سليمان محمد المنديل

يمكن التأريخ لما أصطلح على تسميته quot;ظاهرة دبيquot; بدءا من عام 1980م، وهي بداية الحرب العراقية الإيرانية، حيث وجدت الدولتان المتحاربتان، في دبي، مركزاً للتمويل، والتموين، وتعزز ذلك الدور بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وبحث الجمهوريات السوفيتية السابقة عن منفذ لها بعيداً عن روسيا، وأوروبا. كل ذلك بالإضافة إلى استفادة دبي من حالة البيروقراطية الخانقة الموجودة في باقي دول الخليج، وأهمها السوق السعودية، وقامت دبي بعمل كل ما يلزم لجذب الشركات، وأهم تلك الإجراءات، تسهيل إجراءات التأشيرات.
ونتيجة لذلك قدمت دبي نفسها كمركز خدمات للاتصال، والترانزيت للطيران الدولي، وكذلك الحال بالنسبة للملاحة البحرية، ومستودعات التخزين، وإجراءات الجمارك السلسة، بالإضافة إلى خدماتها السياحية.
ومن السهل اليوم القول، إنه لو بقيت دبي على ذلك الدور الخدمي الهام، لتجاوزت الأزمة المالية بأقل الخسائر. ولكن قراراً استراتيجياً واحداً، ألا وهو تشجيع حمى العقار، دفع بالإمارة إلى استقطاب مختلف أنواع المشاريع العقارية من حيث الحجم، والنوعية، ومنها فنادق تحت البحر، وجزر اصطناعية... إلخ، كل ذلك كان أشبه بمن يقود دراجة هوائية، وعليه الاستمرار في تحريك رجليه، ولو توقف لسقط، وهذا ما حدث عندما توقف المستثمرون عن شراء الشقق على الخرائط، وتوقف الممولون عن التمويل.
أزمة دبي المالية لا تختلف عن النموذج الكلاسيكي، وهي تحدث عندما يتم تمويل أصول طويلة الأجل، بقروض قصيرة الأجل، ولا يساعد الأمور عندما تكون الأصول قد أشتريت بأسعار عالية. كما لم يساعد الأمور أن الشفافية كانت مفقودة، حول أصول، ومديونية الإمارة.
أعترف انه قبل الأزمة كانت هناك شريحة كبيرة من المعجبين بأداء دبي (وكنت أحدهم)، وإن كان مصدر إعجابي قد تركز على سلاسة اسلوب اتخاذ القرار، وقد سبق أن ذكرت مثلاً واحداً، ألا وهو عندما طرحت حكومة دبي مشروع المترو، فقد ضمت عملية التشغيل، والصيانة، ولمدة 15 عاماً، ضمن شروط مناقصة تنفيذ المشروع، وهو فكر متقدم لا تماثله حالة أخرى في المنطقة.
بعد مدة سيكتب عن تأثير الأزمة العالمية على دبي، وستوجه أصابع الاتهام إلى أشخاص، وإلى خطط، ومبادرات بعينها، أهمها مشاريع العقارات ... إلخ، ولكن بالنظر إلى باقي دول الخليج، فلن يجدي نفعاً التشفي بالحديث عن quot;فقاعة دبيquot;، وإنما عليها أن تستفيد من هذا الوضع المستجد، وتعيد الأمور إلى نصابها، وأعني هنا تحديداً أن كثيراً من الشركات الأجنبية التي تعمل في المملكة، وبعضها لديها عقود حكومية ضخمة، ومع ذلك فقد نقلت مقارها الإقليمية من المملكة إلى دبي، وذلك بسبب إجراءات التأشيرات، أو بسبب أوضاعهم العائلية ... إلخ.
ورغم أن وجود مكاتب إقليمية لتلك الشركات في المملكة قد لا يعني بالضرورة، قفزات كبيرة في التوظيف، ولكن لذلك مغازٍ عميقة، وتنوع ثقافي هام، وسأدعي أن وجود عدد كبير من مكاتب التمثيل في المملكة، هو أكثر نفعاً في مجمله، من عدد محدود من الاستثمارات الضخمة في مجال البترول، أو البتروكيماويات، أو التعدين.
كنت أتمنى أن اعتبر quot;أزمة دبيquot; فرصة لنا لإعادة التوازن إلى وضعنا الاستثماري الداخلي، ولكن معرفتي بأسلوب عملنا البطيء، لا يعطيني الكثير من التفاؤل، وهذه قضية أزلية!!