الرياض

تشهد الساحة السعودية حراكاً اجتماعياً وتنموياً ضخماً، طاول نواحي أخرى من الحياة، فكان laquo;القضاءraquo; بوصفه البوابة الأبرز للإنصاف والانتصاف ورد المظالم، أحد محاور النهضة الجديدة التي تنشدها المملكة. وفي وقت يكثر فيه الترافع أمام العدالة بحثاً عن الحقوق، يأتي دور الإعلام في توعية الجمهور بأساليب التقاضي وأدواته، عبر إبراز النماذج الحية لقضايا نَظَرَ فيها قضاة البلاد من نواحي المملكة. وlaquo;الحياةraquo; بدورها ترحّب بما يندرج في هذا السياق، من جانب المهتمين، والمترافعين.

lt; اشتكى رجل إلى المحكمة قائلاً: بينما كنت أتفقد إبلي الخمس في حظيرتها بجانب منزلي الكائن في إحدى القرى، وجدت معها ناقة سائبة لحقت وانضمت معها بعد أن كسرت الحظيرة، وهي ضالة هاملة عن صاحبها، واجتهدت في طردها وإبعادها عن إبلي إلى حيث المراعي، ولكن لم أستطع التخلص منها، فكلما طردتها عادت، وكانت حينذاك لاقحة (حاملاً) وأنتجت عندي laquo;حواراًraquo; فيما بعد، وتضررت منها لكونها من الإبل الضاربة، إذ إنها تقوم بإتلاف الأعلاف وحظائر البهائم، وألفت إبلي فلم تعد تفارقها رغم إبعادي لها مرات عدة، كما أنني تضررت من الإنفاق عليها بالحَب والبرسيم والماء هي وحوارها منذ أن لحقت بإبلي في التاريخ المذكور وحتى تاريخه، إذ إنها أسوة إبلي في النفقة، وأنفق على الواحدة بما يقدر بعشرة ريالات يومياً، وأخبرت عنها السلطة، إذ تقدمت لرئيس مركز بطلب استلامها مني لضررها وخشيتي عليها من التلف لضعف المرعى أو الضياع بسبب الُسراق أو السباع ونحوها أو تعرضها للطرق (العامة) علماً أنني مكثت قرابة الشهرين لم أخبر عنها السلطة أملاً في العثور على مالكها، ولم أعثر عليه رغم اجتهادي في البحث والتحري عن مالكها في أماكن مجاورة عدة، وفي المركز ذاته في الأماكن العامة خاصة كالأسواق وعند الجوامع، وما زلت أبحث وأتحرى حتى تاريخه ولم أعثر على من يدعيها، ويئست من ذلك، علماً أن الناقة المذكورة صغيرة في الجسم حمراء اللون وسنها سديس وتحمل في فخذها الأيسر وسماً بالعرض عبارة عن مطرق بشكل خط مستقيم وفوقه نقطة يقال لها رقمة بهذا الشكل وشعرها متوسط الكثافة ومعها حوارها عمره الآن شهران.
نظراً لكل ما سبق أطلب إجراء ما يقتضيه الوجه الشرعي حيال استلام هذه الناقة من حوزتي للخروج من عهدتها وتخليصي من ضررها المادي والمعنوي وحفاظاً عليها من التلف والضياع، مع إعطائي النفقة التي يقررها الشرع عن مدة بقائها في حوزتي طيلة الفترة المذكورة، إذ إنها لا تخرج عن يدي إلا وقت طردها وتغيب عني الساعة والساعتين، ثم تعود وأنفقت عليها بنية الرجوع على مالكها.
