أحمد ديركي : لم يعد للزمن حساب بحيث أصبحت الأيام متشابهة .. قصف وغارات جوية على مدار الساعة ،فإذا أشرقت الشمس في العراق فهي مغطاة بدخان أسود وإذا غابت فهي مغطاة أيضا بالذات المتحدة لهذا الدخان .فما الفرق بين الليل و النهار ؟ لا شيء لأن كلاهما يحملان الموت لهذا الشعب .
غريب ، دخان من العدم ؟ لا بد من وجود سبب وجيه لهذا الدخان الذي يستحق الموت من أجله .
السبب هو الديمقراطية.. هذا الجديد الآت من بلاد الديمقراطية، أميركا. ويوجد في هذه البلاد أيضا مصنع كبير يضخ الديمقراطية إلى كافة البلاد .
هذه الديمقراطية ما لبثت أن أصبحت المنتج "رقم واحد" في تلك البلاد و السلعة الأكثر إستهلاكا في الدول التي تستوردها .. خاصة البلاد العربية.
وبما أن البلاد العربية سوق إستهلاكي حتى الثمالة ، فهو قادر على إستيعاب كل شيء .وبما أنها بلاد تمتلك كمية هائلة من المواد خاصة ما يعرف بـ" الذهب الاسود" ، فهي قادرة على شراء "سلعة الديمقراطية" مهما بلغ ثمنها .
وما يميز هذه السلعة عن غيرها هي القدرة على تصنيعها وتفصيلها حسب الطلب كي تتلاءم مع جميع الأذواق. فهناك ديمقراطية إسلامية ،وهي حلال لأن العاملين في قسم الإنتاج يذبحون على الطريقة الإسلامية، وهناك العربية وهذه تجيد التكلم باللغة العربية وتحمل صفات العرب من كرم الضيافة والشجاعة حتى أنها يمكنها أن ترتدي الزي العربي التقليدي في عصر طغى عليه الجينز.وهناك أنواع أخرى عديدة كالقومية ، والمناطقية ، والجنسية وديمقراطية التعليم ,وحتى ديمقراطية الشيطان .
لعل هذه الليونة التي تمتلكها جعلت الطلب عليها كبيرا ما أدى بالضرورة إلى إرتفاع سعرها بشكل مخيف . هذا الإرتفاع المنطقي وفقا لقاعدة السوق الذهبية والتي تنص كما هو معروف أن السعر يزيد حينما يكثر الطلب .وهنا يكمن الفرق بينها وبين الذهب الاسود . فالأولى ملك للسوق وهو له حرية التصرف بها كما يحلو له ، أما الثاني فهو ليس ملكا لمن يملكه.مفارقة غريبة ، فكليهما يمتلكان "خاصية الذهب"، لكنهما يخضعان لقوانين مختلفة .وما الفرق فعلا ،ما يهمنا هنا هو الديمقراطية.
.وبالعودة إلى "سلعتنا" الثمينة، فهي إذن خاضعة لقانون السوق . فيرتفع ثمنها ويبدأ إحتكارها وتبدأ المضاربات خاصة في حال وجود "مضخ" واحد لها والتي من دونها يصبح الإنسان خارج العصر المتطور المتنور.
من هنا تناطحت الدول العربية للحصول عليها لا من أجل إحتكارها لأهل السلطة ، على العكس فالإحتكار لا يقع في أي مكان ضمن لوائح الشيم العربية.فهذه الرغبة في الحصول عليها نابعة من الخوف من نفاذها من الأسواق قبل حصولهم عليها وتوزيعها بالتساوي بين أبناء رعيتهم .. أجل بالتساوي خوفا من ظلم أي فرد من الأفراد تماشيا مع المثل القائل "نم ظالما ولا تنم مظلوما".. عفوا .." نم مظلوما ولا تنم ظالما ".
القصة بدأت هكذا ، ذهب العرب مهرولين الى أميركا حاملين معهم كل ما يملكون وما تملكه رعيتهم بغية شراء الديمقراطية والعودة بها الى البلاد لتوزيعها بالتساوي . الامر الذي بشر بأمور إيجابية عدة ، فالعرب لم يتفقوا يوما على شيء سوى شراء الديمقراطية .فانظري إيتها الرعية كيف إتفقوا جميعا عندما أردوا خدمتك.
وبما ان الديمقراطية أنواع ومقاسات والوان ، قام كل من الحكام بالشراء وفقا للمقايس التي تناسبهم و تناسب رعيتهم . فدفعوا ما يملكون ورهنوا ما لا يملكون ، حتى أن بعضهم قام بيبيع ملابسه كي يدفع القسط الأول من ثمنها وعاد مع من عادوا بلا ثياب عاريا مستعيريا .عادوا جميعا الى بلادهم التي يحبونها كمحبة الملك لعرشه .
