تركي الدخيل

هل انقرض الإنسان quot;السعودي العاديquot; من المجتمع؟!
وأعني بالسعودي العادي هو ذلك الشخص الذي يعيش حياته بهدوء بعيداً عن التوجيهات الأيديولوجية، وعن التيارات المتناحرة والمتذابحة. الإنسان الذي يقوم بواجباته على أكمل وجه. من تربية لأبنائه، ومن إنجاز في عمله، وبنفس الوقت فهو يتابع مطربه المفضل ويشجع فريقه الرياضي، ويقرأ الجريدة، ويهتم بالكثير من الجوانب الفنية والثقافية والأدبية، من دون أن ينضوي تحت تيار أو أن ينجرف وراء جموع وجماهير.
في السابق قبل مرحلة جهيمان وما تلاها من تبعات على المستوى الديني والاجتماعي، كان الناس يتعاطون مع مباحات الحياة بشكل فطري، كان التلفزيون السعودي منفتحاً على الجوانب الفنية الأصيلة، أما اليوم فإن الضخ الأيديولوجي، والإرجاف الفكري حول الأشخاص إلى ثكنات عسكرية متنقلة، أصبح الحرام هو الأصل واختفت مساحات المباح، وبات الناس يسألون عن كل صغيرة وكبيرة، أحرام هي أم حلال؟!
سأل الناس عن كل المباحات، من مشاهدة الفريق الرياضي، إلى سماع الفنون، إلى أن وصل البعض إلى حد تكفير الناس على الصغائر، ونشطت المواعظ المبالغ فيها ضد الحياة، وضد الجمال. وهو أمر لم يكن موجوداً في المجتمع قبل المد الديني، الذي ساهمت في ضخه حادثة جيهمان وما تبعها على المستوى السعودي، ومن ناحية إقليمية ساهم مدّ الإخوان المسلمين والثورة الإيرانية، في تحويل فكرة الإصلاح الحزبي للدين إلى موضة، تتناغم مع إسلام السوق.
قال أبو عبدالله غفر الله له: كم نحنّ إلى السعوديين الذين نشاهد كركتراتهم في بعض المسلسلات، ليس حنيناً إلى quot;شظافquot; عليان وسعيدان، ولا إلى سذاجة حمود ومحيميد، وإنما إلى جمال البراءة والبساطة، والتي لا تستلزم السذاجة. نحنّ إلى ذلك الزمن الأثير، كان الناس بلا عصاب نفسي تجاه العصر والجمال والحياة. ظننا لفترة أن التقنية ربما تساهم في فكّ العزلة الاجتماعية عن العالم، لكنها ما لبثت أن مكّنت الأفكار المتطرفة من النفوذ، في الإعلام وفي الإنترنت.
قلت: والإنسان العادي الذي كاد أن ينقرض، ربما تجد نماذجه في الأرياف الصغيرة، وفي الحقول، أناس يحرثون الأرض وهم يغنّون للعصافير، ويخرفون النخلة على هدير الحمام، أولئك هم السعوديون الذين ندر صنفهم.