بعد أن تم الرجوع إلى المعاملة، فوجدت مشتملة على استدعاء مقدم من الرجل المذكور إلى رئيس مركز يخبر فيه عما أشار إليه سابقاً ولم يتم استلامها منه لتعذر البلدية عن ذلك لعدم الاختصاص حسب خطابها الموجه لمركز. ولم ترد المعاملة إلى المحكمة إلا بخطاب شرطة بعد أن أخذت دورتها في جهات عدة، كما أحيلت الأوراق إلى مأمور بيت مال المحكمة لتطبيق مقتضي الفقرة العاشرة من البند الثالث الخاص بتحديد اختصاصات بيوت المال ومأموريها من التعليمات الخاصة بدوائر بيوت المال في المحاكم الشرعية والصادرة بالقرار التنفيذي من وزير العدل ذي الرقم 1126/2 في 13-11-1416هـ والمبلغة بتعميم وكيل الوزارة ذي الرقم 13/ت/874 في 26-11-1416هـ والمتضمنة تصرف بيت المال في الإبل الضوال بعد القبض عليها من الجهات المختصة واستلامها بموجب محضر يتضمن وصفها وحليتها ووسمها وتاريخ العثور عليها والإشهاد على ذلك، ثم استئجار راع لها مدة شهر، وبعد مضي المدة يراجع القاضي لأخذ الإذن منه في بيعها وحفظ القيمة إلى حين معرفة صاحبها، فأفاد مأمور بيت المال أنه لا يمكن استئجار راع لها، لعدم وجود رصيد في حساب بيت المال حالياً، ولو وجد فإنه لا يوجد من يقوم برعيها في هذه الجهة كما لا يوجد مكان لحفظها، ويرى إصدار الإذن ببيعها للمصلحة. كما ُطلب من الرجل بينة طبقاً لإنهائه فأحضر شاهدين، شهد كل واحد منهما بمفرده بجميع التفاصيل السابقة. وجرى إدخال مأمور بيت مال المحكمة طرفاً في القضية لاختصاص بيت المال بأموال الغيب والمجاهيل وحفظها عملاً بالفقرة الرابعة من تعليمات بيوت المال آنفة الذكر وغيرها من التعليمات، وجرى عرض ما تقدم عليه فقرر قائلاً: أؤيد ما أبديته سابقاً في خطابي ولا مانع لدى بيت المال من القيام بعمل ما تقرره المحكمة وفق المقتضى الشرعي بموجب حكم مصدق من التمييز. هكذا قال.
بعد ذلك جرت الكتابة لرئيس أقرب محكمة لتكليف هيئة النظر بإعداد تقرير يوضح نفقة المثل لتلك الناقة في تلك المدة حسب العرف، كذلك ثمن مثلها بمشاركة اثنين من أهل الإبل مع ذلك حليتها ووصفها ووسمها، فورد خطاب فضيلته ومشفوعه قرار هيئة النظر باشتراك اثنين من أهل الإبل المدون نصه بضبطه والمتضمن أنه تم تقرير نفقة الناقة المذكورة بمبلغ وقدره مئتي ريال (200) في الشهر الواحد اعتباراً من 20-5-1422هـ وأن ثمن مثلها مع حوارها يقدر بخمسة آلاف ريال سعودي (5000) وأن وصفها كما ذكره الرجل. وجرى تحليف الرجل استظهاراً عملاً بالاحتياط إن أنفق عليها في تلك المدة بنية الرجوع على مالكها.
الدلال يبحث عن أجره
بدراسة الأوراق وتأمل ما ضبط، ولما أقامه المنهي من بينة موصلة عادلة طبقاً لإنهائه، وبما أن النظر فيما أنهي عنه من اختصاص الحاكم الشرعي كما هو مقرر شرعاً ونظاماً، ونظراً إلى علاقة بيت المال بذلك باعتباره جهة شرعية معتبرة لتولي أموال الغيب والمجاهيل وحفظها كما هو منصوص عليه شرعاً ونظاماً، وبما أن الناقة المذكورة ضالة عن ربها حال كونه مجهول العين، ونظراً إلى أن الأصلح في حق الناقة المذكورة هو بيعها لعدم إمكانية تنصيب راع لها من بيت المال وعدم توفّر مكان لحفظها لدى بيت المال حسبما أشار إليه بيت المال، ولما يخشى عليها من التلف أو الضياع إضافة إلى كونها ليست ذات قيمة كبيرة، ومضت مدة كافية عرفاً ولم يعثر على صاحبها، وتركها أكثر من ذلك، والإنفاق عليها يفضي إلى أن تأكل جميع ثمنها، ولذا فإن بيعها هو ما تقتضيه المصلحة حفاظاً عليها ونفعاً لصاحبها، ولما ثبت من كون الناقة المذكورة يلحق منها ضرر وإتلاف، وثبت أنها في حوزة المنهي طيلة هذه المدة المذكورة ولم تخرج عن يده في الأعم الأغلب إلا فيما ندر - ولا حكم للنادر وهو ملحق بالغالب في الشريعة - ولما طلبه الرجل من النفقة، ولكون النفقة يرجع في تقديرها إلى المثل عرفاً، لأن العادة محكمة وكل ما لم يرد له حد في اللغة ولا ضابط له في الشرع فمرجعه للعرف، وبما أن المنهي يستحق النفقة عنها لكونه لم يأخذها ولم يلتقطها ليشمله النهي عن ذلك مما يسقط حقه في النفقة عليها لعدم الإذن في الالتقاط، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته لما سئل عن ضالة الإبل: laquo;مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربهاraquo; [الروض المربع شرح زاد المستقنع مع حاشية ابن قاسم 5/506]، وإنما أتته تلك الناقة قهراً وكرهاً ووجدها مع إبله في حظيرته بعد كسرها، وبذل وسعه في طردها وإبعادها بغير التخلص منها ولم يمكنه