حصة محمد آل الشيخ

لا أستغرب أبدا انطلاق أتون صيحات وهجمات الاستنكار كما ذكرت الزميلة نادين البدير الإعلامية السعودية إلى حد قرار حرمانها من الجنة، أو إدراج مقالتها ضمن أشراط الساعة، أو تكون مقالتها سببا للفجور وتشجيعا للفساد! متسائلة وحق لها: من يحدد حجم الإيمان؟ غير متكبر، يصر على ربط الدين بالوحشية ووقاحة الألفاظ! وإذ أشاركها إدراك الواقع المر لا أستنكر ما اتهمها به فئة المتشددين وquot;الصحونجيةquot; فهو ديدنهم مع كل امرأة تتجرأ على هز عروش أملاكهم للتشكيك في أحقيتها وشرعنتها المقدسة العابثة.
ما يستنكر أن ترى الليبرالي المنادي بالعدالة والمساواة يركب الموجة دفاعا عن عرش quot;سي السيدquot; و quot;شهريارquot; زمانه.. وانتفاضا لكرامة ذكورة أفَّاقة تعودت الظلم فأصبح رمزا لوجودها وعلامة فارقة لمستوى معيشتها الملكي وسط حاشية الجواري والخليلات، كأكبر رقعة استبداد تلازم عقل فرّغ من الهم الإنساني، ليكشف تشابه الهموم المشتركة بين فئات مختلفة وإن تنوعت طرقها وتسمياتها وتطبيقاتها.
هذا النوع بالذات المسمى ليبراليا أشد فتكا بحقوق المرأة وبالكرامة التي تطالب بها كإنسان كامل الأهلية.
كل من انتقد نادين في مقالتها quot;سلطانة وأربعة أزواجquot; أخرج متعمدا غاشما حديثها عن معناه وفرغ محتواه ليدفعه لسياقات تتفق وهوس الجسد وتضطرب كمفاهيم تخشى المعاملة بالمثل ليس حقوقا فقط بل شعور يزهو بإنسانية المرأة ويضعها بذات المستوى، وهو ماركزت عليه نادين، فقد حركت الجانب الشعوري الذي ظل قيد الكتمان، واستمر السكوت عنه علامة لإيمان موهوم يفرق بين القيم والشعور، ويقيم حواجز سدية متكلسة لمجابهة المساواة والعدالة ليؤسس مكانها للظلم والتعدي والقهر.
يستدعي خيال الليبرالي صوراً فاضحة مجاهرة كروافد استلهام نقدية، فيسقط في سمادير غيه وضلال اعوجاجه الملتف على القيم كذبا وادعاء.. ظاناً بلذعية نقده أنه يلامس بحكمته السماء!! بينما يطوف حول مناطق منحطة عشعشت في ذهنه وراودته ردحا من الزمن.
لمّع فؤاد هاشم عنوان مقالته quot;امرأة وأربعة رجالquot; لاستجداء القراء أو لتوجيه النظر في مقاله المتعدد الوجهات للجزء المتحدث عن نادين.. مدعيا كغيره أنها تدعو لتعدد الأزواج.. ولو أحضرنا صبيا مازال مبتدأ في فهم سياقات الحديث وارتباط الأسلوب - معنى وبعدا ودلالة بل وحتى رمزا- بالفكرة لأخبرنا ما تقصده نادين من مقالها.. خاصة وأنها صرحت خشية إعياء الرمز.
أعلن الكاتب أسباب سخريته الماجنة المتسائلة عن أول من يحق له الدخول بزوجة الأربع رجال، تعف عنها أصحاب المهج السليمة! وعرض صورة امرأة طباخة لسي السيد الليبرالي/الزوجة الخادمة، وأبرز مشكلة استصحاب أربعة رجال عند ابتعاث أحدهم؟! لم يكلف عقله الأسطوري الخرافي سؤال صاحب الأربع نساء عن بعثة لأمريكا التي لا تسمح بتأشيرتها لجواز سفر أحدهم لأكثر من زوجة، ربما محيط السفر لديه داخلي فقط، يناسب العروش ويحافظ على الملك العضوض؟!
وينهي السخف الهازئ وما فاضت به قريحة سوءة عقليته بتكريس نظرته الدونية والشيئية للمرأة، ليصمها بشيء تنتهي صلاحيته، فتصبح غير صالحة للاستهلاك الآدمي!
فرحت نادين لردود أفعال الذكور لكشفها البئر وغطائه، ولو أنهم مجرد غطاء واهن لو حُرّك أبسط حركة لتكسر وظهر جوفه المترهل بالتعدي والهمجية السادرة في وهم اللبرلة ذات الخصوصية العروبية الشرسة المتميزة بفحولة الغلاسة والقذارة والاستظراف المستهجن..أقلقهم مستوى مساواة الشعور والحقوق فثارت ثائرتهم بتمرد أهوج غاضب يشرع أسلحته لمجرد استنهاضٍ شعوريٍ بحت.
مقال نادين منطقي ناقش العقل بأسلوب أدبي رفيع وبطريقة حوارية راقية تضع الأمور في نصابها وتسمي الأمور والمشاعر بمسمياتها، فالعهر هوس جنسي سواء من رجل أو امرأة، والحزن شعور إنساني يستدره الظلم الغاشم، والخطأ واحد والمعايير الأخلاقية واحدة متى تحررت العقول، وبعد صحوة المنطق تساءل محدثها: هل أحسست الآن بالحزن وبشعور المرأة عند الخيانة؟! مصورة الفرق بين قوافل العبدات quot;الزوجاتquot; في قصر توبكابي العثماني، وصورة مثالية لا ترى في بيئتنا، لزوج أجنبي كهل مع زوجته الوحيدة، فالزمان يمر عليهما، وهما يحملان بعضهما وذكرياتهما وتاريخ حياتهما، كمثال للإخلاص والتفاني، وينطلقان بإنسانيتهما ليستمتعا، يتكئ أحدهما على الآخر، وتتلاقى نظراتهما حبا ومودة، فهل يُتهم صاحب الإعجاب الأحادي بالعهر والرغبة في التعدد يا quot;سي السيد فؤادquot;؟!!
تستدعي نادين أسباب الزواج بامرأة أخرى بطريقة تصور المرأة هي المعددة؟! وتسائل الرجل هل ترضى؟ لكن الجانب الإنساني ليس ضمن مقاييسه، فمقاييسه تقيم قصور أملاكه الشهوانية وتحافظ عليها ملء سمعه والبصر.
قبل نادين بنصف قرن، رأت شاعرة شعبية بسيطة زوجها يقبل زوجته الثانية، فأنشدت تعليقا على ما رأت:
لو أن ربي عمل معروف
وخلا المرة تاخذ اثنيني
لاحب هذا وهذا يشوف
عسى يجرب سهر عيني
هل أيضا ستتهمونها بذات التهم؟! تأكدوا قبل الإجابة أنها صرخة امرأة تحس بإنسانيتها وحقها بالمساواة ؟لا يعني أنها تريد ما تمنت لكنه لقاصري الفهم سؤال عقلها الباطن وإن أغضب معاشر الملوك.
نادين عبرت عن إيمانها بأحادية العلاقة، كونها تناسب العصر وتناسب شيئاً لم يجربه كثيرون اسمهquot;الحبquot;، فهل أجرمت؟!