الخليجي وطقوسه وعاداته ..والحرب السياحية الخفية
نسرين عزالدين :هي هيبة الثراء، لعلها صورة نمطية إلى حد ما .. صادقة في بعض الأحيان ومضللة خادعة في أحيان اخرى .
.."أهلا وسهلا بكم في لبنان ، بلد الضيافة ". حل الصيف باكرا في لبنان ،والسياح تهافتوا بأعداد هائلة من كل ناحية وصوب وخاصة الخليجين .وللخليجين في لبنان مكانة خاصة .. وأماكن خاصة .
كما كل عام يتكرر المشهد ، تختنق المناطق الجبلية بالوافدين العرب وتضيق العاصمة بزوارها .
فهذا الوافد من "بلاد الذهب الأسود" ، كما يحلو لبعض اللبنانين وصفه ، سائح "باب اول " ، وبالتالي خاضع وبقوة الى تصنيف "انه خليجي " وما يتبعه بالضرورة من تكهنات حول أماكن تواجده . هذه التكهنات التي تنحصر في الأسماء الأكثر شهرة وفخامة وغلاءا .
وإن كان الخليجي قادربشكل عام على تحمل النفقات "الهائلة " ، فإن اللبناني لم يقصر في منحه عام بعد عام خيارات إضافية تمكنه من سحب كميات اكبر من عوائد " الذهب الأسود". فكل خليجي بالنسبة للبناني هو نتاج ذلك الذهب .. يراه " كبئر بترول متحرك" . وأي عربي غير ثري ، يشطب فورا من لائحة السواح ويصنف كزائر مؤقت لا أكثر .

اللبناني تاجر بالفطرة ، تاجر محنك بتركيبته الجينية ، بلاده أمنت له المناخ الملائم لتنمية مواهبه .وبين سائح " باب أول " وتاجر محنك تشتعل حرب سياحية خفية ..
وبين سائح" قادر على شراء كل شيء " وبين تاجر لم يعرض كل شيء للبيع .. خلقت المشكلة .


*إنه ثري .. فليدفع

ميل بعض اللبنانين إلى تصنيف الخليجيين بصورة عامة في خانة الأثرياء جدا ، وبالتالي فإن أي "زيادة " في سعر السلعة أو الحجز تبدو من وجهة نظره مقبولة .الأمر الذي يرفضه وليد الذي يشغل منصب مدير العلاقات العامة في أحد الفنادق "المقصودة خليجيا" .." لفندقنا كما كل الفنادق أسعار محددة .. ونحن لا نقوم بزايدتها أو تخفيضها حسب جنسية أو ثراء أحد ." فهذه الزيادة يجب أن تتم بناءا على قرارات إدارية يتم تعميمها في وقت لاحق " وخلال السنوات الثمانية التي أمضيتها في هذاالمنصب .. لم يتم خرق هذه القاعدة يوما وأستطيع أن أؤكد أن الأمر ينطبق على كل الفنادق التي يهمها الحفاظ على صورتها ".

الا أن هذه القواعد الثابتة " فندقيا" لا تنطبق بأي شكل من الأشكال على الشقق . فبعض السياحيفضلون إستئجار شقة اما في العاصمة أو في المناطق الجبلية .وهنا تبدأ حرب الأسعار ، فالزيادة التي " تطرأ " على الإيجار قد تصل إلى حدود غير معقولة أحيانا .

"هو موسم تجاري وكل شيء مباح في الحرب والتجارة " .. هكذا ارتأى محمد، مالك إحدى عمارات الشقق المفروشة من منطقة عالية، تفسير مبدأ السياحة وما يستلزم بالضرورة من تحايل على الإسعار .أما محمود الذي وجد في الموسم السياحي مناسبة لمدخول إضافي ، فيقوم بإستئجار شقة في صوفر قبل الموسم السياحي الذروة بسعر معقول ليعود ويؤجرها لإحدى العائلات الخليجية .." قد أكون أقوم بدفع الإيجار لمدة أربعة أشهر إضافية ، لكن المبالغ التي أتقاضاها تعود علي بربح خيالي " .

في المقابل وعلى الرغم من خضوع الخليجي لتلك الحسابات اللبنانية بإمتياز ، ودفع كل ما يطلبه صاحب الشقة ، الا أنه مؤخرا بات يرفض تلك "الحيلة ".

فتركي الذي يأتي سنويا مع عائلته إلى بيروت بات يرفض أن تنطلي عليه " المجزرة المالية" مجددا .. " لا أعرف لما الإحتيال .. قد أكون قادرا على دفع كل ما يتوجب علي واكثر ، لكنني أعتبرها خداع لشخصي " . من هنا قام " القادم " الأجنبي بإستعمال أسلوب " المقيم " فعمد إلى إستئجار شقة قبل الذروة السياحية .."على الرغم من دفع مبالغ اضافية لشهرين .. إلا أن المحصلة النهائية لا تصل إلى الأرقام الهائلة التي كنت ملزم بدفعها قبل ذلك ".