ذلك، كما أنه اجتهد في تعريفها، إضافة إلى أنه أخبر السلطة عن أمرها ولم ترد المعاملة للمحكمة إلا أخيراً، فكان له العذر في بقائها لديه قبل التبليغ عنها لاجتهاده في التحري عن مالكها وبعده بإبلاغ السلطة فكان محتسباً بذلك وlaquo;ما على المحسنين من سبيلraquo;، لاضطراره للإنفاق عليها لحفظ حياتها المحترمة وإحساناً لربها بحفظها وكف أذاها عنه، لأن القيام عليها بما يلزم لها من علف وغيره واجب شرعاً كما صرح العلماء، لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: laquo;عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعاً فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرضraquo;، ولما رواه النسائي من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: laquo;كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوتraquo;، وعند مسلم بلفظ: laquo;أن يحبس عمن يملك قوتهraquo; [فتاوى ابن إبراهيم 11/210، 211، توضيح الأحكام لابن بسام 5/140، قرار هيئة كبار العلماء في حكم النفقة على المواشي الضالة التي تتصل ببعض المواشي المملوكة رقم 141 في 9-11-1407هـ المعمم برقم 8/39/ت في 18-3-1408هـ ورقم 8/ت/130 في 13-8-1409هـ وفتاوى سماحة رئيس القضاء الشيخ محمد بن إبراهيم في حكم الضوال من الحيوان رقم 1127 في 23-11-1380هـ ورقم 606 في 3-7-1380هـ ورقم 1061/3 في 6-3-1383هـ ورقم 275/1 في 22/1/1385هـ ورقم 633 في 8/7/1380هـ laquo;التصنيف الموضوعي 3/34 وما بعدها، فتاوى ابن إبراهيم 9/9 وما بعدها]، وبما أن نفقته عليها كانت بنية الرجوع على مالكها، لأن الأصل في خروج المال على يد مالكه الضمان والعوض عنه لا التبرع، وتأكد بيمينه على ذلك، والقاعدة أن من أدى عن غيره ديناً واجباً بغير إذنه وبنية الرجوع عليه رجع، لتعذر الإذن هنا، وأن من أستفيد من جهته أمر من الأمور يرجع إليه في بيان جهاته إلا إذا قامت الحجة على خلافه [القواعد لابن رجب 137، القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير للحصيري 181]، وقررت هيئة النظر بالاشتراك مع اثنين من أهل الخبرة النفقة المثلية العرفية في تلك المدة وثمن المثل لها مع حوارها، ولما تقدم ثبت لدي أن المصلحة بيع الناقة المذكورة فعلاً للأصلح لها ولربها فأذنت ببيعها بأعلى قيمة يرسو عليها المزاد وتنتهي عندها الرغبات حتى لا تقل عن ثمن المثل المذكور بعاليه، ويشترط على المشتري أن تكون أجرة مناداة الدلال عليه حسبما يقدره العرف - وذلك من قبل بيت المال في مزاد علني بعد الإعلان عنه بالطرق النظامية المتبعة في إجراءات بيت المال وبمشاركة مندوب من الإمارة والشرطة وبحضور الرجل وتحرير محضر بالبيع يوضح صفاتها ووسمها وعلاماتها وتاريخ البيع والقيمة التي بيعت بها ومقدار الدلالة ودافعها ونحو ذلك، مع ضرورة تقيّد بيت المال بالتعليمات الإدارية المنظمة لعملية البيع ما قبله وما بعده المنصوص عليها في تعليمات بيوت المال ودليل الإجراءات ودليل الاختصاصات لبيوت المال، مع التقيد بمقتضى تعميم الوزارة ذي الرقم 13/ت/1536 في 30/12/1421هـ المنظم لعملية وقت البيع، وعلى بيت المال استلام القيمة وتوريدها وفق الإجراءات النظامية في حساب بيت مال المحكمة وتحريرها بشيك مصدق لأمر مأمور بيت المال في المحكمة لمصلحة مالك الناقة المجهول الغائب لحفظه له إلى حين معرفته وحضوره ودعواه وثبوت استحقاقه شرعاً بحكم قطعي بعد أن يحسم من قيمتها مٍٍقدار النفقة عليها تلك المدة وقدرها 1600 ريال حتى تاريخه تسلم للمنهي بشيك مصدق لأمر بيت المال لمصلحة المنهي المذكور، وإن لم يأت صاحبها فثمنها داخل في ضمن أموال بيت المال، لأنه أحق بالأموال المجهولة أربابها كونها من موارده الشرعية، علماً بأن الإذن ببيع الناقة المذكورة يشمل معها حوارها كونه تبعاً لها، وكذلك النفقة عليه داخلة في النفقة على أمه لصغر سنه، لأن التابع تابع لا يفرد بالحكم، وبما تقدم حكمت فقنعا به، وسينظم به صك يسجل ويرفع مع متعلقاته لمحكمة التمييز لتدقيقه بحسب المتبع كونه حكماً على غائب ويدور بين الغبطة والمصلحة من عدمها على أن تؤجل عملية البيع إلى حين رجوع الإذن مصدقاً من محكمة التمييز بحسب التعليمات، وبعد اكتساب الحكم القطعي من مرجعه وتنفيذه سيهمش على الصك وسجله بحصول تنفيذه ثم يحفظ ببيت المال بحسب المتبع، وقرر المنهي أنه من يوم غد إلى تصديق الحكم لا يطالب بما ينفقه عليها، كما أنه لا يطالب بالأجرة على حفظها ورعايتها.

