د. سعد بن طفلة العجمي

أكتب هذه المقالة قبل ساعة من انتهاء العام الماضي 2009. حدث مهم وقع قبيل انتهاء العام الماضي تمثل في محاولة النيجيري الشاب عمر الفاروق عبد المطلب تفجير طائرة مدنية ليلة عيد الميلاد وعلى متنها مائتان وثمانية وسبعين راكباً - ناهيك عمن كان يمكن أن يكون ضحية على الأرض لو أنها انفجرت وتحطمت قبل هبوطها. الطائرة كانت في طريقها إلى مدينة ديترويت حيث تقطن أكبر جالية عربية في أميركا الشمالية، وحيث تتواجد واحدة من أكبر الجاليات الإسلامية خارج العالم الإسلامي.

قبل أسابيع، أصدر مجموعة ممن أطلقوا على أنفسهم علماء ومشايخ ودعاة بالكويت بياناً دانوا فيه الشيخ أحمد بن قاسم الغامدي - رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة، لأنه حسب بيانهم قال: quot;فتوى شاذةquot; تجيز المشاركة المشروعة بين الرجال والنساء والذي يسميه المتطرفون زوراً quot;اختلاطquot;. لاحظ أن الفتوى صدرت بمكة، والتصدي لها جاء من الكويت.

وقبل أيام، أصدر مئة ممن أطلقوا أيضاً على أنفسهم علماء من أهل السُنّة بالكويت بياناً ساندوا فيه مركزاً مثيراً للجدل بالكويت اسمه مركز quot;وذكّرquot; يطالب بالفرح في يوم عاشوراء لأنه اليوم الذي quot;نجّى الله فيه النبي موسى من البحرquot;! ردة الفعل لذلك البيان كانت بياناً مضاداً من خمسين شخصية شيعية كويتية -رجال دينهم وغيرهم- ينددون بمركز quot;وذكّرquot; ويطالبون بإغلاقه لأنه يثير الفتنة الطائفية بدعوته للفرح في ذكرى مقتل الإمام الحسين بن علي.

في يوم عاشوراء، قام انتحاري بتفجير نفسه وسط حسينية بباكستان قتل فيه العشرات وجرح المئات. تلاه بعد ذلك بيوم، تفجيران بالرمادي بالعراق استهدفا تجمعات بشرية غالبيتها سنّية وراح ضحيتهما العشرات من القتلى والجرحى.

تتوالى كل عام، فتاوى ومواعظ ومنشورات في الكويت وما جاورها، تحرم الاحتفال بعيد ميلاد المسيح quot;الكريسمسquot; وتحرم تهنئة المسيحيين بهذه الذكرى، وتنهى نهياً باتاً عن الاحتفال بليلة رأس السنة الميلادية أو التهنئة بها.

مهم أن نتذكر أن هذه البيانات وتلك التفجيرات تمت كلها باسم quot;الجهادquot; وبحجة الدفاع عن الإسلام! كما أن عمر الفاروق عبدالمطلب قد ارتكب ما ارتكب تحت نفس الشعار الجهادي.

لم تحرك تلك الدماء التي سالت ولا تلك المحاولة الإرهابية لتفجير الطائرة من أصدروا فتاوى تحريم الكريسمس أو تحريم quot;الاختلاطquot;، صمتوا كعادتهم عمن ارتكبوا الشنائع باسم الدفاع عن الإسلام، ولم تحرك فيهم تلك التفجيرات شعرة، ولم يتنادوا مثلما تنادوا للتحذير من الاحتفال بليلة رأس السنة، أو التهنئة بعيد ميلاد المسيح!

غريب أمر هؤلاء الذين يتسابقون لإصدار فتاوى حول تحريم التعليم المشترك- الاختلاط، ولكن خلط دماء الأبرياء لم يدفعهم إلى الغيرة على دين الإسلام، وإصدار فتوى تعلن براءتهم والدين الإسلامي الحنيف -الذي يدّعون الدفاع عنه- من هذه الجرائم التي ترتكب باسم دينهم، وترفع شعارات تدعي الذود عنه!

بعد العملية الفاشلة لعمر الفاروق عبدالمطلب، ستفرض المطارات العالمية ماسحاً (SCANNER) يعرّي كل مسافر، وسوف يكشف جسم الإنسان ليبدو من خلال جهاز الماسح كيوم ولدته أمه، يمكن أن يسمى هذا الماسح المُعَرّي quot;بالماسعرّيquot;، ويتساءل الواحد بعد ذلك عن رأي من يدّعون التصدي للدفاع عن الدين: هل سيقبلون أن يمروا عبر هذا الجهاز حين يذهبون لبلاد الغرب والنصارى quot;الكفرةquot; والمارقين لأي سبب كان؟ سواء كان للدراسة أو السياحة أو العلاج أو البزنس الحلال؟ وما هو رأيهم فيمن تسبّبوا بكشف عوراتنا وعورات نسائنا أمام الغرباء وquot;الكفارquot;؟

مع بداية العام الجديد، أتمنى للجميع عاماً سعيداً، وأدعو للجميع بستر عوراتهم وألا يمروا عبر quot;الماسعرّيquot;...وكل عام وأنتم بخير!