*أحبه .. لا أحبه
" لا أعرف من أين جاءت هذه الفكرة .. لدي عدد كبير من الأصدقاء اللبنانين ، وهم يحبونني جدا ." يعترض أحمد على إحتمال " عدم محبة " اللبناني للخليجي ، " كما أن اللذين لا أعرفهم جيدا غاية في اللياقة والذوق ".

من جهته يعرض فادي وبحدة مشاعره تجاه الوافدين العرب ،" لا أحبهم ، لا بل أكرههم ..يأتون كل عام بأعداد هائلة ويستولون على كل الأماكن وكأنهم يملكون البلد .. كأنهم فارس شجاع قادم لإنقاذ لبنان من العجز الذي يعاني منه ".

هذا الشعور، وإن إختلفت مبرراته وأسبابه ، و الذي يحمله عدد لا بأس به من اللبنانين يقابله " عدم معرفة " لفئة خليجية بحقيقته .

" أعلم أن الخليجي غير محبوب في لبنان " يبتسم تركي بهدوء " فالبعض يأتي للتنفيس عن كبت إجتماعي أو جنسي وبشكل غير لائق أحيانا ".هذا الإختلاف في المشاعر بين التقبل أو عدم التقبل ، بين محبة أو كره نابع من التناقض الكبير في أسلوب التعاطي بين الطرفين .

فإذا كانت فئة من اللبنانيين لا تحب الخليجي ، فإن فئة من الخلجيين لا تحب اللبناني ايضا .. وإن كانت فئة من اللبنانيين تعتبر الخليجي متعال ، يأتي الى بيروت من أجل غايات " في نفس يعقوب" ، فإن فئة من الخليجيين تعتبر اللبناني مجرد عامل وجد لخدمته .. أو امراة مسلية أو نديم طريف .

ففي الوقت الذي من المفترض أن ينحصر التعامل في " المناطق التجارية" بالرسيمة ، فإن بعض العاملين في ذلك النطاق يبدون انزعاجا هائلا من أسلوب التعامل .." وكأنه ملك ونحن وجدنا لخدمته " ، تقول سهام بإمتعاض " يظن أنه وبمجرد نطق طلبه علينا بتنفيذه ، الأمور لا تسير وفقا لكن فيكن .. هو زبون كغيره من الزبائن ".

في المقابل يرى أحمد أن مبدأ " إدفع اكثر يتحقق لك ما تريده " ليست عقدة خليجية بحتة .."لا يمكن القاء اللوم علينا ، فبعض العاملين يقولونها بصريح العبارة .. إدفع أكثر يتحقق لك ما تطلبه .. هي تجارة لا أكثر ".

*الإختلاف الإجتماعي

من المسلم به جدلا وجود إختلاف إجتماعي هائل بين لبنان ومعظم الدول العربية ،فلبنان المتحرر بشدة يقابله مجتمعات محافظة . ونتيجة لهذا الإختلاف ، يسعى الوافد من بلاد المجتمعات " المحصورة" إلى بلاد الإنفتاح الهائل إلى القيام بكل ما لا يمكنه القيام به في بلده الأم .

فتعج الملاهي الليلية والمطاعم وأماكن الحفلات بالخليجيين .." الكحول متواجدة في بلادنا ، لكننا نشربها سرا في منازلنا خلال مناسبات ذكورية "، يعدل فيصل في جلسته ويبتسم " اما تناولها مع الجنس اللطيف فهو امر اخر "، ثم يستدرك قائلا " تناول الكحول في مكان عام له نكهته الخاصة ." اما بشير صاحب احد الملاهي الليلية في بيروت فيرى ان الزبائن الخليجيين نوعان .. الا انهما و بشكل عام " دفيعيين ".." هناك من يلتزم بادبيات وحدود معينة وهناك من لا يلتزم ، الامر الذي ينطبق على كل الجنسيات .. النوع الاول من الزبائن الذي اتمسك بهم .. لانهم محترمين .. هذه النوعية التي لا نجدها كل يوم .. حتى من اللبنانين انفسهم ".

وقد يأخد التنفيس الاجتماعي اشكالا اخرى ، من خلال جلسات عادية في مطعم او مقهى ، حيث يختلط الذكور بالاناث ، الامر اللذي قد يكون مفقودا في بلادهم .هذه التجمعات التي تنحصر في وسط بيروت التجاري ،والتي تعود بمردود مادي ضخم، باتت علامة فارقة للخليجيين .فينقرض العنصر اللبناني الى حد ما خلال تلك الفترة ..فاللبناني يفضل الانعزال الى اماكن اخرى تفاديا "للطرد".فصاحب المطعم او المقهى مستعد وبقوة الى التخلي عن اي زبون لبناني واستبداله بخليجي .

وان كان البعض ياتي للتنفيس عن كبت اجتماعي او حتى مجرد السياحة ، فان الوسائل متاحة للنوعين .. اللبناني يعرض والخليجي يشتري .
وعلى صعيد اخر ، تبرز مشكلة جديدة ، فما يعرفه اللبناني عن خصوصيات المجتمعات الخليجية تنحصر في معلومات قليلة عن اسلوب الحياة ، او بعض النكات او المعلومات السطحية عن المشكلات الاجتماعية الداخلية . قلة المعلومات هذه يقابله تغلغل خليجي في خصوصيات ومشاكل وعادات واساليب فئة محددة من الشعب اللبناني.

