شهدت مدينة أمستردام في التاسع من حزيران الحالي يوما عراقيا حافلا بفعاليات ثقافية وفنية حمل عنوان quot;العراق بين الأسطورة والواقعquot;، بتنظيم من مؤسسة quot;ميكارتquot; rdquo;MECARTrdquo; وهي مؤسسة تعني بالحوار الثقافي بين اوربا والشرق الأوسط.
وقد قدم روبرت سوتيرك الخبير في الشؤون العراقية في محاضرته وجهات نظره عن التاريخ السياسي العراقي الحديث، إضافة الى استنتاجاته عن الإشكاليات الرئيسية في الحياة السياسية والثقافية العراقية وقد دعّمها بامثلة من زيارته الأخيرة الى كردستان العراق، المتزامنة مع مهرجان المدى الثقافي: quot;quot;في زيارتي الأخيرة لم ألحظ أي نفس طائفي أو أثني بين المثقفين العراقيين، ورغم انتشار ظاهرة الخطاب الديني والمذهبي في العراق، تبيّن لي عبر متابعتي وحواراتي مع المثقفين العراقيين، أن العلمانية هي الأساس في الحياة الثقافية العراقية.quot;وأضاف سوتيرك :quot;من ناحية أخرى يرجح بعض المحللين خيار التجزئة كحل وحيد لوضع حد للمشاكل الخطيرة ولكنه خيار سوف يؤدي الى مشاكل أكثر عنفا وتعقيدا، كما سيوفر فرصة كبيرة للقوى الاقليمية للتدخل في الشؤون العراقيةquot;.
أما الشاعر العراقي شعلان شريف، فقد تطرق في محاضرته الى تحول العراق من متأثر بالتيارات التحديثية في مصر ولبنان في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين الى المؤثر الأكبر في الشعر العربي المعاصر منذ منتصف القرن الماضي، كما بحث شريف في تعاطي الشاعر العراقي مع الشأن السياسي، و انتقاله من الالتزام السياسي ذي الصيغة الحزبية والأديولوجية الى تأسيس رؤية شعرية للحدث السياسي.
أما دنيكا هاوزنخا وهي باحثة هولندية في تاريخ الفن الشرق أوسطي فقد تحدثت عن موضوع الهوية في الفن التشكيلي العراقي، سواء عبر بحث مطول يتطرق لهذه الثيمة من وجهة نظر الرواد، او عبر ذكر شهادات الفنانين التشكيليين الذين حاورتهم هاوزنخا في السنوات الأخيرة، وهي شهادات تتراوح بين رفض قاطع لأفهومة الهوية باعتبارها متنافية مع الإنتماء للفن كخوض دائم في المجهول، وبين أطروحات تؤكد على الهوية والخصوصية العراقية في الفن التشكيلي وتستمد أدلتها من المنجز الفني في القرن الثالث عشر للميلاد quot;الواسطي، تحديداquot; ولاشك في أن لـ quot;جماعة بغداد للفن الحديثquot; موقع الصدارة في إثراء المفاهيم المرتبطة بالخصوصية والإنتماء.
وقد تم، في نهاية المحاضرة عرض نماذج من أعمال فنانين تشكيليين عراقيين من أجيال مختلفة.
الفقرة المهمة الأخرى من يوم الثقافة العراقية، كانت مخصصة لحفل توقيع كتابquot; ضوء المتاهة وقراءات شعرية مع مرافقة موسيقية للفنانين العراقيين جميل الأسدي ولطيف العبيدي، اضافة الى مقطوعات غنائية قدمها الفنان العراقي صالح بستان.
وقد صدر كتاب quot;ضوء المتاهةquot; الذي ضم قصائد لعشرة شعراء عراقيين مقيمين في هولندا عن دار نشرquot; باساجيهquot; الهولندية وبدعم من مؤسستين هولنديتين هما: المؤسسة الهولندية لدعم الآداب والترجمة التي تديرها السيدة سوزان ميوسن، وصندوق دعم الآداب ويديره السيد رولاند بوس.
ترجم القصائد الى الهولندية عدد من خيرة المترجمين الهولنديين، نذكر منهم كيس نايلاند ويان ياب ده راوتر، وكراولين يوزيت، quot;، وقد كتب الناقد العراقي حاتم الصكر مقدمة للكتاب جاء فيها (سيجد القارئ أن الشكل الحديث للقصائد لم يسلبها كثيراً من روح الشعر العربي ونكهته وأساليبه، وأبرز ما يمثل ذلك حضور ( الأنا) والذات الشعرية في مركز النص، توجهه بعذوبة صوب مناطق الحنين إلى المكان الأول ( العراق) وزمن ماض يصلح للاستذكار واستحضار صور الطفولة والشباب وجمال الأمكنة وشاعريتها ثم مقارنتها بالمكان الجديد والغريب بشراً ولساناً وثقافة، مما يمنح النصوص حياة ثانية في المنفى الذي كتبت فيه، فتتوتر لغتها وصورها وإيقاعاتها، كما تثير أكثر من محور موضوعي كالصلة بالمكان الأول كحاضنة رافقها عذاب دفع الكثيرين من شعراء هذه النصوص إلى الهرب.
الخسارات إذاً تجمع هذه القصائد، والأحزان المتجذّرة لا السطحية الغنائية هي مادتها، التي لا أشك أن القارئ سيتمثلها كما عانى الشعراء والشاعرات من أجل توصيلها، بطاقةِ الشعر التي تمتد من وطن بعيد معذب وجميل إلى منفى يراجع فيه الشعراء أنفسهم وماضيهم وحاضرهم).
التعليقات