علي القاسمي

يفترض أن يكون بطلاً لعمل روائي لا عنواناً لمقال عابر وأسطر مارة، ويستحق أن يقفز عنواناً لنص نثري وقصيدة شعرية ويشار له في لوحة غالية الثمن، بقي على مرور الوقت والزمن وبتقلب الطقوس والأحوال ومع المفاجآت والظروف علامة فارقة في صُوَر المجد الساطعة، وظل نجماً مضيئاً في سماء التحدي، يكفيه أنه لا يأنس إلا في المناطق الساخنة، تلك التي يقف فيها بقلب شجاع وجسد مغامر، آخر عهده بمناطق الصمود والتصدي كان في الحد الجنوبي عندما ذهب بروحه، وأهمل جروحه من أجل ألا تُجرَح الأرض، فغرد بصوته الأطهر والأنقى، وتباهى بحضوره المشرف مودعاً مَنْ خلفه، متناسياً ماضيه ومتجاهلاً مستقبله، لأنه أراد إحدى الحسنيين والاكتفاء برايتين وورقتين ومستقبلين فيهما من البياض ما يكفي laquo;النصر أو الشهادةraquo;.

عَلّم جبهته أنه لا معنى لها إن لم تكن ميداناً لحبات العرق، وطمأن أهله أن طريق الجنة يُختَصَر بشهادة في سبيل غاية، ودرب جسده على أن النوم والكسل والجوع والعطش والخوف منزوعات بالفطرة ولا حياة وشرف ورفعة له بها، أضاف - بطموحه ورغبته المشتعلة - لطيبة هذه الأرض وناسها ورجالها فخر ورائحة تسمية laquo;شهيدraquo; ولذة ندائه ومن بَعدَه بها، يضيء ببدلته الفاخرة اللافتة أمكنته التي يودع فيها الحياة الفانية إلى الأخرى الباقية تحت ظل ابتسامة لا ترتسم بشجاعة إلا على شفاهه، ولا يدركُ رسمها وبراءتها ونقاءها وصفاءها إلا من يطالعها خالصة طاهرة نقيه في وجهه وهو laquo;شهيدraquo;؟ تقاسيم وجهه قادرة على جلب الانتباه والانجذاب والإعجاب، وتشرح درساً مجانياً لمعزوفة الحماسة والفراسة وإيقاع ونغم الصبر والصمود، يتمازج بحسب مقتضى الحال بين الرحمة والقسوة وهو يعرف في قواميس اللغة مفردات هائلة، ولكنه لم يتعرف ويعرف بَعد laquo;مفردة الخوفraquo;؛ فهي تتعاكس مع جسده وروحه وطموحه. له قصة لافتة مع الألوان؛ فهو يلتقي بالبياض في نيته ومطيته وروحه وقلبه، ويلتقي بالأخضر أرضاً وراية، ويتفاءل بالأحمر انتصاراً وشهادة ويراه فاصلاً ولوناً أخيراً لا قبله ولا بعده، لون حين يطلب ويتطلب الموقف أن يكون أو لا يكون.

يَطرَب وينتشي ويتفاعل حين يُدعَى إلى أرض معركة، ويشتمّ رائحة بارود، ويسمع دوي رصاص، يصوم عن الطعام والشراب حين يَشك للحظة واحدة أن اللقمة وكوب الماء تستدعيان الخمول والتراخي، وهما اللذان لا يحبهما ولمجابهتهما صام، هو وحده من قلب طاولة الأحلام والأماني للصغار ووضع المستقبل في العينين حلماً فاخراً لجيل كامل بات في غمضة عين أقصى ما يتمناه أن يكون جندياً سعودياً ببدلة رجولة، كان حلم الصغير عندما يكبر مختصراً في أن يكون لاعب كرة أو مشهوراً في أي مجال ومع طموح الأهل صاحب شهادة تؤهله لمستقبل عيش آمن، الصغير عاد يحلم أن يكون ذلك الجندي السعودي الذي يرفع الراية الخضراء ويحمي الأرض ويبتسم في الموقف الصعب، مفهوم السباق لدى الجندي محصور على الجبهة والموت هناك ألذ مطلب، والانتصار أشهى ما يتحقق، وما بين لوازم اللذة والاشتهاء يكمن السباق العظيم الخفي حول من يعتلي بالشهادة ومن يرتقي بالنصر، يكفي أن هذا الجندي مسلم سعودي تتعادل لديه كفتا الحياة والموت حين يتقرر مصير، ويدون كل يوم في صفحة المجد اسمه ورسمه وذكره، له قبلة على الرأس واحترام في القلب وإعجاب لا يتوقف ومعين حب لا ينضب، ولن ألوم صغيراً واحداً حين يطمح أن يكون ذات يوم جندياً سعودياً بمثل هذه الكاريزما المدهشة والتفاصيل المثيرة والحضور القوي، الذي يشرح أعظم درس وطني على الإطلاق.

[email protected]