هذه الفئة التي لا تشبه لا من قريب او بعيد البقية الباقية من المجتمع اللبناني ، هذه الفئة التي لا تشبه سوى نفسها باتت صلة الوصل التي يستخلص منها الخليجي "نظرته" للمجتمع اللبناني لينطلق بعدها من هناك الى التعميم .. قلة تكافؤ تميل الى " حصر " الخليجي في صورة نمطية ثرية من جهة ، وحصر اللبناني ايضا في عدة صور نمطية من جهة اخرى .
وان كان النوع الاول لا ينال من الخليجي سوى ما يمكن ان تكتنزه محفتظه فان النوع الثاني يتمحور حول اخلاقيات و طبيعة اللبناني .. التي يميل الخليجي الى سوء فهم " الحرية " التي يملكها هذا الاخير .

*اللبنانيات

لفئة محددة من اللبنانيات قصة خاصة ، ولفئة اخرى منهن وعلاقتهن بالخليجيين قصة خاصة جدا .الجزء الاول منهن قرر المشاركة في الموسم السياحي واخذن على عاتقهن تنشيط قطاع الخدمات ..هذا النوع الذي يتقاضى الاموال مقابل خدماتهن. هذا النوع الذي تنشط اعماله خلال المواسم السياحية تخلص منذ زمن عن صفة " العاهرة " .
هي خدمات لا اكثر .. وهي انواع ومستويات ..فمن تحمل صفة " العاهرة " تلتزم بمنطقتها ومن تحمل صفة "المرفهة " لها كامل الحرية والحق بالتدخل في الموسم السياحي .
اما النوع الاخر ، فهن اللواتي قررن "الاستغلال " من دون اعتماد صيغة البيع والشراء. هذه الفئة التي تصادق احدهم مقابل تكفله بدفع ما يمكن تسميته "بمصروفها "اضافة الى الفسحات والسهرات وغيرها من مستلزمات فصل الصيف .

" هذا النوع يظن انه يقوم بالاستغلال " يقول احمد ضاحكا.."الواقع عكس ذلك تماما ، فهذه الصيغة مريحة جدا لنا ، فخلافا لتلك التي يتم الدفع لها مقابل خدماتها لبضع ساعات وترحل ، فان العلاقة الاخرى تاخذ شكلا مختلفا ، فهي متوفرة طوال الوقت ".

هذه الصيغة التي وجد فيها الخليجي " علاقة تناسبه" ، ادت الى خلق مشكلة جديدة واساسها التعميم. فالخليجي ، وفي بعض الاحيان يميل الى تعميم هذه الصورة وبالتالي تصنيف كل اللبنانيات في احدى الخانتين .

" كنت اسهر في مكان ما واقترب مني خليجي وسالني بكم " تضحك دينا احدى المنتميات الى الفئة التي لا يعنيها لا من قريب او بعيد الترفيه عن السياح .." لقد اريته بكم ".. لكنها في المقابل تؤكد ان المشكلة لا تكمن في الخليجي فقط .." بعض اللبنانيات يذهبن مع من يبدي استعدادا لدفع ثمن سهرة او عشاء .. وهو يجرب حظه مع الجميع على ما يبدو." ..هذه التجربة "العشوائية" التي تؤدي الى "ارتباك " في اسس التعامل .

في المقابل تضحك رانيا تعليقا على "تحليل" احمد .." هو يرى فيها صيغة مناسبة .. ونحن ايضا ".. فهي غير معنية بتاتا باصابع الاتهام التي قد تشار لها .. "هو كغيره من الشبان .. لوكان لبناني لما تم نعتي باي صفة ، لكنه خليجي و يناسبني اكثر من اللبناني .. فهو دفيع ".

. فالخليجي يرى في كل لبنانية "مشروع محتمل " لمرفهة ،وبالتالي فان هذه الفئة وجدت في الخليجي منفر يدفعها الى تحاشي اي احتكاك معهن ..وحتى التوصل الى قناعات حول عدم وجود خليجي واحد لا يسعى وراء ترفيه اللبنانيات .

قد تكون تجارة .. فلبنان بات اشبه بسوق دعارة كبير يقوم بالعرض ..والخليجي زبون كغيره من الزبائن .. يقوم بالشراء .وبين العرض والطلب اختلط على الزبون السلعة ، وبات يبحث عنها في كل مكان .

وبعيدا عن مسببات هذه الحرب السياحية والعاطفية بين الزائر والمضيف ، فان الخصوصية التي يتمتع بها لبنان جعلته ارضا خصبة لكل انواع العروضات .. جعلت منه سوق سياحي .
هذا السوق الذي يدأب لاستيعاب كل الاختلافات التي تطأه بات اشبه ببركان على وشك الانفجار ورغم ذلك فانه يعيد ابتلاع حممه من جديد .. عام بعد عام ...
الصيف حل باكرا وبيروت تعج بزوارها العرب ..الحرب مشتعلة .. لعلها تكون حربا نظيفة هذا العام .