الرياض: محمد الحميدي
تصاعدت وتيرة الاختلاف بين قطاع الأعمال السعودي ومؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) حول دور البنوك المحلية في تلبية احتياج السوق المحلية من التمويل والإقراض، وتنامي مطالب الأنشطة الاقتصادية وتزايد مجالات التنمية المتنوعة.

وبادر الدكتور محمد بن سليمان الجاسر، محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، بحمل لواء التأكيد على دور القطاع البنكي في بلاده لتلبية الاحتياج القائم للإقراض، بينما وقف رجال الأعمال على بلاط مجلس الغرف السعودية بقوائم لأنشطة لا تزال تحتاج إلى مليارات الريالات للقيام بها وتقويتها. واضطر الجاسر إلى استجلاب بيانات وإحصاءات رسمية صادرة عن إدارة الأبحاث الاقتصادية والإحصاء في جهازه، ليؤكد أمام أكثر من 100 رجل أعمال وممثلين عن قطاع الأعمال، بالأرقام أن حجم ما تقدمه البنوك المحلية للإسهام في تمويل أنشطة القطاع الخاص بلغ 723.4 مليار ريال حتى نهاية عام 2009.

يقول الجاسر عن هذه القيمة إنها تمثل 159 في المائة تقريبا من إجمالي الناتج المحلي للقطاع الخاص بالأسعار الجارية، وكذلك تشكل 5 أضعاف حجم القروض الممنوحة من صناديق التنمية الحكومية التي قدمت 147 مليار ريال حتى نهاية الربع الأول من العام المنصرم. وأفاد الجاسر في اجتماع عقد بمقر مجلس الغرف السعودية لمناقشة أبرز القضايا الاقتصادية والمالية التي تؤثر على أداء وتطور القطاع الخاص، بأن إقراض البنوك للقطاع الخاص خلال السنوات الثلاث الماضية بلغ متوسط نموه السنوي 19 في المائة، بينما لم يتجاوز متوسط نسبة نمو الناتج المحلي للقطاع الخاص خلال الفترة نفسها سوى 4.2 في المائة.

في المقابل، تناول قطاع الأعمال الحديث عن الحاجة الماسة ndash; حاليا - إلى دعم منشآت الشركات الصغيرة والمتوسطة من قبل البنوك لما تمثله حاليا وما ستمثله في المستقبل القريب للاقتصاد المحلي السعودي من أهمية بالغة، في حين لفت عقاريون إلى أن البنوك تتسبب في تعطيل مشروعات تطوير وتنمية مخططات عقارية نتيجة التزاماتها المتشددة. وذهب مقاولون حضروا الاجتماع إلى الدعوة بدعم المطالب بإنشاء بنك للمقاولين في ظل ما يواجهونه من إحجام بنكي عن تمويل المشروعات الحيوية التي يقفون على بنائها حاليا، في حين أكدت مجموعة أخرى من قطاع الأعمال حضرت اللقاء من خارج الرياض على أهمية توزيع محفظة الإقراض البنكي على مناطق المملكة.

وأجاب المحافظ عن تلك التساؤلات بأن laquo;مؤسسة النقدraquo; جهة تشريعية وإشرافية لا يمكن إنشاء بنوك متخصصة في الأنشطة التجارية، مستطردا أن الأنظمة المتعلقة بالعقار ستكون دافعة بقوة للبنوك المحلية لعمليات التمويل لهذا القطاع، مشيرا إلى أن قطاع المقاولات استفاد حتى عام 2009 بقيمة 156 مليار ريال كتسهيلات.

وشدد الجاسر على أن البنوك السعودية لديها من القدرة والملاءة المالية ما يجعلها تفي بمتطلبات السوق الإقراضية المحلية، بيد أنه لفت إلى أن تلك البنوك وهي التي تعمل في الأساس بمدخرات المواطن، يقع على عاتقها مسؤولية المحافظة على تلك المبالغ، لذا لن تبادر بالمسارعة في تحقيق طلب القرض دون استيفاء اشتراطات laquo;مستوى الأمانraquo; لسداد الدين.

واستغل الجاسر الموقف للتأكيد أن المحافظة هي سياسة laquo;مؤسسة النقدraquo; التي تمضي فيها بشكل حكيم وحصيف، حسب تعبيره، مفيدا أن تجربة السعودية في السياسة النقدية والمالية بعد أن كانت مثار جدل لكثير من مؤسسات التقييم العالمية، سجلت بادرة تبحث عن اقتفائها أثر أبرز مؤسسات التشريع المالي حول العالم.

وقال الجاسر: laquo;كان أكبر انتقاد للمملكة هو المبالغة في المحافظة وزيادة المخصصات، بينما الآن لجنة (بازل) و(مجموعة العشرين) تطلبان تجربة السعودية مبدين نجاحها الباهرraquo;.

