المسلمين هما من المحاور الرئيسية في التي تتطرق اليها الرسائل باسهاب.
يذكر ان اغلب الرسائل تم تحريرها باللغة العربية باعتبارها اللغة المعتمدة في البلاط القاجاري. وقد قام الباحثان محمد حسن رجبي وفاطمة رؤيا بور معتمد بنقلهما الى اللغة الفارسية.
ويمكن القول ان كتاب الرسائل والبيانات السياسية والاجتماعية لعلماء الشيعة يعتبر جهدا توثيقيا هاما في مجال رصد العلاقة بين رجال الدين الشيعة والسلطة في ايران في العهد القاجاري وهو العهد الذي شهد تفسخ تلك العلاقة الوثيقة التي جمعت بين السلطة السياسية والعقيدة الشيعية في العهد الصفوي. كما يساهم الكتاب في تسليط الضوء على الشروط التي ساهمت في تهيئة الأرضية اللازمة لثورة الدستور 1906 والتي تستعد النخب الثقافية الايرانية للاحتفاء بمئويتها واقامة الندوات والمحاضرات الفكرية باعتبارها الحدث الأهم في الفكر السياسي الايراني في القرن العشرين.