laquo;التمييزraquo; تبارك حكم القاضي وتدافع عنه


lt; جرت الموافقة على الحكم بقرار التمييز المظهر على الصك برقم 476 في 19/2/1423هـ. وتقررت الأحكام والضوابط في هذه القضية عبر ما يأتي: أولاً: اختصاص المحكمة الشرعية بالنظر في أمر ضوال الإبل ونحوها لتجري ما تراه الأصلح في حقها بواسطة بيت المال، باعتبار القاضي الشرعي نائب ولي الأمر في مثل هذه المسائل. [فتاوى ابن إبراهيم 9/9، 11/211، تعليمات بيوت المال].
ثانياً: كل من أدى عن غيره ديناً واجباً بإذنه أو من دون إذنه لتعذره وكان الأداء بنية الرجوع فله الرجوع. [القواعد لأبن رجب 137].
ثالثاً: تقرير النفقات وتقديرها معتبر بالمثل والكفاية، ومرد ذلك إلى العرف والعادة، إذ لا توقيف في ذلك ولا حد من الشرع. [زاد المعاد لابن القيم 4/144، 145، 149].
رابعاً: كل مال جهل صاحبه أو غاب عنه، فحِفظُه منوط ببيت المال باعتبار الولاية العامة إلى أن يظهر له مالك وإلا استحقه بيت المال على قاعدة الغرم بالغنم. [تعليمات دوائر بيوت المال في المحاكم الشرعية في المملكة مع دليلي الإجراءات والاختصاصات، تحرير المقال للبلاطنسي 139].
خامساً: وجوب الإنفاق على البهائم والمحافظة عليها واحترامها، فهي أمانة خلقت للمنافع. [الروض مع حاشية ابن قاسم 5/506].
سادساً: الأصل في مال الغير الضمان، فلا يخرج عن يده إلا في مقابل عوض ما لم يصرح بخلاف ذلك. [نظرية الضمان لفيض الله 213 ].
سابعاً: ورود النهي شرعاً عن التقاط ضالة الإبل ما لم تكن إبلاً ضارية اعتادت الهجوم على مزارع الناس وأكلها وإتلافها، فإنه يلقي القبض عليها من ولي الأمر اتقاءً لشرها من ناحية وحفظاً لها حتى يأتي صاحبها، لا على أنها لقطة لاسيما إن كانت هزيلة ويخشى عليها التلف مع ضعف المرعى أو يخشى عليها من السراق واللصوص والسباع وغير ذلك. [فتوى سماحة رئيس القضاة ذات الرقم 1127 في 23/11/1380هـ، المبلغة بتعميم الوزارة ذي الرقم 8/ت/130 في 13/8/1409هـ. التصنيف 3/35، فتاوى ابن إبراهيم 9/9].
ثامناً: للقاضي توجيه يمين الاستظهار في كل حالة وجدت فيها العلة وهي التهمة والاحتمال في الدعوى، كما لو تعلقت بميت أو غائب ونحوه ذلك ليستظهر بها على باطن الأمر وحقيقته. [وسائل الإثبات للزحيلي 1/358 وما بعدها].
تاسعاً: ضالة الإبل إذا وجدها شخص فحفظها فلا أجرة له عليها، لأنه غير مأذون له بالتقاطها للنهي الوارد في ذلك شرعاً ما لم تكن ضارية، فله أجرة على حفظها للإذن في التقاطها حينئذ. [الفقرة الثانية من تعميم سماحة رئيس القضاة ذي الرقم 633 في 8/7/1380هـ. laquo;كتاب الأنظمة واللوائح 135raquo;].