وما ان وصلوا الى الوطن العربي الذي تقاسموا حكمه ببعض المساعدة الخارجية الأميركية و البريطانية والفرنسية حتى بدوأ بتوزيع الحصص بالتساوي .فسارعت الرعية، كل يريد أخذ حصته . تناهشوا كتناهش حكامهم حين ساوموا للحصول عليها .الحصة الأولى كانت للفئة الوفية وفاء الكلاب حرصا على راحة بالهم . فمن المنطقي أن تكون الحصة الأولى لهؤلاء ، فهم في نهاية المطاف العناصر الفعالة في الترويج للسلعة الجديدة بعد توزيعها . ومن الأجدى بهذه الحصص غير المستشارين والمثقفين واساتذة الجامعات و رؤوساء اجهزة المخابرات والامن .. زعماء الاجهزة القمعية الديمقراطية .
ولعله تجدر الاشارة هنا ، ان حكامنا و نتيجة نباهة عالية ، لم ينسوا طلب الكفالة .. وكانت لهم مدى الحياة ،وكانت السعادة لا توصف .
.. كان يا ما كان حاكم عربي يقوم بتوزيع ديمقراطيته ، ولم يتمكن من اتمام المهمة نتيحة خلل ما اصابها ، فاتصل بالشركة المصنعة لها . وطبعا اتى عمال الشركة مهرولين على طائرة بـ 52 مصطحبين معهم أحدث ما عندهم من "المكيانات" مستعينين باحدى الفروع البريطانية القريبة في المنطقة . فبريطانيا تملك خبرة "شرق اوسطية "لا بأس بها .
السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو لماذا الخبرات البريطانية على الرغم من وجود نزاع اقرب .. الصهيانة ؟ الجواب سهل للغاية ، فالصهاينة يعانون من حساسية مزمنة من طقس المنطقة ، كما ان اهل المنطقة انفسهم يعانون من حساسية تجاه الصهاينة ،لكن العلاج موجود وهو مذكور في الكفالة والمصنع بدأ بتطبيقه فعليا على الحكام لينطلق بعدها الى البقية الباقية .
.. كشفت الفحوصات الاولية ان الخلل لا يقع في الديمقراطية ، وانما في الشخص الذي قام بتوزيعها . ويا لهول المصيبة ، كيف تجرأ هذا الحاكم المحب ، كبقية اصدقائه الحكام ، بإساءة استعمال هذه السلعة الثمينة .وجاء التشخيص على الشكل التالي : لقد قام احدهم بالاحتفاظ بجزء كبير منها الى نفسه ووضعها في مكان رطب ، ففسدت وتحولت الى ما نسميه بالدكتاتورية . والعلاج يجب ان يكون على الشكل التالي ، إستأصال الديكتاتورية من جذورها وإعادة السلعة الى حالتها الطبيعة وذلك عبر تعريضها للشمس مجددا .
وعقب الاعلان عن العلاج ، دب الخوف في نفوس بقية الحكام ، فقاموا باخراج الديمقراطية من اماكن حفظها وعرضها على المسعفين الوافدين من الغرب .لا يعلمون اذا فسدت بضائعهم ام لا ، فعملية اعادة تصنيع الدكتاتورية انجزت في مرحلة قصيرة جدا . وذلك طبعا يعود الى جهود الحاكم الذي قام بافسادها والذي اختفى بحثا عن "قطع غيار". الا ان فحص بقية الديمقراطيات في المنطقة موجودة على جدول اعمال المصلحين .
الانتظار ممل ، ولا يشعر بعبئه الا من كان في ذلك الموقع ، لكن مصدر مسؤول رفيع المستوى مقرب من فريق الصيانة أكد أن النتيجة كانت ايجابية وان الرطوبة لم تؤثر على بقية الديمقراطيات . الا أن المضخ أوضح للحكام أن عليهم المحافظة عليها في حالتها السليمة قدر المستطاع حتى يحين موعد الكشف الثاني .
وكشف المصدر الموثوق ان النصائح اتت على الشكل التالي " ان المادة الرئيسية التي يجب المحافظة عليه في سلعكم هي "الخيانة" ، وذلك عبر "البقاء بدون اي حركة تذكر ". فارتاح حكامنا لهذه النصائح ، كما ذكر المصدر الموثوق ، فهم يملكون من تلك الامور ما يكفي و يفيض .
حتما ان حكامنا ورعيتهم المقربين منهم و المضخ للديمقراطية يعيشون في حالة من الارق الدائم ، فنحن نخاف من نفاذ مادتي الخيانة و قلة الحركة ، بينما المضخ يعيش في خوف دائم من فساد بضاعته المكفولة مدى الحياة ، ما دام هو على قيد الحياة .
- آخر تحديث :
التعليقات