ورفض محافظ laquo;مؤسسة النقدraquo; الادعاءات حول ضبابية الإفصاح في القطاع المالي السعودي، حيث أكد أنه عكس ذلك تماما، مشددا على أن المعلومات دائما تحدث ومتوافرة على موقع المؤسسة، مما يجعلها أكثر إفصاحا، بما في ذلك البنوك المحلية التي دائما ما تبادر قبل البنوك العالمية للإعلان عن قوائمها المالية فور بدء فترة الإعلان بأيام.

وقال الجاسر حول ملف المجموعتين المتعثرتين في السعودية laquo;سعدraquo; وlaquo;القصيبيraquo;، وإفصاح البنوك المركزية في بعض الدول القريبة: laquo;لم تصرح الجهات المصرفية الإشرافية في الدول الأخرى عن من أصبح لديه تعثر، بل كانت انتقائية، ليس من الحصافة الكشف عن أسماء لأن العمل المصرفي جزء من المخاطر لذا هناك أنظمة وقوانين تتعلق بذلك في البنوكraquo;. وزاد: laquo;هل يريد قطاع الأعمال أن تكون البنوك مشهّرة بالشركات والمؤسسات.. يجب أن تدار العملية بحرفية متوافقة مع الأنظمة العالميةraquo;. وتناول المحافظ في كلمته التي ألقاها أمام مجلس الغرف السعودية، سياسة سعر الصرف، حيث جزم بأن استقرار سعر الصرف عند مستواه الحالي خفف من تبعات ومخاطر تقلبات أسعار الصرف وهيأ المجال لأصحاب الأعمال الذين لهم تعاملات خارجية للتركيز على المخاطر الأخرى، إضافة إلى فوائده الإيجابية على البيئة الاستثمارية.

وبرر الجاسر اختيار الدولار عملة ربط جاء لأسباب اقتصادية بحتة ما زالت قائمة، منها أن معظم صادرات المملكة مقيمة بالدولار، كما أن نحو ثلثي وارداتها تسعر وتدفع قيمتها بالدولار إضافة إلى تأثيرها على الأوضاع المالية العامة للدولة من خلال المحافظة على قيمة إيرادات النفط، مشيرا إلى أن الدولار يعد العملة التي تتداول وتسعر بها معظم السلع في العالم، حيث إن نسبة 60 في المائة من احتياطات العالم ما زالت مقيّمة بالدولار.

وأفاد الجاسر أن نهج laquo;مؤسسة النقدraquo; وأداءها للسياسة النقدية يتسم بالاتزان والتكيف مع ظروف الاقتصاد العالمية ومتطلبات الاقتصاد المحلي، وسط مجابهة الدورات الاقتصادية بالتناغم قدر الإمكان مع السياسة المالية.

وقال المحافظ إن laquo;مؤسسة النقدraquo; تسعى إلى المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي في الاقتصاد الوطني باستخدام كل الأدوات المتاحة وبتنسيق مستمر مع الجهات الاقتصادية الأخرى، عبر مراقبة مؤشرات الاقتصاد الكلي، وتوفير السيولة الملائمة، وبذل الجهود على استقرار المستوى العام للأسعار.

ولفت في حديثه إلى دور الإشراف على القطاع البنكي حيث تنتهج سياسة رقابية متحفظة تعتمد على مبادئ الإشراف الفعال، وتطبيق معايير المحاسبة الدولية، موضحا أن متوسط نسبة كفاية رأس المال لدى البنوك بلغ 16.2 في المائة بنهاية الربع الثالث من عام 2009 بينما لم يتجاوز نسبة القروض المشكوك في تحصيلها إلى إجمالية الإقراض البنكي لنفس الفترة 3 في المائة.

وأفاد الجاسر أن نسبة نمو إجمالي الأصول البنكية تجاوز نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي، وهو المؤشر على أن نمو دور البنوك في التمويل أكبر من النمو في إجمالي أنشطة الاقتصاد المحلي، إذ بلغت نسبة النمو السنوي لإجمالي الأصول البنكية حتى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي 6 في المائة، في حين بلغت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 0.15 في المائة.

وأفصح الجاسر أن إجمالي تدفق المبالغ عبر قنوات النظام المصرفي تضاعفت خلال 9 سنوات الماضية بأكثر من 10 مرات، حيث إن ارتفاع حجم عمليات النظام السعودي للتحويلات المالية (سريع) بلغت حتى نوفمبر الماضي 55.5 تريليون ريال مقابل 5.2 تريليون ريال في عام 2000.

ولمح الجاسر إلى أن جل اهتمام laquo;مؤسسة النقدraquo; هو توفير بيئة مواتية للاستثمار تتميز باستقرار نقدي ومالي ومصرفي يبث الطمأنينة في قطاع الأعمال ويساعد على النمو، مؤكدا لرجال الأعمال أن النظام المالي المحلي في وضع متميز، وساعد في تفادي أسوأ آثار الأزمة المالية العالمية، بل أصبح محل اهتمام على نطاق واسع عالميا.